التعليم والانفجار السكانى: عجز الميزانية - سمير عليش - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 6:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعليم والانفجار السكانى: عجز الميزانية

نشر فى : الأحد 20 نوفمبر 2016 - 11:20 م | آخر تحديث : الأحد 20 نوفمبر 2016 - 11:20 م
عندما قام منظمو المؤتمر الوطنى الأول للشباب فى شرم الشيخ بمناقشة موضوع إصلاح التعليم متضمنا القضاء على الأمية فى إطار التصدى للقضية السكانية وتحقيق التنمية المستدامة 2030 للارتقاء بمصر إلى مصاف «أد الدنيا»، أعتقد أنهم كانوا ملمين بما قاله الحكيم الصينى (إذا أردت أن تنفع الناس لسنة ابذر لهم حبّة، وإذا أردت أن تنفعهم لعشر سنوات، ازرع لهم شجرة، وإذا أردت أن تنفعهم لمائة سنة اعطهم تعليما مفيدا).

ولقد أكد السيد الرئيس فى هذا المؤتمر على جودة الإصلاح المستهدف عبر خلق قدرة الفكر والإبداع لدى المواطن المصرى ثم طرح سيادته على الحضور عدة تساؤلات تفهمناها كما يلى:

• هل من الممكن إصلاح التعليم فى ظل استمرار المعدل الكبير للنمو السكانى؟

• كيفية تمويل هذا الإصلاح (نجيب منين)؟

ومن ثم فإن التعليم المستهدف إصلاحه يتضمن خلق قدرات فكرية وإبداعية لدى المواطنين، فهو عملية استثمار فى البشر وليس إنفاق جار، ويعود بعائد (فردى ومجتمعى) لا يضاهيه أى استثمار آخر.

وبمدى جودة وشمولية هذا الإصلاح متضمنا إعادة تأهيل القوى البشرية التى فاتها قطار التعليم الجيد لحوالى أربعة عقود، يصير كل أفراد الشعب (ذكر/أنثى) شركاء فى التصدى للقضية السكانية وتحقيق التنمية المستدامة.

وفى هذا السياق فإننى أعتقد أيضا أن أهم معايير جودة التعليم فى عصر المعلومات والمعرفة والتكنولوجيا هو خلق قدرة التفكير الحر والناقد لدى المواطن عبر المستويات التعليمية المختلفة من الحضانة إلى الجامعة. وليس مقبولا التحجج بضعف الإمكانات المالية إذا ما خلصت «الإرادة التشريعية والسياسية»، فجودة التعليم تقبل بالحد الأدنى من التمويل ولا تبقى معلقة بالحد الأقصى عبر تطبيق التوصيات والوصايا التى استخلصت من جهود عديدة خلال الخمس وعشرين سنة الأخيرة التى سطرت فى كتب وتقارير، منها («وصيتى لبلادى» للراحل أ. د ابراهيم شحاتة ــ «تعليم المستقبل» للراحل أ.د حامد عمار ــ «إصلاح التعليم» للراحل أ.د حسين كمال بهاء الدين ــ أ.د. حسام البدراوى «مستقبل مصر نحو بناء دولة عصرية مدنية ديمقراطية» ــ «منتدى المستقبل «د.م عزيز صدقى).

وفيما يلى ملخص لبعض من أهم تلك التوصيات والوصايا العامة:

• تكون جميع وحدات التعليم متاحة للجميع بغض النظر عن المعتقدات الدينية ويجب أن توفر فى وحداتها قيم الديمقراطية والمواطنة والتطوع ويجب أيضا أن تضطلع بدور محورى فى التصدى للقضايا المجتمعية والاقتصادية والثقافية مثل «محو الأمية، والتنمية المحلية، اصحاح البيئة، حل المشكلات الإنتاجية....الخ».

• التعليم مسئولية سيادية وعليه يجب إعادة صياغة القوانين والتشريعات والآليات التنظيمية بما يساعد جميع عناصر المنظومة التعليمية (المدنية/ الأهلية/ الدينية) على إعداد المواطن المصرى بمواصفات تمكنه من الحفاظ على تماسك اللحمة الوطنية وهويته المصرية.

أما عن مناقشة التساؤل المتعلق بعدم التمكن من إصلاح التعليم إذا استمر النمو السكانى بمعدلاته العالية الحالية، فتقول الدراسات إن أهم العوامل المؤدية إلى الانفجار السكانى هى الفقر «المادى والمعرفى معا» ومن هذا المنطلق كان الاهتمام العالمى بعملية إصلاح التعليم لمعالجة تداعيات هذا الفقر.

نعم من المعروف أن انخفاض معدل الخصوبة / معدل الزيادة السكانية يتوقف أساسا على ارتفاع معدل التنمية الاقتصادية وما يصاحبه فى العادة من انتشار التعليم وخاصة بين الفتيات.

غير أن مصر لا يمكن أن تنتظر البدء فى إصلاح التعليم حتى تحقق التنمية الاقتصادية، لأن هذا الانتظار قد يطول وخاصة إذا ما عطل الانفجار السكانى تلك التنمية بسبب كون الزيادة السكانية الكبيرة فيها، تتركز بين الفقراء ومحدودى الدخل غير القادرين على إلحاق أطفالهم إلا بالمدارس الحكومية أو الأزهرية، فضلا عن استخدام البعض منهم الأطفال كمورد اقتصادى. مما يؤدى كل ذلك إلى زيادة معدلات الأمية وتدنى المستوى العلمى للقوى البشرية واتساع الهوَّة بين طبقات المجتمع ومن ثم انتشار الأفكار المتخلفة المغذية للإرهاب.

****

ولمحاولة الإجابة عن كيفية تمويل التعليم «نجيب منين»؟ أبدأ بالقول إن المجتمع وحده وكله، هو المسئول الأول عن انتقال مصر من قاع التخلف إلى مسيرة التقدم الحضارى «أد الدنيا»، وعليه نقول إن هناك موردين رئيسيين لتمويل عملية إصلاح التعليم:
أولا: موارد المجتمع «العامة/ الدولة» – الموازنة العامة وما يمكن جمعه من المعونات والمنح:

المطلوب الالتزام على الأقل بما ورد فى دستورنا كمخصصات للتعليم، فضلا على تحويل ما يدرج فى الميزانية للوزارات والهيئات المختلفة لصرفه فى مشروعات يمكن إرجاؤها مثل «مسجد المشير طنطاوى، الطائرات المخصصة للرئاسة، العاصمة الجديدة، حمامات السباحة...الخ»، بالإضافة إلى ما يمكن استرداده من الأراضى والأموال المنهوبة إلى موازنة التربية والتعليم.

ملحوظة: الحكومة الرشيدة فى ماليزيا عطلت كل استثمار فى الطرق والخدمات لمدة ست سنوات ووجهته للتعليم.
ثانيا: موارد المجتمع «الخير، المدخرات»:

سأبدأ بالخيرية منها وتتمثل فى (أ) الموارد المادية (من زكاة وعشور وصدقات تتضمن توفير التسهيلات «المكان، الانتقالات... الخ»). (ب) الموارد البشرية الطوعية من كل بالغ ذكر/ أنثى ( بالعلم ــ الجهد).

ملحوظة: المتوسط المتوقع 3 ساعات أسبوعيا لكل فرد، وتلك الموارد تنبثق من «تراثنا» الذى يؤكد مسئولية الفرد تجاه الجماعة، التى لها الحق فى مال الله الذى لا يمتلك الفرد التصرف فيه إلا وفق فقه الواقع والأولويات الذى يؤثر الصدقة الجارية
(التعليم، الصحة... الخ). ويعلى هذا التراث من قيمة الاضطلاع بمصالح خلق الله، وخاصة فى ظل ظروف الفقر المجتمعى، على التوسعات السنوية فى بناء دور العبادة وعلى نوافل العبادات بل على الأصل فيها «العمرة والحج» (التى ينفق عليها سنويا حوالى أربعة مليارات دولار، تساوى 60 مليار جنيه).

ملحوظة: وزير التعليم قدر أن إصلاح المدارس وتوفير الفصول الإضافية يتطلب 60 مليار جنيه.

وهذا الخير المجتمعى (يقدر بحوالى 150 مليار جنيه سنويا) يسمى حديثا فى أدبيات التنمية «رأس المال المجتمعى» ويتضمن أيضا موارد المسئولية المجتمعية التى تقدمها الشركات الخاصة، وجهود الروابط الاجتماعية الرأسية «الدينية والقبلية... الخ، والأفقية «جمعيات أهلية ــ الكشافة والمرشدات ــ مراكز شباب ــ اتحادات الطلبة ونوادى هيئات التدريس.. الخ».

أما عن المدخرات المجتمعية فلها الفضل حاليا فى توفير العديد من المؤسسات التعليمية «من رياض أطفال إلى الجامعة»، فضلا عن أنها تتحمل حوالى 17 مليار جنيه فى الدروس الخصوصية التى يمكن أن تتحول بطرق مختلفة إلى تمويل عملية الإصلاح عبر طرح سندات وتسمية الفصول والمدارس بأسماء الممولين.

إن موارد المجتمع الخاصة «الخير، المدخرات»، هى التى نأمل فى تعزيز الاستفادة بها لإصلاح التعليم والقضاء على الأمية وإعادة تأهيل القوى البشرية الحالية عبر ما يلى:

• صياغة وتطوير قوانين وسياسات وآليات للتطوع والوقف والخدمة العامة ومؤسسات المجتمع المدنى متضمنه التعاونيات العاملة بمجال التعليم والتدريب ومحو الأمية... الخ.

• التوعية والدعوة النشطة لنشر ثقافة التطوع وفق التوجهات العالمية، والخير التنموى وفق صحيح التراث.

• تطوير قوانين المحليات لتخصيص الأراضى، والعمل على إصدار سندات خاصة (أسوة بما تم فى قناة السويس) لتشجيع المدخرات المجتمعية المباشرة والمشتركة مع الحكومة والمحليات.

• تعميق الثقة فى توجهات السلطة للالتزام بالدستور والقانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. (تعزيز إحساس المواطن بملكية الوطن).

****
دعونا نتضرع إلى الله أن يتم التوافق على خطة عملية لبدء واستمرار مشروع إصلاح التعليم عبر تجنب المشاكل التى أوقفت مسيرة محاولات الإصلاح المتعددة على مدى حوالى أربعة عقود، وأدت إلى تخلف مصر عن التقدم العلمى والحضارى فى دول محيطها الإقليمى (إسرائيل/ تركيا/ إيران) بما يهدد أمنها القومى تهديدا خطيرا.
سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات