التحرش الجنسى - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التحرش الجنسى

نشر فى : السبت 22 أغسطس 2009 - 5:27 م | آخر تحديث : السبت 22 أغسطس 2009 - 5:27 م

 كان من الصعب أن أكتب فى الأسبوع الماضى عن التحرش الجنسى فى عالم السياحة، دون أن أتحدث عن التحرش الجنسى فى القاهرة بشكل عام وعن أسبابه والتفكير فى كيفية مواجهته. من الواضح لى أن التحرش الجسدى قد زاد فى الشارع القاهرى خلال الثلاثين عاما الماضية بصورة ملحوظة. هناك العديد من الدراسات والأبحاث أكدت انتشار الظاهرة، ولكننى سوف أكتفى بما رأيت وسمعت منذ التحاقى بالمدرسة فى وسط مدينة القاهرة فى الستينيات من القرن الماضى وحتى الآن، أقمت خلال هذه الفترة لمدة تقل عن السنوات الثلاث فى باريس فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن العشرين وما عدا هذه السنوات لم أبرح شوارع المحروسة. إذن عاينت بنفسى تنامى التحرش اللفظى والجسدى بصورة أصبحت مقلقة وباتت تهدد سلامة وأمن المجتمع المصرى.

المعاكسات فى الشارع القاهرى قديمة، فأتذكر أن جدتى التى ولدت فى الإسكندرية عام 1910 كانت تحكى لى أحيانا ما تعرضت له من معاكسات فى شوارع الإسكندرية والقاهرة عندما كانت شابة ويتغير صوتها من نبرة الشكوى إلى نبرة التفاخر عندما كانت تحكى أن نجيب الريحانى عاكسها مرة فى الشارع. كما تعرض روايات عديدة مشاهد معاكسات فى الشارع المصرى ومن منا لا يتذكر شخصية ياسين فى ثلاثية محفوظ وتعرضه للنساء فى الشارع، كما عرضت أفلام عديدة فى تاريخ السينما المصرية مشاهد بها تحرشات لفظية. إذن فالتحرش قديم ويبدو لى أنه مرتبط بنشأة المدن الكبرى وتطورها وصعوبة تكيف الإنسان مع النقلة الدرامية من الحياة فى مجتمع ريفى صغير قائم على الرباط العائلى والقبلى إلى الحياة فى مجتمع تجارى مع غرباء داخل دهاليز غابة المدينة المرعبة. ولأننى أتحدث عن نشأة المدن وعلاقتها بالتحرشات الجنسية فإننى أتكلم عن ظاهرة كونية وليست مرتبطة فقط بمصر. ففى فرنسا ــ باعتبارى أقمت فى باريس ــ هناك تحرشات لفظية فى الشارع الباريسى. الفارق أن هذه التحرشات لا تهدد أمن المجتمع الفرنسى، كما أن هذه الظاهرة على عكس القاهرة تنحسر تدريجيا، وأخيرا فالمعاكسات فى شوارع باريس تهدف بالأساس إلى التعرف على الفتاة وليس التعرض لها دون نتيجة.

أنا هنا أحاول فقط التأكيد على فكرة كونية الظاهرة مع اختلاف تطبيقها تبعا للثقافات المختلفة للشعوب. نعود إلى القاهرة وكيف تطور التحرش حتى بات كارثة تهدد القاهريات؟ ببساطة يمكن القول إنها كانت فى الماضى معاكسات لفظية قائمة أساسا على المجاملة (يا جميل، يا حلو، يا عسل) وأصبحت الآن تحرشات لفظية مهينة (ما هذه المؤخرة السمينة؟ أريد أن أقضى معك وطرى)، بالطبع مستخدما لغة عامية بذيئة.

وكان التحرش الجسدى فى الماضى نادر الحدوث وأصبح حالة عامة، إلى درجة أن كل نساء عائلتى على سبيل المثال قد تعرضن ولو لمرة واحدة إلى تحرش باللمس من رجال فى الشارع. وباعتبارى أتحدث عن عائلتى فدعونى أؤكد أنه لا علاقة بما ترتديه المرأة من ملابس وما تتعرض له من مضايقات وتحرشات فى الشارع. وقد استمعت إلى أكثر من شابة فى العقد الثالث من العمر يؤكدن أننا لو حاولنا إيجاد علاقة بين التحرش وملابس النساء، فيمكن القول إنه كلما كانت الملابس فاضحة كانت التحرشات أقل. محتمل أن الرجال لا يجدون القدر الكافى من الألفة أو الندية والتكافؤ مع هؤلاء النساء فيتركونهم فى حالهن. بالطبع أنا هنا لا أروج للملابس الفاضحة. ولكن الأمر لو صحيح فهو يستحق الدراسة والتأمل.

كثير من النساء المصريات يفكرن قبل النزول من منازلهن بسبب ما يتعرضن له من مضايقات، طالبات جامعيات يتم التحرش بهن داخل الحرم الجامعى حتى إننى استمعت إلى طالبات يرفضن أحيانا الذهاب إلى الجامعة من الضغط النفسى والذهنى الذى يتعرضن له. حالة شلل أصابت أذهان نسبة كبيرة من نساء القاهرة. أطفال دون سن المراهقة يقيمون فى الشارع بعد أن تم لفظهم من رحم العائلة ويعتدون على النساء فى الشارع. قالت لى زميلة صحفية لا أخاف فى الشارع أكثر مما أخاف من هؤلاء الأطفال فلا رادع لهم، ينفطر قلبى عليهم وهم يعتدون على جسدى بأيديهم الصغيرة.

كيف تنامت الظاهرة إلى هذه الدرجة؟ وكيف نواجهها؟ هذا موضوع مقالى الأسبوع المقبل.

خالد الخميسي  كاتب مصري