القادمون إلى القيادة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القادمون إلى القيادة

نشر فى : الإثنين 21 سبتمبر 2015 - 4:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 سبتمبر 2015 - 4:40 ص

لا يوجد مشروع واحد فى التاريخ اكتسب قيمته خارج سياقه.
السياق أولا وثانيا وعاشرا.
أول الأسئلة فى «البرنامج الرئاسى لإعداد الشباب للقيادة» هو:
إلى أى حد يساعد فى حلحلة أزمة الدولة مع شبابها؟
هنا صلب التحدى كله.
وهو يطلق مبادرته من جامعة قناة السويس استبعد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» أى احتمال لانكسار الأجيال الجديدة فى مصر.
بأى معنى تاريخى هذا صحيح.
غير أنه يصعب إنكار هزيمتها فى أحلامها ورهاناتها الكبرى.
الهزيمة غير الانكسار.
الأولى يمكن ردها، والثانى حكم نهائى.
بقدر عمق تجربة «يناير» يستحيل حذفها من خريطة المستقبل.
القادمون إلى القيادة فى المستقبل هم أبناء «يناير»، بكل أحلامها وأهدافها وتضحياتها وإحباطاتها.
القيادة لا تولد بقرار من سلطة أو فى قاعة درس وتأهيل.
عندما يختل السياق تأخذ التفاعلات مسارا آخر.
آخر ثلاثة أجيال ولدت فى الميادين العامة.
جيل (١٩٤٦) هو ابن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ونداءات التحرر الوطنى والعدل الاجتماعى.
وقد جاءت ثورة يوليو من بين تفاعلاته وأفكاره، أصابت وأخطأت بقدر ما حلمت وطمحت.
وجيل السبعينيات ولد من رحم الهزيمة العسكرية عام (١٩٦٧)، هو ابن الحرب والتمرد والتطلع إلى المشاركة السياسية.
انتفض لتسع سنوات متصلة فى الجامعات وحارب لست سنوات فى الخنادق الأمامية وقاد انتفاضة الخبز عام (١٩٧٧).
هزم تقريبا فى أغلب معاركه، لكنه لم ينكسر.. وأعطى الحياة السياسية المصرية روح المقاومة فيها لنحو نصف قرن تقريبا.
وجيل «يناير» هو ابن ثورة المعلومات والتطلع إلى نظام سياسى جديد تستحقه مصر.
هذه هى قضيته التى لا يمكن القفز فوقها.
أى تضاد مع الحقائق خسارة مؤكدة.
اللافت أن برنامج القادة لم يثر أى حوار يستحقه بالاتفاق أو الاختلاف.
وهذه إشارة تستحق التوقف عندها.
الحملات الممنهجة على «يناير» وإهانة دستور (٢٠١٤) أحد أسباب العزوف العام عن أى نقاش.
نزع السياسة عن الانتخابات النيابية واليأس شبه العام من الإفراج عن الشباب المتهمين وفق قانون التظاهر رغم الوعود الكثيرة التى بذلت سبب جوهرى آخر.
تناقض الوعود مع السياقات أخطر ما يتهدد البرنامج الرئاسى لإعداد قادة المستقبل.
بتعبير الرئيس هو خطوة أولى، لكنه يحتاج إلى ما يعزز الثقة فيه حتى يكتب النجاح.
وثانى الأسئلة التى تعترض البرنامج الرئاسى:
ما قضية الأجيال الجديدة بالضبط؟
بكلمة واحدة: الحرية.
هذه صياغة «يناير» التى استدعت ثورتها ووجدت تعبيرها المنضبط فى الدستور.
عندما سدت القنوات السياسية والاجتماعية كانت إطاحة «حسنى مبارك» محتمة.
بعدد آخر من الكلمات: بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
هذه صياغة «يونيو» التى استدعت ثورة جديدة لاستعادة ما اختطف على يد جماعة الإخوان المسلمين.
فى أى تقدم للمستقبل لا بد من ردم الفجوات بين الدولة وشبابها.
وذلك يستدعى احترام القواعد الدستورية، فلا مستقبل بلا قواعد.
بقدر احترام الدستور يمكن الحديث عن تأهيل الشباب للقيادة.
أى نوع من التأهيل؟
إنه ثالث الأسئلة.
وفق ما هو متاح من معلومات يستهدف البرنامج الرئاسى إكساب المتدربين الشبان معارف أساسية فى العلوم السياسية والاستراتيجية والاجتماعية والإدارية والمالية والإعلام والرأى العام وشىء من الخبرة فى أصول البروتوكولات والمراسم.
رغم أنه لا ينفى الثقافة السياسية فإن طابعه العام أقرب إلى رفع مستوى الذين يتصدون للإدارة العامة.
قادة إداريون لا سياسيين.
هذا لا يمكن التهوين من شأنه، لكنه يقصر عن إجابة سؤال رابع:
أى قادة نراهن عليهم؟
توجد فى مصر مراكز عديدة من مثل هذا النوع الإدارى بتاريخ أعرق وتقاليد أرسخ مثل «مركز إعداد القادة».
كيف نبنى الدولة من جديد ونؤهل شبابها لتولى عبء القيادة فى المستقبل القريب؟
هذا سؤال خامس.
لا نجاح ممكنا إذا لم تكن خرائط الإصلاح المؤسسى واضحة.
كل الملفات مفتوحة لأن كل الأزمات حاضرة من بنية الدولة المهدمة إلى تراجع هيبة مؤسساتها العامة إلى جفاف المجال العام.
بحسب الرئيس فإن البرنامج المقترح يستهدف تأهيل (٢٥٠٠) شاب وشابة سنويا، وهذا رقم يعتد به.
كل دورة تستغرق نحو ستة أشهر.
وبحسب ما تسرب فالبرنامج من اقتراحات المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى.
جهة الاقتراح تنبئ عن طبيعة البرنامج.
رفع مستوى لا إعداد لقيادة.
الاقتراح نفسه مستوحى من برنامج أمريكى يحمل الاسم نفسه فى تصميمه وأسلوبه وطرق الانضمام إليه.
فى (٨) يوليو الماضى شارك الرئيسان السابقان «بيل كلينتون» و«جورج دبليو بوش» فى تخريج دفعة أخيرة جديدة من البرنامج الأمريكى.
لم يشارك الرئيس الحالى «باراك أوباما» فى هذه الاحتفالية لأنه ليس طرفا مباشرا فى البرنامج والإشراف عليه.
بعدما يغادر موقعه وينشىء كأسلافه مؤسسة بحثية تحمل اسمه وتعتنى بتوثيق حقبته فإنه يحق له الانضمام للبرنامج كأحد رعاته.
التجربة المصرية تختلف، فلا توجد مؤسسات من مثل هذا النوع، وآخر رئيسين فى السجن والإشراف الكامل عليها للرئيس الحالى.
يبدو البرنامج الأمريكى أكثر اتساقا مع طبيعة نظامه السياسى.
فهو يستهدف بناء «نوع معين من القادة» قادر على التصدى للتحديات المستقبلية بمستوى أعلى من الكفاءة، والعملى يغلب النظرى.
بمعنى آخر ما هو نظرى يخدم ما هو عملى.
الفكرة الجوهرية التعلم من تجارب الماضى وخبرات الرؤساء السابقين والمسئولين فى الوظائف العليا.
أكثر النقاط لمعانا فى البرنامج الأمريكى أنه يفتح ملف الأزمات الكبرى التى اعترضت الرئاسات المتعاقبة ويخضعها لمناقشة مفتوحة بلا حواجز.
فى المراجعة تتوافر للمتدربين الشبان معلومات ثمينة عن قدرة كل رئيس فى إدارة الأزمات التى تعرض لها.
كيف أدارها وأين كانت الأخطاء؟
مثل هذه المراجعة وبعضها مع الرؤساء أنفسهم تُكسب المتدربين قدرات قيادية من الاحتكاك والتفاعل وحرية النقاش العام.
التفاعل لا التلقين قاعدة أساسية لبناء أى قدرات قيادية.
السياسيون لا الموظفين وحدهم القادرون على الاضطلاع بالمهمة.
إذا ضاق المجال العام بالحريات الدستورية يصعب الرهان على أى نجاح محتمل للبرنامج المصرى.
التوجه العام فى التجربة الأمريكية لاكتشاف المواهب القيادية ليس مجانيا على أى نحو.
البرنامج يستهدف مباشرة ضخ دماء جديدة من المواهب المدربة فى الحزبين الكبيرين الديمقراطى والجمهورى وشرايين الكونجرس، فضلا عن مراكز التفكير والأبحاث.
إلى أين يذهب المتدربون فى مصر؟
هذا سؤال سادس.
أسوأ خيار ممكن أن يتولوا مهام شكلية كنواب لوزراء أو محافظين، فقد كانت التجربة سلبية للغاية.
كل ما هو مصطنع تذروه رياح النسيان وكل ما هو طبيعى يرسخ فى الأرض لحقب طويلة مقبلة.