فقه العلاقات الدولية (6) قانون السلام فى شريعتنا - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 7:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية (6) قانون السلام فى شريعتنا

نشر فى : الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 9:00 ص

للأسف الشديد أن تاريخ القانون الدولى قد بدأ بتنظيم قواعد الحرب، ومحاولة تخفيف أضرارها، وتقليم أظافرها، وكان هذا الوضع تعبيرا عن حقيقة مؤلمة هى حقيقة الفكر البشرى الذى انحدر لاهثا خلف منافع آنية فارضا شريعة الغاب (شريعة وحوش الحيوان) حتى أصبحت الحرب هى الأصل وما يتبع هذا الأصل من دمار جزئى أو شامل. ثم جاءت رسالات السماء وآخرها القرآن الكريم فوضعت الأمور فى نصابها ووجهت البشرية إلى صوابها، وأعلنت أن البشر جميعا قد خلقوا للسلام، وأن عبادة العباد لربهم تبدأ من «تخليص العالم من الشرور، وإزاحة جميع التوترات، وتأسيس دواعى الأمن والسلام».

 

والقرآن الكريم وهو يؤسس ويبرز نظرية السلام يرسى قواعده الواحدة تلو الأخرى، فتراه يحذر المجتمع البدوى من «غلو» حماسه وحبه لدينه مما قد يدفعه للتربص بغير المسلمين، متوهما أن الأخلاص لله يقتضى تفتيش ضمائر الناس وامتحانهم قال تعالى (.....وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا...) فيكفيكم من الناس مجرد إلقاء السلام وتعبيرهم عنه والتزامهم به، وعدم خرقهم لقواعده، فليس لأحد حق التفتيش فى قلوب الناس فليس لنا سوى الظاهر، أما السرائر فالله كفيل بها، وكذلك فالمسلم يلتزم بأخلاق الإسلام، ولا يتورط فى ممارسة سفه القول وسقطه مع هؤلاء الجهلاء والسفهاء.. فأول صفات عباد الرحمن (..... وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) وشتان بين أن يقول العربى قبل الإسلام:

 

ألا لا يجهلن أحد علينا   فنجهل فوق جهل الجاهلينا

 

كذلك قول الشاعر الحكيم:   «ومن لا يظلم الناس يظلم»

 

شتان بين هذه الممارسة الملوثة، وبين التوجيه الإلهى: (... وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) وهذا رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) يعلم اتباعه كيف يفككون أسباب الصراع داعيا إلى إحلال السلام فى جميع العلاقات وعلى كل المستويات فيقول : « هل أدلكم على شىء إذا فعلتموه بينكم تحاببتم.. أفشوا السلام بينكم» وقوله (صلى الله عليه وسلم) (ألق السلام على من عرفت ومن لم تعرف).

 

فعلى المستوى الفردى تلمح المسلم حينما يفرغ من الصلاة، ويستعد لمباشرة أعمال الحياة، أو بصحيح التعبير إذا انتقل من مقابلة ربه إلى مقابلة الناس فأول ما يبدأ به لقاء الناس هو (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) يمينا ويسارا، حتى إذا لم يكن يحضره أحد، فالمسلم يتربى دائما على أن أهم ما يربط بينه وبين الناس هو السلام فليس السلام لفظا يقال، ولكنه معنى كبير يملأ النفس، ويسيطر على القلب ويعلنه اللسان لجميع من حولك: لا تخف منى، ولا تتصور أن يصيبك أدنى مكروه فها أنا أمامك أنتقل من السلام مع الله إلى السلام مع الناس وكأن المسلم يقول: ليس بين أحد وبين الله تواصل إذا لم تكن علاقته مع الناس: السلام، والرحمة والبركة..

 

وعلى مستوى المجتمع تلمح السنة النبوية تبادر بالقاء السلام، ويحرص الإسلام على دوام السلام واستمراره، حتى ولو لم تجدوا أحدا (...فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

 

كذلك فكل من رأى أن ينضم إلى مجتمع المسلمين لا بد من استقباله بالسلام وتبشيره بانضمامه معه إلى مجتمع الرحمه. قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.......) ويؤكد القرآن على ضرورة الحرص على السلام والمحافظة عليه حتى مع المخالف لنا فى العقيدة، ما دام لم يحاربنا فهذا ابراهيم (ص) ينصرف من أمام أبيه بعد إصرار الأب على عقيدته فيقول إبراهيم: (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا).

 

كما يبين القرآن فى وضوح سلوك المسلم مع كل التصرفات الخبيثة والمسيئة إذ لا بد من الأعراض عما يقولون والانصراف عنهم بسلام (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ).

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات