«الكنز 2».. دروس الحب والسلطة والحكايات - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 3:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الكنز 2».. دروس الحب والسلطة والحكايات

نشر فى : الخميس 22 أغسطس 2019 - 10:55 م | آخر تحديث : الخميس 22 أغسطس 2019 - 10:55 م

اكتملت ملحمة عبدالرحيم كمال، وشريف عرفة، فى الجزء الثانى من فيلم «الكنز»، وعنوانه بالكامل «الكنز.. الحب والمصير»، دروس الحكايات الثلاث هى دروس تاريخ المحروسة: صراع بين سلطة الحب، وحب السلطة، ولعبة لا تنتهى من استغلال الدين فى السياسة، وابن البلد يبحث دوما عن العدل، وعن نصيب من الثروة، مغامرة فنية مدهشة وطموحة، والجزء الثانى سيكون بالتأكيد من بين أفضل أفلام 2019.
هذا الجزء أكثر تماسكا وإتقانا من الجزء الأول، ربما لأنه يجمع خيوط الحكاية كلها، طالت أحيانا المشاهد الحوارية، ولكن ملامح بورتريه المحروسة فى ثلاث حقب وضحت تماما، تضفير القصص معا جعلنا أمام جدارية تقدم بالأساس تنويعات على ثنائية الحب والسلطة، وثنائية الدين والسياسة، وثنائية الشعب والحاكم، وهى ملحمة لأن الشعب حاضر بشكل أو بآخر، وإن كان يظهر بوضوح فى قصة على الزيبق، القصص المتجاورة والمرتبطة بخيط الكنز، تجعل الحكاية واحدة، وإن اختلفت الأشكال والأبطال، واستقبال حسن الباحث عن الجذور والأصل للحكايات، يجعل الأحفاد (نحن) هم المقصودين بكل هذه التفاصيل.
حكايات حب خائبة ومؤلمة تقود إلى كنز، تجارب لا بد منها لكى نعرف: حتشبسوت المعلقة بين القلب والعرش، تختار الحب أخيرا، وبشر رجل البوليس السياسى يعرف أخيرا أن السلطة سراب، وأن الحب هو النور الوحيد فى حياته، سواء مع نعمات أو مع لواحظ، وعلى الزيبق يفقد حبه فى معركته مع صلاح الكلبى سوط السلطة، فى قصة حتشبسوت يحتكر الكاهن صوت الإله، ليدير معركة السلطة كما يريد، وفى قصة بشر يظهر الإخوان طلاب السلطة باستخدام الدين، وفى قصة الزيبق يغير رجل الدين بوصلة السلطة بفتوى حسب الطلب.
داء السلطة وداء الحب يسريان فى كل العصور، فما الذى تريد؟ الشعب حاضر فى صورة سينموت المهندس فى قصة حتشبسوت، وفى صورة الزيبق والشطار فى قصة العصر العثمانى، وسيحضر أخيرا فى قصة بشر مع انقلاب الجيش فى يوليو، ولكن بشر يحذر أبناء البلد الذين يتولون السلطة من سحرها وغدرها، ويبقى الشاهد الحكيم (عبدالعزيز مخيون) ينصح ويقول فى القصص الثلاث، وكأنه الصوت الذى يلخص كل الدروس، فمن يسمع ومن يفهم؟
هذا المزيج المتفرد من التاريخ والقصص الشعبية والخيال والمغامرات، ينتهى فعلا بظهور كنز، ولكنه يتجاوز كثيرا الكنز المادي؛ لأن الكنز الحقيقى فى هذا الفيلم هو معرفة أصل الحكاية، معرفة الشاطر حسن الجديد دروس الرحلة، واختياره أن يتمسك بالمكان وبالوطن، الكنز الحقيقى فى التمسك بغواية الحب، والحذر من غواية السلطة، ورفض غواية لعبة الدين والسياسة، الكنز فى معرفة أن المحروسة لا تطير إلا بجناحين هما السلطة والشعب، بل لعل الكنز الأهم هو فى معرفة حسن لقيمة المحروسة، هذه الطبقات المتتالية من الحكايات والعصور، هى كنز الكنوز، المهم فقط أن نعرف، والمهم ألا يكرر حسن خيبات بشر، واختياراته الخاطئة.
تنتهى الأحداث فى العام 1975، وهى فترة عودة بشر إلى بلده، ومعرفته بحكايات حتشبسوت وبشر وعلى الزيبق، ولكن الدروس عابرة للأجيال، نبدو أحيانا وكأننا محكومون بدائرة مغلقة، لا نتعلم رغم نصائح الشاهد الأبدى على الحكاية (عبدالعزيز مخيون)، ولكن هناك بعض التفاؤل مع جيل حسن وراجية، الأخيرة محامية متمردة وجريئة أنجبها عبدالعزيز، خادم السلطة الأمين، يفقد الزيبق حبيبته، ولكنه يعيش كفكرة، حتى لو كان حفيده خط الصعيد، فإن الكنز موجود، وسيصل حتما إلى الأحفاد، المهم من يبحث فيجد، والمهم من يستمع فيتعلم.
حرفة السرد، جعلت من قراءة التاريخ حواديت جميلة، وشريف عرفة يمسك بالخيوط فلا تنفرط أبدا، ممثلو هذا الجزء فى أفضل حالاتهم، مع تميز خاص لـ محمد سعد، ومحمد رمضان، ومحيى إسماعيل، كل العناصر من تصوير وموسيقى ومونتاج وديكور وملابس وصوت موظفة بشكل جيد، والأغنيات، التى كتبها أمير طعيمة ولحنها هشام نزيه، بطل حقيقى من أبطال الفيلم، وجزء أساسى من نسيج الدراما، لا يمكن الاستغناء عنه.
مفاتيح فيلم «الكنز» بجزءيه فى اكتشاف معنى ما كان، وفى البحث عما وراء الحواديت والمغامرات، المفاتيح فى قلب يعشق، وعقل يفكر، وإرادة تغير إلى الأفضل.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات