إلى القرآن من جديد.. 3 العلم: بالبحث العلمى - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى القرآن من جديد.. 3 العلم: بالبحث العلمى

نشر فى : الجمعة 21 أغسطس 2015 - 9:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 أغسطس 2015 - 9:40 ص

ــ1ــ


نؤكد أولا أن ما ندعيه من تقصير البحث العلمى فى دراسة وتدريس القرآن الكريم لا نقصد به ــ على المدى القريب أو البعيد ــ البحث عما يكون فى القرآن من إشارات يسميها بعض المعاصرين «الإعجاز العلمى»، لا ثم لا، فليس ذلك من قصدنا فى شىء.

أما التقصير الذى نزعمه ونحاول الإشارة إليه هنا، فهو هذا التقصير الفادح فى تطوير علوم التفسير وإعادة النظر فيها فى ضوء عصرنا. فعلى سبيل المثال مازالت معظم كتب التفسير تصنع خلطا وتداخلا بين أربعة مصطلحات هى: «الدفع»، «الحرب»، «الجهاد»، و«القتال».

وهذا الخلط الغريب بين هذه الألفاظ شوه الخطاب الدينى تشويها عجيبا إذ جعل الأصل فى الإسلام العنف وحمل السلاح والغزو والحرب، وليس ذلك بصحيح. والمسئول عن هذا الفهم المعوج والتسطيح الشديد فى الدراسات اللغوية للقرآن عدم تفرغ المؤسسات الدعوية لإنجاز دراسة لغوية محايدة دون ارتكاز على رؤية مذهبية أو ممارسة تاريخية وجدت بعد عصر النبوة.

وهذا المثال الذى ضربناه محور هام يتوقف عليه مدى فهم التشريع القرآنى والنبوى فهما صحيحا وإمكانية تيسير تطبيقه والعمل به. وقد أكد القرآن على أهمية اللغة وحيادها فى دراسة القرآن فى أكثر من آية، حتى قال: ((قُرْآنا عَرَبِيا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ..))، وأخرى: ((الْحَمْدُ لِلَهِ الَذِى أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجا)).

وقس على ذلك ازدحام التفاسير بفكرة الترادف بين الألفاظ المتقاربة فى القرآن حيث يقاربون بين ألفاظ «الخوف»، «الخشية»، «الفرق»، «الرعب»، «الفزع»، «الوجل»، و«الرهبة». فلا يجد الدارس والقارئ تفريقا واضحا بين كل من هذه الألفاظ مع أن القرآن الكريم قد وضع كل لفظ منها فى صورة نفسية واضحة، فلماذا لا يخدم النص القرآنى خدمة تجلى معانيه؟ وتزيل ما فعله المستشرقون بالقرآن حيث قالوا إنه يجعل حياة الناس كلها خوفا ورعبا وهلعا، وذلك ناتج عن تقاعس الدراسات فى هذا المجال.

ــ2ــ


كذلك، فمازال علم «السنن الإلهية» فى الأنفس والمجتمعات والأمم ثم فى آفاق الكون ومسخراته: النبات، الحيوان، الماء، الأرض، والفضاء... الخ متأخرا تأخرا كبيرا. فكل تلك العناوين السابق الإشارة إليها قد تحدث فيها القرآن حديثا يكفى لتعلم حسن التعامل معها، وإحسان استثمار معطياتها فى تجديد الحياة وتيسيرها، وأكبر دليل على ذلك، هذا التقصير الفادح فى دراسة النفس الإنسانية من منظور قرآنى. فقد احتضن القرآن الكريم أنواعا ومستويات من النفس الإنسانية مثل النفس «المطمئنة»، «الزكية»، «الملهمة»، «الراضية»، و«الأمارة بالسوء» فضلا عن التقى النفسى والفجور النفسى... الخ.

ــ3ــ


كذلك هذا الركن الرئيسى فى دراسة الدين، ألا وهو التمييز بين موقف الناس من القرآن، فهل كل ما ورد فى القرآن الكريم هو بيان لمعسكرين اثنين هما معسكر الإيمان ومعسكر الكفر؟ أم أن هناك فئات كثيرة من البشر لم تجد طريقها الطبيعى للإيمان؟ كما أنها لا تتحرى الكفر ولا تقصد العناد.

كذلك فرغم التقدم التقنى وثورات الاتصالات المتوالية، فإنى أزعم أن الدعوة الإسلامية الصحيحة مازالت لم تصل إلى أجزاء كبيرة من المعمورة بمعنى أن هناك شعوبا وبلادا كثيرة لا تجد أمامها نموذجا حضاريا إسلاميا يحترم فيجعلها تفكر فى دراسة الإسلام والاتجاه له. وأكثر من ذلك فما زال كثير من أهل الخطاب الدينى والدعوى يقسمون العالم إلى مؤمنين وكفار ويلصقون بكل فريق جميع ما ورد فى القرآن بشأن الإيمان أو الكفر، وهم بذلك يتناسون أن القرآن الكريم قد أوضح أن أهل الطاعة والإيمان يشكلون ثلاثة مستويات كلها مقبول ومحل رضا الله حيث يقول تعالى: ((ثُمَ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )) فها هم ثلاثة مستويات: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات، وجميع هذه المستويات الثلاثة ممن اصطفاهم الله كما أشارت الآية.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات