عن التعليم وسنينه - عماد الغزالي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 10:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن التعليم وسنينه

نشر فى : الإثنين 22 يونيو 2015 - 11:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 يونيو 2015 - 11:15 ص

فى السنوات الأولى من الثمانينيات، كان التعليم ما قبل الجامعى مازال مجانيا.

مازلت أذكر أنا الحاصل على شهادة الثانوية العامة عام 1981، أننى لم أتلق درسا خصوصيا فى أى مادة.

لم أكن استثناء، كان هذا هو حال معظم الطلاب.

كانت هناك قلة تأخذ دروسا فى مادة أو مادتين على الأكثر، ولم تكن تكلفة الدروس الخصوصية تمثل عبئا كبيرا على الأسرة كما هو الحال اليوم، أى أن أى أسرة كان بمقدورها أن توفر لأبنائها الدروس الخصوصية إذا احتاجوها، فإذا دخلنا الجامعة كان علينا أن نعد أنفسنا لمستقبل مشرق.

صحيح أن الحكومة كانت ألغت تكليفات الخريجين، لكن الحصول على فرصة عمل حتى هذه السنوات لم يكن قد دخل بعد دائرة المستحيلات.

بدءا من أواسط الثمانينيات دخلنا فى أطوار جديدة، وخلال عقد واحد لا أكثر، تحولت الدروس الخصوصية إلى واحدة من لوازم حياتنا.

كان المتفوقون حتى السنوات الأخيرة من الثمانينيات، يفاخرون بأنهم لم يتلقوا دروسا خصوصية، كان اللجوء إلى هذا المسلك وصمة عار فوق جبين أصحابها، دليل على العجز والبلادة وقلة الحيلة، اما اليوم، ومنذ ربع قرن على الأقل، فإن المتفوقين يؤكدون أنهم ما كان لهم أن يحققوا ما حققوه لولا الدروس الخصوصية فى جميع المواد.

ولأننا فى سوق مفتوحة تحكمها قوانين العرض والطلب، تحول الأستاذ إلى سلعة يتم الترويج لها، وصار عليه مثل أى بضاعة أن يجمل صورته وأن يحسن تقديم نفسه للزبائن، وبدأنا نقرأ على أعمدة النور وفى محطات المترو وعلى جدران البيوت، إعلانات عن عبقرى الكيمياء وأينشتين الفيزياء وفيثاغورث الرياضيات وسقراط الفلسفة وجبرتى التاريخ وسيبويه اللغة العربية.... إلخ.

وانتشرت مراكز الدروس الخصوصية فى المدن والقرى والنجوع، وتحولت العلاقة بين الأستاذ والتلميذ إلى علاقة منفعة بحتة، للتلميذ وأهله فيها اليد العليا، فضاعت هيبة المدرس بعد أن تحول إلى مقاول أنفار.

وتلبية لاحتياجات طبقة صاعدة جديدة، أنشئت مدارس خاصة بمصروفات وإمكانات تناسب طموحات هذه الطبقة، وخلال عقدين أو ثلاثة، أنشئت عشرات المدارس من هذا النوع، وواكبتها جامعات على الطريقة ذاتها لاستيعاب القادمين الجدد إلى دنيا التعليم الجامعى، بصرف النظر عما إذا كانت قدراتهم الذهنية تؤهلهم لهذا النوع من التعليم أم لا، وبصرف النظر عما إذا كان سوق العمل المكتظ أصلا يحتاجهم أم لا، وكانت النتيجة الحتمية: انهيارا تاما فى مستوى التعليم الجامعى وما قبله، ولم يعد مما يدهش، أن تكون نتيجة اختبار إملاء لطلاب التعليم الأساسى هو رسوب أكثر من 50% من التلاميذ، وأؤكد لسيادتك أنك ستحصل على النتيجة ذاتها لو أجريت اختبارا من النوع نفسه لخريجى الجامعة.

ليس هذا هو المشهد الأكثر عبثية وغرابة، انظروا إلى هذه المعادلة المدهشة: حتى أواسط الثمانينيات، كان ما تنفقه الأسر على التعليم أقل بكثير والعائد شبه مضمون، اليوم تضاعفت النفقات بصورة مذهلة، ويكاد العائد يكون صفرا.

هل نريد أن نتوجه للمستقبل؟ حسنا، إصلاح التعليم هو بوابتنا الواسعة.

القوا جانبا بهذه التفاهات عن تسريب الامتحانات والغش الإلكترونى والغش الجماعى واطرحوا الأسئلة الحقيقية، واجهوا بشجاعة حدود «المجانية» ومستحقيها، احتياجات سوق العمل وعلاقتها بالتعليم الجامعى وما قبله، إعلاء قيمة التعليم الفنى ونشر المدارس الفنية والصناعية المتقدمة، تطوير مراكز البحث العلمى ومراكز تنمية المواهب فى المحروسة من أقصاها إلى أقصاها، توفير مراكز التدريب المستمر فى كل مدينة وقرية لتأهيل الشباب لسوق العمل.

عشرات التفاصيل يعرفها أكثر منى خبراء التعليم والتنمية البشرية، فقط تحتاج إلى جسارة المواجهة، والتفكير مرة واحدة.. خارج الصندوق.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات