الافتقار لمقومات تحقيق التنمية المستدامة - سمير عليش - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الافتقار لمقومات تحقيق التنمية المستدامة

نشر فى : الخميس 22 يونيو 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 22 يونيو 2017 - 9:35 م
على البعض أن لا ينزعج من هذا العنوان، فهو بمثابة توافقا فى مقطعه الأول مع رؤية السيد الرئيس (مصر فقيرة أوى أوى) التى أثارت ردود فعل متضاربة بين النخبة والعامة كالمقال الذى خطه د. مصطفى كامل السيد فى جريدة الشروق بتاريخ 5 ــ 2 ــ2017 تحت عنوان «مصر ليست دولة فقيرة» وهذا وفقا للحقائق العلمية، على الرغم من إقراره بتدهور رأس المال البشرى المتمثل فى التعليم والصحة، ولكن د. مصطفى كان قد أصدر كتابا قيما فى 2001 عن «رأس المال الاجتماعى والتنمية فى مصر» خلص فيه أن رأس المال الاجتماعى قد تعرض للانكماش وهو ما يمثل عائقا أمام التنمية والتحول الديمقراطى، واستطرد سيادته قائلا بأن السياسات العامة هى المسئولة عن نمو رأس المال الاجتماعى وعن تآكله.
وفقا لتلك الرؤية الصائبة فإن رأس المال الاجتماعى قد تسارع انخفاضه خلال السنة الماضية بسبب القرارات الضبابية التى خلقت هوة ثقة بين الجماهير والسلطة (التنفيذية، التشريعية، القضائية) ومن أهمها قضية تيران وصنافير .
ولما كان الرئيس السيسى قد أعلن برنامجا نحو تحقيق التنمية المستدامة 2030 فمن الضرورى التعرف على مدى توفير مقومات تحقيقها، ولذا أبدأ بطرح تعريف التنمية المستدامة الذى أميل له «أن تتوفر للأجيال القادمة (بالرغم من النمو السكانى المخيف فى مصر) نفس القدر أو يزيد من الفرص التى تتمتع بها الأجيال الحالية من أربعة أنواع من رأس المال (لا بديل لأى منها عن الآخر) وبأوزان نسبية تم تحديدها عبر دراسات علمية» .
مكونات رأس المال الأربعة:
أولا: رأس المال المادى الطبيعى يتمثل فى: أرض، شواطئ، بحيرات، مياه، طاقة، معادن، آثار....إلخ.
ثانيا: رأس المال المادى الاقتصادى يتمثل فى: مصانع، طرق برية وبحرية، مدارس، مستشفيات، جامعات، وسائل اتصال حديثة، أرصدة مالية وتقديرات للإنتاج والاستهلاك والادخار والتصدير...إلخ.
ثالثا: رأس المال البشرى يتمثل فى: (أ) مستوى الصحة البدنية والعقلية والنفسية (ب) مستوى التعليم والتدريب ومهارات التواصل والتسويق والقدرة على إدراك وتفهم واستيعاب التدفق المستمر والحر للبيانات والمعلومات والمعارف والتكنولوجيا، (ج) قيم العمل «الجودة، الانضباط /روح الفريق،...إلخ».
رابعا: رأس المال الاجتماعى يتمثل فى:
أ‌ــ القيم العامة للتعامل بين المواطنين: الصدق، الأمانة، الإخلاص....إلخ .
ب‌ــ أنماط إيجابية للتفاعل الاجتماعى «التطوع (بالجهد العقلى أو العضلى) المنظم والملتزم والعطاء (النقدى والتسهيلات المادية والوقف) التعاون، احترام وقبول الآخر، التحاور الإيجابى.
ج‌ــ مستوى الثقة بين المواطن والآخر وبينهم وبين الدولة عبر: حياة دستورية وديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمواطنة وعدم التمييز والتهميش، وحياد الدولة تجاه الأديان والطوائف والعقائد السياسية ومنظومة عدالة ناجزة، وحرية الاعلام والنشر وتكوين وعمل الترابطات الأهلية الرأسية والأفقية (منظمات المجتمع المدنى) وازدهار التطوع والعطاء المنظم والملتزم....إلخ.
وهنا لا يسعنى إلا أن أشير إلى تقرير مشترك بين خبراء وزارة التخطيط «أ.د. هبة الليثى، د. مديحة الصفتى» وخبراء من برنامج الأمم المتحدة الإنمائى UNPD (نشر فى 2003) تحت مسمى «الفقر الذاتى ورأس المال الاجتماعى فى مصر من أجل استراتيجية متكاملة لمحاربة الفقر». وقد طرح هذا التقرير عدة توصيات مهمة للأسف لم يؤخذ بها.
تحديد الوزن النسبى من كل نوع من أنواع رأس المال (الأربعة)
قام البنك الدولى بدراسة متعمقة على 200 دولة شارك فيها «د. إسماعيل سراج الدين» (أول رئيس لمكتبة الاسكندرية فى عصرها الحديث) أوضحت أن رأس المال المادى الاقتصادى لا يزيد وزنه عن 20% فى جميع الحالات، ورأس المال المادى الطبيعى حتى فى الدول الخليجية لا يمثل إلا 20%. ووجد أن «56% ــ 60%» من القيمة المضافة للثروة اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة قادمة من رأس المال البشرى (20%) ورأس المال الاجتماعى (40%). وقد تعرفنا على ملخص تلك الدراسة خلال مؤتمر عقد تحت مسمى «رأس المال الاجتماعى والإصلاح» فى يناير 2005 نظمه كاتب هذا المقال تحت رعاية المركز الوطنى لمساندة المنظمات الاهلية، عبر مشاركة د. إسماعيل سراج الدين الذى أشار أيضا خلال محاضرته إلى دراسة Putnam للتدليل على مدى أهمية (وزن/تأثير) رأس المال الاجتماعى فى تحقيق التنمية المستدامة، التى خلصت إلى أن الولايات الشمالية فى إيطاليا متقدمة تنمويا عن الولايات الجنوبية بسبب تدنى رأس المال الاجتماعى فى الأخيرة التى تحكمها المافيا .
أعتقد أن المجتمع المصرى الذى عايشته منذ 52 حتى تاريخه تعرض (من وجهة نظرى) لثلاث مراحل من المتغيرات الحادة والعميقة «سياسية / اقتصادية / اجتماعية / ثقافية» أدت فى النهاية إلى أن أصبحت مصر مفتقرة «جدا» لمقومات تحقيق تنمية مستدامة. تلك المراحل باختصار فيما يلى:
المرحلة الأولى «ما بعد 52»
ــ طفرة فى رأس المال المادى الطبيعى والاقتصادى على الرغم من خسارة الوحدة مع السودان، ثم سيناء وإغلاق قناة السويس.
ــ وفرة فى رأس المال البشرى على الرغم من هجرة الآلاف من العمالة الأجنبية مع تراجع ملحوظ فى إقبال الطلبة النبهاء على كليات أصول الدين بعد افتتاح كليات القمة فى جامعة الأزهر.
ــ المحصلة تدنٍ ملحوظ فى رأس المال الاجتماعى بسبب الاستبداد / الاحقاد / تأميم العمل الخاص والأهلى / نكسة 67 .
المرحلة الثانية «ما بعد 73»
ــ الارتفاع فى رأس المال المادى الطبيعى والاقتصادى فى جانب بعد استرداد سيناء وفتح القناة، وفى جانب آخر سلبيات التحول إلى الانفتاح وتلوث البيئة «البحيرات / النيل... إلخ»، ونهب الأثار.
ــ بدأ التدهور فى رأس المال البشرى بسبب هجرة مئات الآلاف من أفضل الأساتذة والمدرسين والفنيين/ التضخم/ انسحاب الدولة من التعليم والصحة، والتوسع فى التعليم الدينى المتوسط والخاص مع انخفاض مستوى الطلبة والمدرسين / الدروس الخصوصية.
ــ تدنٍ فى رأس المال الاجتماعى فى المدينة والقرية عبر: تدين السياسة وتمزق اللحمة الوطنية / نشر الثقافة الوهابية/ العداء للعلم والمثقفين (الأفندية) / التلاعب بالدستور والقانون/ اتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء / انحطاط القيم والسلوكيات / انتشار الفساد والتزوير والتهميش / والتعصب والتحرش / حالة الطوارئ الممتدة / توجهات التوريث / «ديه مش بلدنا».
المرحلة الثالثة «بعد انطلاق الملحمة الثورية فى 25»
ــ انخفاض حاد فى رأس المال المادى الطبيعى والاقتصادى «الانفلات الأمنى / الإرهاب /سد النهضة/ انخفاض الانتاجية /القروض/ تعويم الجنيه» على الرغم من المشروعات الضخمة المتحفظ على جدواها (أو) أولوياتها.
ــ التدهور غير المسبوق فى رأس المال البشرى/ انهيار شبه كامل لمؤسسة التربية والتعليم والثقافة / تلوث الإعلام / هجرة متزايدة للعقول وتعاظم الطلب على التجنيس».
ــ تأكل متسارع فى رأس المال الاجتماعى «الاحتراب السياسى والأيديولوجى، ظواهر شديدة السلبية فى الشخصية المصرية، عدم تفعيل الدستور، تغول الأمن، واتساع سيطرة الأجهزة السيادية على جميع النواحى الاعلامية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ضبابية قرارات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والتنازع بينهم أدت إلى تدنى ثقة الجماهير فيها، من أهمها «قضية تيران وصنافير» والتى تعد مثالا واضحا للشعور بالمهانة وعدم الثقة فى السلطة تماما مثل شعورنا فى الأيام الاولى من 5 يونيو 67/ الشعور العام بالإحباط وعدم الأمان والأمل فى المستقبل/ تفكك الكثير من الشبكات الأهلية للخدمات الاجتماعية /إصدار قانون معوق لأنشطة المجتمع المدنى ويحد من التطوع والعطاء المنظم والملتزم.
وأنهى كلماتى بأن تحقيق التنمية المستدامة 2030 على الرغم من الافتقار الشديد الحالى لمقوماتها (رأس المال البشرى ورأس المال الاجتماعى ) ولكنه أمر ممكن عبر اعتراف السلطة بأخطائها (كما حدث فى أعقاب هزيمة 67) والاستعانة بالخبرات التى أشرت إلى أسماء بعض منها فى هذا المقال، وبالتعاون مع المجتمع المدنى والخاص وبدعم المثقفين والإعلاميين مستهدفة ما يلى:
أولا: تفعيل الدستور وتطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة «المركزية / المحلية» (رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متكاملة / برامج / تشغيل / إنتاجية / انضباط / شفافية... إلخ).
ثانيا: تعزيز الإحساس بالمواطنة لتحقيق اللحمة الوطنية والارتفاع بمستوى المسئولية الجماعية واستخدام الموارد المجتمعية.
ثالثا: إعداد وتنفيذ برنامج لحل القضية السكانية «النمو / الخصائص / التكدس»

 

سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات