عن مزاحمة الحكومة والمؤسسة العسكرية للقطاع الخاص - عمر الشنيطى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 4:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن مزاحمة الحكومة والمؤسسة العسكرية للقطاع الخاص

نشر فى : السبت 22 مارس 2014 - 6:25 ص | آخر تحديث : السبت 22 مارس 2014 - 6:25 ص

إن الافتراض الرئيسى فى النظم الرأسمالية أن القطاع الخاص هو المسئول عن تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص العمل، بينما يظل دور الحكومة هو توجيه الاقتصاد استراتيجيا والرقابة على ممارسات هذا القطاع لحفظ الحقوق وحماية الفئات الأكثر فقرا من تغول الشركات الكبيرة. وبناء على هذا التصور، لا تنخرط الحكومة والجهات السيادية فى عملية الإنتاج إلا فى أضيق الحدود حتى تفسح المجال للقطاع الخاص. وقد يكون التطبيق مغايرا للنظرية فتلعب الحكومة فى بعض الأحوال دورا كبيرا فى عملية الإنتاج لأسباب مرحلية. لكن قد يطول هذا النهج ليزاحم القطاع الخاص فيضره بشدة ويؤثر على الاقتصاد الكلى وفرص التوظيف بشكل كبير.

•••

إذا نظرنا لحال القطاع الخاص فى مصر فى السنوات الأخيرة، نجد أنه عانى بشدة من تردى الوضع السياسى والأمنى فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير مما انعكس بوضوح على تدهور الوضع الاقتصادى. لكن معاناة القطاع الخاص لم تتوقف عند التدهور السياسى والاقتصادى وضبابية الوضع العام، بل إنها امتدت لتشمل صورة مركبة من المزاحمة يواجهها القطاع الخاص من مؤسسات الدولة السيادية والتى كان من المفترض أن تساعد هذا القطاع على التعافى، لكنها فى الواقع أصبحت أكثر الجهات التى تنافسه وتهدده وهو ما يحدث على مستويين رئيسيين من قبل الحكومة والمؤسسة العسكرية.

المستوى الأول يتعلق بمزاحمة الحكومة للقطاع الخاص فيما يخص الحصول على التمويل من البنوك المحلية. فمنذ ثورة ٢٥ يناير، تفاقمت مصروفات الحكومة فى بنود الرواتب والدعم وخدمة الدين بينما لم تزد إيرادات الحكومة بشكل مناسب مما أدى إلى زيادة عجز الموازنة والتى كان على الحكومة تمويله فى الأساس من خلال الاقتراض المحلى. وهذا الاقتراض المحلى يوجه جزءا كبيرا من سيولة البنوك المحلية لتمويل عجز الموازنة المتصاعد وبالتالى يقلل من السيولة المتاحة لتمويل القطاع الخاص. كما أن ارتفاع سعر الفائدة على السندات الحكومية جعل تمويل الحكومة من خلال شراء السندات الحكومية أكثر إغراء للبنوك المحلية.

أدت هذه المزاحمة من قبل الحكومة إلى ارتفاع تكفلة الإقراض وقلة السيولة المتاحة لتمويل القطاع الخاص مما أثر سلبا على قدرة القطاع الخاص على الاقتراض وبالتالى أثر سلبا على خطط الاستثمار والتوسع فى هذا القطاع وبطبيعة الحال قدرته المستقبلية على خلق فرص العمل. وهذا النوع من المزاحمة ليست جديدة على مصر ويرى البعض أنه كان لا مفر منها فى ضوء زيادة عجز الموازنة وضعف مصادر التمويل الخارجية بعد الثورة، لكن مما لا شك فيه أن استمرار هذا التوجه لعدة سنوات يسبب مزاحمة شديدة تسبب ضررا كبيرا لهذا القطاع قد يأخذ عدة سنوات حتى يتم التغلب عليه.

أما المستوى الثانى فيتعلق بمزاحمة المؤسسة العسكرية للقطاع الخاص فيما يخص الحصول على عقود تنفيذ المشروعات الحكومية الكبرى وهو نوع جديد من المزاحمة لم يكن القطاع الخاص يواجهه بهذه الشراسة. فعلى الرغم من لعب المؤسسة العسكرية دورا بارزا فى النشاط الاقتصادى لعقود فإن هذا الدور كان يتم بشكل سلس قد لا يشعر به أغلب الناس ولا يمثل منافسة حقيقية مع القطاع الخاص، لكن دور المؤسسة العسكرية الاقتصادى قد تزايد بشدة بعد ثورة ٢٥ يناير وبرز بشكل أكبر بعد ٣٠ يونيو ليصبح المحور الأهم والأكثر تأثيرا فى الاقتصاد والذى يشمل قطاعات متنوعة مثل البناء والطرق والنقل وغيرها.

فالقطاع الخاص ظل يعانى من وضع صعب لمدة عامين ونصف وكان يأمل أن التوجه التوسعى بعد ٣٠ يونيو سيكون طوق النجاة بعد أن استنفد أغلب موارده فى صراع البقاء بعد الثورة، لكن الواقع أتى مغايرا فذهب الكثير إن لم يكن أغلب العقود الحكومية الكبيرة إلى المؤسسة العسكرية بالإسناد المباشر. كما أن المشروعات القومية الكبرى مثل بناء مليون وحدة سكنية لمحدودى الدخل تصدرتها المؤسسة العسكرية بدون إشراك القطاع الخاص. كما تبددت أحلام هذا القطاع فى الحصول على عقود مقاولات الباطن وتوريد مواد البناء إلا فى أضيق الحدود بعد الشراكة مع شركة خليجية تنوى استيراد أغلب مواد البناء اللازمة للمشروع من الخارج.

يرى البعض أن هذه المزاحمة لا مفر منها بسبب الحاجة لمؤسسة اقتصادية منضبطة تستطيع تنفيذ المشروعات العملاقة فى وقت قصير وبشكل فعال وكذلك بسبب ظاهرة الأيادى المرتعشة فى حكومات ما بعد الثورة والتى تفضل عدم الخوض فى متاهات المناقصات وما يستتبعها من مساءلة قانونية. بالإضافة لذلك، يتضح جليا رغبة الخليج فى الشراكة المباشرة مع المؤسسة العسكرية لضمان الحفاظ على استثماراتهم وسرعة تنفيذها. قد تكون هذه الأسباب منطقية لظاهرة المزاحمة على المدى القصير، لكنها لا تبرر التوغل فيها والذى سيقتل القطاع الخاص بالتصوير البطىء ويؤثر سلبا على قدرته على خلق فرص العمل وهو ما ينعكس فى النهاية على الفئات الأكثر فقرا فى المجتمع.

•••

الخلاصة أن القطاع الخاص يتحمل مسئولية تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص العمل فى النظم الرأسمالية بينما يقتصر دور الحكومة على التوجيه والرقابة. لكن يواجه القطاع الخاص فى مصر مؤخرا مزاحمة شديدة من قبل الحكومة فيما يخص الاقتراض المحلى والذى يحد من السيولة المتاحة لتمويل القطاع الخاص ويرفع تكلفة التمويل. كما يواجه القطاع الخاص أيضا مزاحمة متصاعدة من المؤسسة العسكرية فى الحصول على عقود تنفيذ المشروعات الحكومية الكبرى. وتؤدى هذه المزاحمة بنوعيها إلى الضغط بشدة على القطاع الخاص المنهك بالأساس مما يؤثر على استثماراته ونموه وبالتالى قدرته على خلق فرص العمل وهو ما ينعكس بشدة على الفئات الأكثر فقرا فيعم الضرر على أغلب طبقات المجتمع على السواء.

عمر الشنيطى المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار
التعليقات