طارق - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طارق

نشر فى : الأحد 22 أغسطس 2010 - 9:53 ص | آخر تحديث : الأحد 22 أغسطس 2010 - 9:53 ص
كنت فى فترة مراهقتى ــ وهى الفترة التى تخرج فيها الروح لاستكشاف المجهول خارج إطار العائلة ويبدأ الإنسان فى الانتماء لدوائر اجتماعية جديدة ــ دائم التساؤل عن سبب تفضيل الثقافة المصرية لعلاقات الدم على علاقات الصداقة (أنا وأخويا على ابن عمى، وأنا وابن عمى على الغريب) والغريب هنا يمكن بالتأكيد أن يكون الصديق. وخلال هذه الفترة طرق بابى طارق وعندما فتحت له اكتشفت فيه خصال الصديق الحق. وبدأنا معا استكشاف العالم وطرقنا معا أبوابا لم يكن ممكنا أن نطرقها بمفردنا.

وفى قمة حركتنا لتفكيك المعضلات الكونية واستشراف مجاهل الجنس الآخر، تلقى صديقى نصيحة من أحد كبار عائلته. قال له: «لا تفشى أبدا أسرارك لصديق، فصديق اليوم هو بالتأكيد عدو الغد، سوف يعرف أسرارك ويفشى بها للجميع.

لا تتكلم بصدق إلا لمن تربطك به علاقة دم فهو الوحيد الذى يخاف على مصلحتك». اخترقت هذه النصيحة فؤادى وأدمت روحى وكنت على وشك الذهاب إليه لمناقشته لولا تدخل صديقى فقررت حينها أن أكتب له رسالة ولكننى لم أفعل. فليسمح لى القارئ أن أكتبها له الآن بعد أكثر من ثلاثين عاما على هذه النصيحة وبعد أن أصبحت هذه الصداقة ركنا أساسيا من أركان حياتى.

عمى العزيز،
يقول مثل أفريقى: «علاقات القربى تنسج فى الليل بينما علاقات الصداقة تنسج فى وضح النهار» ويقول مثل أوروبى: «القدر يصنع علاقات القرابة، أما الاختيار العاقل فهو الذى يصنع الصداقات». ويقال إن الرب يرعانا عن طريق أصدقائنا. ويقول النبى محمد (ص) إن الصداقة من الخصال التى يتذوق بها المرء حلاوة الإيمان بالحديث.

الصديق الحق هو من يعرف لحن روحك ويعزفه لك عندما تنساه. صحيح أن الصداقة لا تخفف الألم ولكنها تفتح أبواب الرحمة، هذه الأبواب التى تلفح وجوهنا برياح طيبة تجعلنا نستمر فى السير عبر الطرق المتربة. الصداقة هى الحب دون أجنحة. هذا الحب والود الذى يدفعنا ويدفع المجتمع كله للأمام.

تتصور بعض الحكومات أن دورها يتلخص فى تقديم الخدمات الأساسية مثل إنشاء الطرق والكبارى والموانئ، وبالطبع فرض الضرائب لدفع الفاتورة، وتقوم حكومات أخرى بتشجيع انتقال الصناعات إليها، لزيادة فرص العمل، بينما تتبنى اليوم الحكومات المتطورة نظرة أبعد مدى وأطول أمدا.

فهى تعمل فى الأساس على حماية نوعية الحياة الرائقة وتوجيه المجتمع نحو مستقبل أكثر إشراقا. وتقوم هذه الحكومات فى سعيها هذا بدراسة جميع الجوانب التى تسهم فى انتشار الود بين الناس. واكتشفت هذه الحكومات أن تشجيع الصداقة والتعاون بين الناس هو الحل الناجع لرفع مستوى نوعية الحياة وتقليص معدلات الجريمة.

وهو ما أكده البروفيسور ريتشارد ليارد من جامعة لندن للاقتصاد فى كتابه الأخير «السعادة: دروس من علم جديد»، فإن الترويج للصداقة والود يشكل الوسيلة الأكثر سهولة، والأقل تكلفة، لرفع مستوى الحياة وقد تمتد فوائدها إلى جعل الناس أكثر سعادة. والنصيحة التى يجب أن يؤخذ بها هو دعم هذا التوجه للترويج للصداقة لتشكل بؤرة الاهتمام فى صياغة السياسات العامة.

ومن رسالة القديسة أنثوسا إلى ابنها القديس يوحنا الذهبى الفم تقول «الصديق الأمين دواء الحياة، هو الملجأ الحصين». قد تسمّى ألف كنز ولكن أيّا منها لا يقارَن بصديق حقيقى. لنتذكر كم السعادة التى تجلبها الصداقة. فالصديق وضّاء بالفرح، لأنّه متحد به بوحدة هى للنفس سعادة لا تُوصَف. إن الصداقة فرصة لعمل الخير ومصدر للرحمة.

عمى العزيز، لا يمكن أن أصف لك حجم السعادة التى سببتها لى صداقتنا. كانت كالضوء الذى أنار لى الجوانب المعتمة داخل روحى، وكأنه يمسك دائما بكشاف ويشير لى بإصبعه كى أرى ما لا أراه. كان لى كالشمس يدفئ ثلوجى. أكون دائما ممتنا عندما يطلب منى خدمة وأحزن عندما يبطئ فى الطلب.

هل تعرف أن أبناءنا وبعضهم اليوم فى الجامعة تربطهم علاقات أقوى من علاقات الدم. هل تتصور أن ابنتى تعتبر ابنته بمثابة أخت لها. ها أنا أعود وأستعمل مفردات ثقافتنا. حرى أن أقول أنها تعتبرها نعم الصديق. عمى العزيز، أسرار قريبك فى بئر بلا قرار فالصديق يعرف جيدا أن يحافظ بدمه على أصدقائه.
خالد الخميسي  كاتب مصري