«تونس الليل».. الدراما تخذل الفكرة! - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تونس الليل».. الدراما تخذل الفكرة!

نشر فى : الخميس 21 ديسمبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 21 ديسمبر 2017 - 9:50 م

لا شك فى طموح الفيلم التونسى «تونس الليل»، الذى كتبه وأخرجه إلياس بكار، ولا فى رغبة صناعه فى تقديم تشريح للعلاقات الأسرية المضطربة عشية اضطراب الوطن، إثر إحراق محمد البوعزيزى لنفسه، مما أدى إلى ثورة شاملة، ولكن المشكلة الأساسية الواضحة تكمن فى بناء الفيلم، وفى رسم شخصياته.
لقد ظل صوت الفكرة أعلى بكثير مما تعبر عنه الدراما، وظهر واضحا أن صوت المؤلف أقوى من صوت شخصياته ومنطقهم، أفلتت مع الأسف فرصة ذهبية لقراءة أعمق للمجتمع؛ من خلال أسرة تمثل فئات كثيرة مشابهة، ليس فى تونس وحدها، وإنما أيضا فى العالم العربى.
اللحظة التى اختيرت كبداية نموذجية تماما: على مستوى تونس هى أيام ما بعد إحراق البوعزيزى لنفسه، ومحاولة نظام بن على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، من أجل البقاء، وعلى مستوى الأسرة، قيام يوسف المذيع المخضرم الشهير بتقديم الحلقة الأخيرة من برنامجه الإذاعى «تونس الليل»، الذى استمر لسنوات طويلة، يحمل إلى الساهرين عبير الأشعار والموسيقى..
نتعرف أيضا أسرته: الأم «آمال» التى أجرت عملية لاستئصال الثدى، وابنتها «عزيزة» التى تعمل مغنية، وتعانى ضياعا عاطفيا، وتدمن الشراب، والابن «أمين» المتدين، الذى لا يتوقف عن نصح أخته، يفترض أن تمنح هذه الشخصيات الفكرة ثراء ممتازا، وأن تنقلها بشكل غير مباشر، ولكن ذلك لم يتحقق.
من حيث البناء، أصبحنا أمام ثلاث ذروات درامية متباعدة، يهبط بينها الإيقاع، ويفتر السرد، الذروة الأولى والأهم، والتى كان من الأجدر أن تحتل النهاية لا البداية، معلنة عن مشكلات الوطن والأسرة معا، هى لحظة البث المباشر للحلقة الأخيرة من البرنامج الإذاعى «تونس الليل»، حيث ينتهز يوسف الفرصة ليرثى المدينة، ولكى يعلن اغترابه عن وطن لم يعد يعرفه، ويفهم من ذلك أنه يصف لحظة وصول الأمور إلى نقطة فارقة فى حكم بن على، فيقطعون عنه البث، ويستكملون الحلقة بأغنيات وطنية، والذروة الثانية عندما تحاكم عزيزة أسرتها فردا فردا، عقب خذلانها من حبيبها، ثم تقطع شريان يدها.
أما الذورة الثالثة والأخيرة، فهى عندما تذهب الأسرة إلى عزيزة فى الملهى الذى تغنى فيه، وبعد أن تقدمهم للحضور، تتصالح مع والدها وأسرتها، دون أن نفهم لماذا تصالحت!.
ومن حيث الشخصيات، فإن الأم والابن المتدين أمين هما الأكثر اتساقا مع منطقهما، بينما رسمت شخصية الابنة بطريقة نمطية وصارخة، إنها يمكن أن تكون فى أى موقع إلا موقع الإدانة للآخر، ومشهد محاولتها الانتحار بعد خطبة طويلة من أكثر مشاهد الفيلم افتعالا، كتابة وأداء، وتحولها فى المشهد الأخير غير مبرر أيضا، إنها أقرب إلى صوت الكاتب لا صوت الشخصية، يمكنك أن تقبل أن تدين الأم أسرتها لأنها تحملت الجميع، كما فعلت فى مشهد مساعدة زوجها المخمور على خلع ملابسه، أما أن تقوم عزيزة الأكثر ضياعا بتحميل الأسرة المسئولية، فقد بدا أمرا غريبا ومضحكا.
وبينما يراد لنا أن نفهم شخصية يوسف المذيع المخضرم باعتبارها ترجمة لاضطراب حياة المثقف المأزوم، فإننا لا نجد فى النصف الأول من الفيلم إلا رجلا جريئا، أدى دوره فى تثقيف المستمعين لسنوات طويلة، وتعرض للمساءلة من الشرطة بسبب ما قاله فى الحلقة الأخيرة من برنامجه الشهير.
وإذا كانت عزيزة قد أساءت استغلال الحرية التى منحها لها، فهى بالتأكيد مسئولية عزيزة وليس والدها، وفى الحلقة الأخيرة من البرنامج، يبدو واضحا كم يحب يوسف زوجته، كما أنه يستمع فى صبر وتأثر لانتقادات ابنته، ربما يكون يوسف من أوضح الشخصيات فى موقفه تجاه الآخرين، وتجاه النظام أيضا، وهو شخصية أدت دورها بقدر ما استطاعت، وكل من عزيزة وأمين اختارا طريقهما، وهما مسئولان عن هذا الاختيار.
«تونس الليل» يخلط بين أشياء كثيرة، من دون أن يصنع دراما متماسكة، إنها محاولة لم تكتمل، ذلك أن الأفكار لا بد أن تصل من خلال الدراما، لا بعيدا ولا رغما عنها.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات