الزمن العربى - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 8:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الزمن العربى

نشر فى : الخميس 21 أكتوبر 2010 - 10:13 ص | آخر تحديث : الخميس 21 أكتوبر 2010 - 10:13 ص

 ظل العرب يحلمون طويلا بدورية انعقاد القمم العربية التى ستخلصهم من ذلك التعبير الكئيب «ضرورة الإعداد الجيد» الذى ارتدى ثوب الحق والموضوعية.

لا قمة بدون إعداد جيد بطبيعة الحال، لكن باطنه كان رغبة دفينة من قبل عدد لا يُستهان به من الحكام العرب فى تأجيل انعقاد القمم أبعد ما يمكن تفاديا لمسئولية لا يريدونها عن أوضاع الأمة، ودرءا لحرج يصيبهم إزاء الأصدقاء الدوليين، ورفضا لتقديم أى التزام مالى للمساعدة فى مواجهة التحديات والمخاطر.


وهكذا كانت قرارات القمم تخرج عادة تعبيرا عن إجماع شكلى ولا تجد طريقها فى أغلب الأحوال إلى حيز الواقع. وعندما انتظمت القمم العربية الدورية اكتشف العرب أن التغيير لم يتجاوز هذه الحقيقة، أى أنه لم يتجاوز دورية الانعقاد، وحتى هذه الدورية مس قيمتها أحيانا غياب عدد من القادة العرب عن هذه القمم سواء للاعتبارات السابقة، أو تحفظا منهم على مكان انعقاد القمم، لكن الأهم من ذلك أن طبيعة القمم العربية الدورية باتت مشابهة لأخواتها اللاتى عقدن بعد «إعداد جيد» اللهم إلا الفرق المحتمل فى المتابعة الدءوبة من قبل الأمانة العامة للجامعة العربية، وهى متابعة لم تستطع للأسف أن تغير من مألوف القمم العربية.

غير أن قمة سرت الدورية فى هذا العام أضافت خطوة أحيت الأمل من جديد فى فعالية القمم العربية، وهى انعقاد قمة استثنائية فى العام نفسه لمتابعة النتائج. تفاءل البعض خيرا. لكن كثيرين من المؤمنين بالعروبة وإن تمنوا أن يكون هذا التفاؤل فى موضعه كانوا يضعون أيديهم على قلوبهم من أن تجىء هذه القمة الاستثنائية أكثر هزالا على الأقل من منظور حضور القادة العرب لها وعجزها عن التصدى لقضايا الأمة الحيوية.

 

لم يحدث سيناريو غياب القادة المخيف فقد حضر القمة الاستثنائية خمسة عشر منهم، لكن وتيرة العمل فى «الاستثنائية» بقيت على ما هى عليه فى «الدورية»، فلا قضية حسمت، ولا مواجهة لتحدٍ سافر أو خطر داهم تمت. يتصرف العرب أحيانا وكأن الزمان محيط خاص بهم يسبحون فيه متى يشاءون، وللمدة التى يريدونها، ويخرجون منه إن أرادوا دون أن يكون فى ذلك أدنى خطر عليهم، مع أن الواقع يشى بعكس ذلك تماما، فالزمان ليس محيطنا وحدنا، ولكنه أيضا محيط يسبح فيه الآخرون، ويتسابقون ويفوزون فيما نبدو وكأننا جاهلون بكل ما يجرى حولنا.

 
ولنبدأ الرحلة مع الزمن العربى فى لجنة متابعة السلام العربية التى قررت إزاء انهيار المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أن تمهل الإدارة الأمريكية بعض الوقت قيل إنه شهران أو حتى تنتهى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى كى تحاول هذه الإدارة إقناع الحكومة الإسرائيلية بالعودة إلى تجميد الاستيطان إنقاذا للمفاوضات. أما حديث البدائل فغاب تماما، طالما أن ثمة أملا ما زال معقودا على استئناف المفاوضات، وما تسرب عن هذا الحديث يبعث على الإحباط، إذ يبدو أن العرب مترددون حتى فى الذهاب إلى مجلس الأمن الذى نعلم سلفا أنه سيعجز عن فعل أى شىء لأن الوقت فى نظر بعضهم لم يحن بعد لهذه الخطوة «الجبارة»، كما أن ثمة حديثا آخر عن اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على اعتراف منها بدولة فلسطين، وهو أمر مرجح لكنه لن يغير من المعادلة شيئا، لأن إسرائيل ومن وراءها الولايات المتحدة لن تنصاع لأى حل لا يلبى جميع طموحاتها التوسعية. أما حديث البدائل الحقيقية فقد غاب تماما.

ولا يدرى المرء هل ذكَّر أحد الحاضرين لاجتماع لجنة المبادرة العربية بأن المفاوضات مع إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية تجرى دون جدوى منذ ثلث قرن من الزمان بدءا بالمفاوضات المصرية الإسرائيلية حول الحكم الذاتى الفلسطينى فى ظل إطار كامب ديفيد 1978 وحتى الجولة الأخيرة، وفى هذا الزمان الطويل وضعت إسرائيل أسسا حقيقية لتهويد الأراضى المحتلة بالاستيطان بصفة خاصة فى الضفة، وبصفة أخص فى القدس الشرقية.

تبدو قضية مستقبل السودان محتاجة لوقفة بدورها لدراسة علاقة العرب بالزمن، ففى قمة الجزائر لعام2005 اكتفى إعلان القمة وقراراتها بالترحيب بالتوقيع على اتفاق السلام فى جنوب السودان، وأكدت قمة الخرطوم 2006 على تنفيذ الاتفاق، ورحبت بالخطوات المتصلة بذلك، واعتبارا من قمة الرياض لعام2007 بدأت الأمور تأخذ منحى جديدا يتمثل فى الجمع بين المواقف السابقة مع التأكيد على احترام سيادة السودان ووحدة أراضيه، وهو أمر إيجابى بطبيعة الحال، لكنه ينطوى على تناقض داخلى، فالتأكيد على تنفيذ اتفاق سلام الجنوب يعنى فى أحد احتمالاته انفصام وحدة السودان، واستمر هذا الموقف الملتبس فى قمم دمشق 2008 والدوحة 2009 وسرت2010، ومع ذلك بدأ الحديث فى قمة سرت العادية عن «دعوة شريكى السلام فى السودان والقوى السياسية السودانية جميع إلى العمل من أجل أن تكون الوحدة السودانية خيارا جاذبا...».

ولم تخرج قمة سرت الاستثنائية عن هذا الخط وإن كان حديث «الوحدة كخيار جاذب» قد اختفى، وحل محله التأكيد على «إجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب فى مناخ سلمى وحر ونزيه وذى مصداقية وشفافية، وبحيث يعكس إرادة مواطنى جنوب السودان، وفى منطقة أبيى بعيدا عن أى ضغوط...». وكأن هذا سيضمن وحدة السودان. غير أن الكلمات الملقاة من بعض المسئولين العرب قبل القرارات تحدثت عن خطورة انفصال الجنوب وتداعياته على المستقبل العربى والأفريقى، وكأن ذلك لم يكن واضحا منذ الوهلة الأولى فى عام 2005. الآن فقط يتحدثون عن خطورة انفصال الجنوب بعد أن اشتعل أوار الحرب الأهلية عقودا من الزمن، ولم يعد ثمة بديل سوى إجراء الاستفتاء وإلا سقط السودان فى حفرة من النار أخطر بكثير من حفرة الانفصال.

لا يشذ حديث تطوير منظومة العمل العربى المشترك عن حديث الزمن العربى، وأذكِّر الجميع بأن حديث التطوير لم يبدأ فى قمة تونس 2004، كما قد يعتقد البعض، ولكنه تردد منذ النصف الثانى من القرن الماضى، أى فى أعقاب إنشاء الجامعة مباشرة. ويشير نموذج التعامل العربى مع قضية التطوير إلى رفض كل ما يتعارض مع سيادة الدول فرادى، أو يسبب لها حرجا كما حدث فى التعامل مع قرار قمة الإسكندرية لعام 1964 بشأن إنشاء محكمة العدل العربية، أو القبول ولو اضطراريا بخطوات التطوير ثم إفراغها من مضمونها لاحقا كما حدث فى اتفاقية الدفاع المشترك لعام1950، والتى لم تطبق ولو مرة واحدة حتى الآن. ومن يتابع قرارات قمتى سرت الاستثنائية والعادية سوف يلاحظ بوضوح استمرار النهج نفسه فى مقاربة فكرة الاتحاد العربى التى طرحتها اليمن ومن قبلها بسنوات ليبيا، هذا فضلا عما يبدو غريبا من أننا نتحدث عن اتحاد بين الدول العربية فيما «الاتحاد» يبدو مهددا «داخل» دول عربية عديدة.

وقد يكون من المناسب أن نختم بإشارة إلى القمة العربية الأفريقية التى احتاجت ثلث قرن بالكامل كى يتكرر انعقادها بعد أن حدث للمرة الأولى فى القاهرة فى مارس1977. بين هذين التاريخين تغير العالم جذريا لكن المرء يلاحظ الطموح نفسه فى القمتين وكذلك الشمول والآليات التنظيمية دون أن يخفى قلقا واسعا على المستقبل.

هكذا يواصل العرب نعيم الإبحار فى الزمن دون هدف واضح أو رؤية سليمة.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية