محاذير شرعية -أ‌- ((.. ويمنعون الماعون)) - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاذير شرعية -أ‌- ((.. ويمنعون الماعون))

نشر فى : الخميس 21 يونيو 2018 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 21 يونيو 2018 - 9:25 م

هذا تحذير ساقه الله جل جلاله لعباده فى آخر سورة (الماعون)، وهى إحدى قصار السور التى يحفظها غالبية الأطفال بل غالبية الناس. وقد احتوت تلك السورة على عدة محاذير تصيب «سلوك الإنسان»، فإذا استسلم لها ومارسها انقلبت حاله مباشرة من «حالة من يصدق الدين» إلى «حالة من يكذب بالدين»!!! والذى يكذب بالدين هو الشخص الذى تفلت من الالتزام الخلقى واتخذ لحياته مسارا غير أخلاقى.
ــ1ــ
تبدأ السورة بداية إعلامية ممتازة فى رسالة مباشرة لكل إنسان تقول: ((أَرَأَيْتَ الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)).. هكذا حشدت السورة عددا من السلوكيات الضارة التى يعتبرها الله سلوكيات من يكذب بالدين أى من يرفض الدين. وهذه السلوكيات المرفوضة هى إهمال اليتيم/ إغفال المسكين/ ترك الصلاة/ منع الماعون.
ــ2ــ
الملاحظة الأولى أن القرآن يسوى بين منع الماعون وترك الصلاة كما يسوى بين منع الماعون وإغفال حقوق الأيتام والمساكين.. فنحن هنا أمام توجيه قرآنى واضح يؤكد أهمية «الماعون» كما يؤكد خطورة منع الماعون، حيث جعل القرآن «منع الماعون» كترك الصلاة.. فـ«تيسير الماعون» فريضة مثل الصلاة تماما. كما أن «منع الماعون» مثل إهدار حقوق الأيتام والمساكين!!! فما هو هذا «الماعون» الذى وصفه القرآن فى درجة الصلاة ودرجة حقوق الأيتام والمساكين؟
ــ3ــ
أفضل وأوضح ما وصلنا من جيل الصحابة رضى الله عنهم فى معنى «الماعون»: اتجاهان بارزان، أحدهما يقول إن الماعون هو الماء والنار والكلأ، والآخر يقول إن الماعون هو الفأس والأوانى وسائر الأدوات. وفى تقديرى أن الاتجاهين صحيحان، ولكن كل منهما يخاطب حالة غير التى يخاطبها الآخر. فاعتبار الماعون أن الماء والنار والكلأ اعتبار صحيح فى حق هؤلاء العاجزين عجزا دائما عن الكسب حيث يقرر الشرع لهم حقا معلوما ((وَالَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ))، فشريحة العجزة بسبب المرض أو الكبر أو عدم تمكنه من مقومات المعيشة لابد لهم من الماعون، والماعون بالنسبة لهم هو الضرورات الخمس التى لا تستقيم حياة ولا تستقر دولة دون توفيرها توفيرا يكفى هؤلاء العجزة، وهذه الضرورات هى: ((الطعام/ الشراب/ الكساء/ السكن/ الدواء).
ــ4ــ
أما الاتجاه الثانى فى معنى «الماعون» باعتباره الفأس/ الأوانى/ الأدوات، فذلك فهم صحيح وهو المطلوب دائما من الدول والحكومات وسائر المؤسسات المكلفة برعاية الناس. فالماعون لعامة الناس هو آلات وأدوات العمل والكسب ثم أدوات المعيشة ووسائلها من مرافق ومعينات (الطرق/ المواصلات/ الاتصالات/ الإسعافات والتمريض والعلاج إلخ).
ــ5ــ
فإذا كان مجرد منع الماعون وعدم توفيره يعتبر جريمة شرعية كجريمة ترك المسلم للصلاة، ومثل جريمة إهمال الأيتام والمساكين فماذا يكون جزاء المحتكر للماعون؟ والمانع والمعجز لتوفيره؟ أو ماذا ينتظر هؤلاء الذين يتربحون من «الماعون» ويتربحون من طعام الناس ودوائهم؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات