التطرف الدينى والتحولات السياسية - محمد السماك - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 5:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التطرف الدينى والتحولات السياسية

نشر فى : الأحد 22 يناير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 22 يناير 2012 - 9:10 ص

يتركز الاهتمام فى العالم العربى وحتى فى العالم الأوسع على ما يعتبر ظاهرة صعود الأصولية الاسلامية. وتجسد هذه الظاهرة نتائج الانتخابات البرلمانية التى جرت حتى الآن فى كل من مصر وتونس والمغرب، وأدت إلى فوز المنظمات الإسلامية، كما تجسدها المواقع المتقدمة لهذه المنظمات فى قيادة حركات التغيير فى كل من سوريا واليمن وليبيا.

 

غير أن القليل من هذا الاهتمام بظاهرة صعود التطرف الدينى يجد طريقه الى مسارح أخرى فى العالم: وهى اسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الروسى.

 

فى إسرائيل ضج حتى الإسرائيليون أنفسهم من هذا الصعود المتنامى للتطرف اليهودى الدينى وخاصة فى مدينة القدس.

 

فالمتشددون اليهود يفرضون نوعا من العزل الاجتماعى على المرأة. وتعيد الإجراءات التى تمكنوا من فرضها التذكير بتلك التى كانت سائدة فى الولايات الجنوبية من الولايات المتحدة ضد الأميركيين المتحدرين من أصول افريقية. فالمرأة اليهودية ممنوع عليها أن تسير منفردة فى الشارع. ولقد تعرضت سيدات عديدات للإساءة أثناء دخولهن أو خروجهن من مراكز التسويق. حتى أن فتاة فى الثامنة من العمر كانت فى طريقها الى المدرسة عندما تعرض لها بالاعتداء بالضرب والشتم متشددون دينيون لأنها كانت «سافرة» وتسير وحيدة فى الشارع! كذلك يمنع على المرأة استخدام سيارات النقل العام من دون «محرم». واذا اضطرت لذلك، فممنوع عليها أن تدخل من الباب الأمامى. وممنوع عليها ان تجلس فى المقاعد الأمامية. ويشكل هؤلاء المتشددون ثلث سكان مدينة القدس. وهم يتزايدون بسرعة لسببين. أولا بسبب انتقال اليهود الآخرين المستاءين للسكن فى مدن أخرى. وثانيًا بسبب تضخم عدد العائلة المتشددة (يزيد المعدل الوسطى للعائلة على خمسة. ويرتفع ليصل إلى ما فوق 12 فردًا). ويعرف هؤلاء باسم «حريديم».

 

ونظرًا لقوتهم الانتخابية، فإن الاحزاب السياسية تتنافس على استرضائهم وعلى التودد إليهم. ولذلك أصبح لهم تأثير قوى فى عملية اتخاذ القرارات السياسية. حتى أن صحيفة هآرتس حذرت فى مقال افتتاحى لها من الاستسلام لهؤلاء المتشددين الذين ــ كما قالت ــ يحاولون فرض «قيم ظلامية» على الناس. وتحويل اسرائيل «من دولة ليبرالية الى دولة أصولية ظلامية متشددة».

 

والواقع أن تأثير هؤلاء المتشددين اليهود لم يقف عند حدود المجتمع والحكومة، ولكنه دخل إلى الجيش الاسرائيلى أيضا. فظاهرة رفض الأوامر بحجج دينية تفشت على نطاق واسع، خاصة عندما تطلب هذه الأوامر التصدى للمستوطنين الذين يقيمون بؤرا استيطانية عشوائية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة من دون إذن مسبق من الحكومة، أو عندما توجه إليهم الأوامر لإزالة بعض هذه البؤر.

 

ويرفض المتشددون مشاركة المرأة إلى جانبهم فى الجيش. كما يرفضون اى نشاط تقوم به المرأة فى المؤسسة العسكرية. حتى الأناشيد والأغانى العامة يرفضون مشاركة المرأة فى أدائها سواء بالصوت أو بالعزف.. او حتى بالحضور! وهم الذين يقفون وراء سلسلة الاعتداءات على المساجد فى القدس وفى الضفة الغربية.

 

●●●

 

أما فى الولايات المتحدة فإن مظاهر التشدد الدينى تبرز بصورة جلية من خلال الخطاب السياسى الذى يردده المتنافسون على تسمية مرشح الحزب الجمهورى لخوض معركة الرئاسة فى أواخر العام الحالى.

 

فالرئيس السابق جورج بوش وهو واحد منهم كان يدّعى انه كان يتلقى إيحاءات من الله لغزو العراق وأفغانستان. ولقد تعرض الرئيس الحالى باراك أوباما للتشهير لمجرد أن والده كان مسلمًا. وقد بقى يتعرض للطعن فى وطنيته من خلال التشكيك فى مسيحيته.

 

أما المرشحون الجمهوريون الذين يتنافسون اليوم، فانهم يعتمدون بصورة أساسية على أصوات اليمين الدينى الانجيلى المتطرف. ولذلك فإن الكنائس والجمعيات والمؤسسات الدينية التابعة للحزب الجمهورى أو المتضامنة معه بما لها من نفوذ دينى معنوى تشكل القوة المرجحة فى الانتخابات المقبلة. وإذا ما تلاقت أصوات هذه الجماعة الدينية مع الأصوات اليهودية، فإن المرشح الجمهورى سيجد طريقه سالكة إلى البيت الأبيض. من أجل ذلك يتنافس المرشحون الجمهوريون على من يكون أكثر تطرفا فى الدفاع عن السياسة الاسرائيلية. وقد ذهب أحد أبرز هؤلاء المرشحين وهو نيوتن جيجريتش (رئيس مجلس النواب السابق) إلى حد إنكار وجود الشعب الفلسطينى ووصفه بأنه «شعب مخترع». وهو ما كان يردده الفرنسيون (حركة الأقدام السوداء) عن الشعب الجزائرى عندما كانوا يحتلون بلادهم. وإنكار الشعب الفلسطينى ضرورة أساسية لتبرير نظرية «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» التى اخترعتها الحركة الصهيونية لاستعمار فلسطين. واذا وصل جيجريتش إلى البيت الأبيض على أساس هذا الشعار، فكيف ستكون سياسة الولايات المتحدة من القضية الفلسطينية؟!

 

وإذا كانت الحركة الدينية الانجيلية فى الولايات المتحدة تلعب دورا فعالا ومؤثرا فى عملية صناعة القرار السياسى الأمريكى خاصة من القضايا التى تتعلق بالشرق الأوسط، فإن الكنيسة الارثوذكسية الروسية بدأت تستعيد حضورها ودورها وتأثيرها فى الكرملين.

 

ولقد قطعت الكنيسة مراحل متقدمة جدًا فى هذ العملية مستعيدة نفوذها القوى الذى كانت تتمتع به فى العهد القيصرى، أى فى عهد ما قبل الشيوعية. فخلال السيطرة الشيوعية اضطهدت الكنيسة كما اضطهد الاسلام. ومنع تدريس الدين، وفرض حظر قاس على كل ما يتعلق بالمسيحية تاريخيا أو ثقافيا، وقطع أى اتصال بين البرامج العليمية والتربوية والدين.

 

أما الآن، فقد انعكست هذه الاوضاع وأصبح للكنيسة الروسية معاهدها الدينية الخاصة، كما أنها أقامت كليات لتدريس اللاهوت المسيحى فى الجامعات الحكومية. وأنشأت جامعات وكليات خاصة بها.. بل إنها أقامت كنائس داخل الجامعات الحكومية الروسية. ويتخرج دبلوماسيون روس من هذه المعاهد الدينية أو يدرسون فيها، مما يؤهلهم لإقامة علاقات أمتن مع مسيحيى الدول التى يُعتمدون فيها، وتاليا لأداء دور أفضل فى خدمة المصالح الروسية من خلال العلاقات التى يقيمونها مع الكنائس الشقيقة فى الدول المعتمدين لديها. وإضافة إلى ذلك، أقامت شبكة علاقات دولية خاصة بها مع دول ومؤسسات دولية فى مختلف انحاء العالم، أشبه ما تكون بالشبكة الفاتيكانية.

 

ويبلغ عدد الكليات الدينية التى أقامتها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية فى المعاهد والجامعات المدنية الأخرى ثلاثين كلية، وذلك رغم أن الدولة الروسية ترفض ــ رسميا على الأقل ــ الاعتراف بشهادة الدكتوراه التى تمنحها هذه الكليات الجامعية.

 

كان لينين هو المحور والأساس فى حرم الجامعات. وكانت تماثيله تتصدر ساحاتها. أما اليوم فإن تماثيل مريم العذراء والمسيح، بدأت تحل محل لينين، وقد جرى فى عام 2006 بناء كنيسة جديدة باسم مريم فى وسط جامعة موسكو، بعد أن كانت المسيحية مضطهدة ومحرمة، بل وموضع استهزاء فى الثقافة الشيوعية.

 

ويحتل الآن البطريرك الأرثوذكسى كيريل الأول موقعا مرموقا فى الهرمية السياسية فى الكرملين وأصبح مرجعا يعود اليه الرئيس فلاديمير بوتين نفسه والذى يعتبر الرجل القوى فى روسيا.

 

●●●

 

إن عودة التدين والتطرف الدينى إلى موقع صناعة القرار فى الكرملين من جهة، وفى البيت الأبيض من جهة ثانية، وسيطرة التطرف الدينى اليهودى على القرار السياسى فى إسرائيل، يفرض إعادة تقييم معنى ونتائج صعود ظاهرة الأصولية الإسلامية.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات