بطلان وانعدام اتفاقية السلام مع إسرائيل لا يخل بالتزاماتنا الدولية - إبراهيم يسري - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بطلان وانعدام اتفاقية السلام مع إسرائيل لا يخل بالتزاماتنا الدولية

نشر فى : الإثنين 22 أكتوبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 أكتوبر 2012 - 8:30 ص

شاركت منذ أيام بندوة مهمة بنقابة الصحفيين بدعوة كريمة من الصديق محمد عصمت سيف الدولة حول وضع وحقيقة ما يسمى باتفاقية السلام مع إسرائيل التى لم يؤمن شعب مصر يوما بمشروعيتها والتى عرفت شعبيا بكامب ديفيد.

 

شهدت بداية هذه الفكرة فى رومانيا سنة 1971عندما كنت قائما بالأعمال وحاول وزير الخارجية كورنيليو مانسكو إقناعى بأن إسرائيل تريد السلام وأن رومانيا أعادت العلاقات مع إسرائيل لبذل مساعى السلام، وقد حذرت القاهرة من ذلك الدجل والغريب أن السادات أشر على برقيتى: أوافق على رأى القائم بالأعمال، ولكن عين بعد ذلك سفيرا لنا فى بوخارست راح يروج لهذه الفكرة فعارضته وكتبت تقارير بهذا المعنى إلا أن رومانيا انتصرت أخيرا عندما باع شاوشيسكو الفكرة للسادات فى منتجع سينايا الجبلى برومانيا.

 

وكان السادات قد ألقى خطابه الشهير أمام الكنيست الإسرائيلى فى 20 نوفمبر 1977. والذى شدد فيه على أن فكرة السلام بينه وبين إسرائيل ليست جديدة، وأنه يستهدف السلام الشامل، وتم التوقيع فى كامب ديفيد على إطار ومعالم وأسس إقامة سلام عادل وشامل فى الشرق الأوسط فى 17 سبتمبر 1978 بين الرئيس ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجن وفى 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد وقع الجانبان على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.

 

 

 

الاتفاقية ليست اتفاقية سلام:

 

ولعله من المذهل للبعض أن نقول أن عنوان الاتفاقية كان خاطئا وخارجا على قواعد القانون الدولى الآمرة Jus cognes التى أرساها وقننها ميثاق الأمم المتحدة منذ نشأتها سنة 1945 والتى كانت مصر عضوا مؤسسا لها بحضورها مؤتمر سان فرانسيسكو الذى أقر الميثاق الذى يعتبر من المعاهدات الدولية الشارعة law making treaties التى لا يجوز مخالفتها.

 

ولتوضيح الأمر نذكر بأن الحرب بين الدول عندما كانت مشروعة كانت تستلزم من الدولة المحاربة أن تصدر إعلانا بأنها فى حالة حرب مع الدولة المعتدى عليها حتى تكتسب بعض الحقوق كفرض الحصار ومنع التعامل معها، وعند نهاية الحرب كان لا بد من اعلان نهاية حالة الحرب فى صورة إعلان أو اتفاقية صلح أو اتفاقية سلام.

 

أما اتفاقيتنا مع اسرائيل فلا تصنف أبدا وفقا لمسماها بأنها اتفاقية سلام، ولا أظن أن ذلك كان خافيا على القانونيين الإسرائيليين والأمريكان الذين صاغوا الاتفاقية، كما لا أعلم عما إذا كان السادات عالما بذلك.

 

فالاتفاقية تنص فى مادتها الأولى على أنه: تنتهى حالة الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة. وهذا مخالف نصا وروحا مع ميثاق الأمم المتحدة الذى حرم استخدام القوة لحل المنازعات الدولية ومنح هذا الحق لمجلس الأمن وفقا لإجراءات محددة. وبالتالى يفقد هذا النص الزاميته لأن الالتزام نابع من قاعدة قانونية أسمى واردة فى ميثاق الأمم المتحدة الملزم لجميع الدول وحتى لغير أعضاء المنظمة.

 

وتنص المادة الثالثة من المعاهدة على أنه: يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولى التى تحكم العلاقات بين الدول فى وقت السلم، وبصفة خاصة:-

 

● يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسى.

 

● يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها، أحدهما ضد الآخر، على نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كافة المنازعات التى تنشأ بينهما بالوسائل السلمية.

 

وكل هذه التعهدات واردة فى الميثاق ولا داعى لترديدها لأن قواعد الميثاق تسمو على الاتفاقيات التى تعقد بين الدول وعليه فلا قيمة لذكرها فى الاتفاقية.

 

وتؤكد المادة السادسة ذلك فى الفقرة الأولى التى تنص على أنه: لا تمس هذه المعاهدة ولا يجوز تفسيرها على أى نحو يمس حقوق والتزامات الطرفين وفقا لميثاق الأمم المتحدة.

 

أما الفقرتان الرابعة والخامسة فإنهما تتعارضان مع قواعد وأحكام الميثاق مما يصيبهما بالبطلان فتنص الفقرة الرابعة على أنه: يتعهد الطرفان بعدم الدخول فى أى التزام يتعارض مع هذه المعاهدة لأن الاتفاقية فى نصوصها السابق الإشارة اليها إنما تردد أحكام الميثاق وهى ملزمة دون حاجة للنص عليها.

 

أما الفقرة الخامسة فتورد التزاما باطلا يتعارض مع القواعد الآمرة فى القانون الدولى بما فيها أحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية فهى تنص على: مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة يقر الطرفان بأنه فى حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأى من التزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة.

 

فقواعد اتفاقية ثنائية بين دولتين لا يصح اعتبارها اسمى من التزامات الدول فى المعاهدات المتعددة الأطراف بصورة تلقائية حيث يستلزم ذلك اتخاذ إجراءات الانسحاب من الاتفاقية إذا كانت تسمح لأطرافها بالانسحاب منها. ومعروف أن القصد من وراء هذا النص هو خروج مصر عن التزاماتها العربية وهو ما لا يجد له أساس من صحيح القانون ليس فقط لأن الأفضلية فى الالتزامات الناشئة عن اتفاقية متعددة الأطراف تسبق مثلها فى الاتفاقات الثنائية.

 

 

 

طبيعة الاتفاقية:

 

أما طبيعة الاتفاقية الحقيقية فهى اتفاقية تنازلات وترتيبات أمنية مشددة:

 

فالترتيبات الأمنية نصت عليها المادة الرابعة فى فقرتها الأولى على أنه: بغية توفير الحد الأقصى للأمن لكلا الطرفين وذلك على أساس التبادل تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما فى ذلك مناطق محدودة التسليح فى الأراضى المصرية والإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبين من الأمم المتحدة. وتضمنت الاتفاقية تنازلات المهزوم للمنتصر تماما كنمط معاهدات الصلح فى أوروبا فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

 

قصة القوات متعددة الجنسيات:

 

على غير ما نصت عليه الاتفاقية من تولى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مراقبة تنفيذ الاتفاقية، تخوفت إسرائيل من ذلك وأرادت أن تكون تلك القوات بلا أى فاعلية، وتحت الضغط الأمريكى وافق السادات على استبدال قوات الأمم المتحدة بكيان غريب اسمه القوة متعددة الجنسيات والمراقبين MFO تسيطر عليها أمريكا ومقر مكتبها فى روما ويرأسها أمريكى مدنى ويعين جميع المراقبين من مواطنى أمريكا، وقد بذلنا جهدا كبيرا رافقنى فيه السفير ايهاب سعيد وهبة فى الإقلال من امتيازات القوة وحصاناتها، وقدمنا مشروعا مصريا، الا أننا فوجئنا برئيس الوفد المصرى يوقع الاتفاق كما صاغته واشنطن، ونادينا بعد سنوات بسحب هذه القوات لعدم فاعليتها ولأننا نتقاسم نفقاتها بالدولار مع إسرائيل دون جدوى.

 

وفى الاتفاقية تنازل السادات عن حقوق سيادية لمصر أهمها:

 

● مسألة مدينة أم الرشراش والواقعة تحت سيطرة إسرائيل ويطلق على المدينة اسم «إيلات» من قبل الإسرائيليين «بحاجة لمصدر» حيث إن البعض مقتنع إن قرية أم الرشراش أو إيلات قد تم احتلالها من قبل إسرائيل فى 10 مارس 1949 وتشير بعض الدراسات المصرية إلى أن قرية أم الرشراش أو إيلات كانت تدعى فى الماضى (قرية الحجاج) حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الجزيرة العربية يستريحون فيها.

 

●واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرين مائيين دوليين بالمخالفة لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التى أقرت عام 1982.

 

أما الشروط الثلاثة التالية فلم يكن لها داع لأنها مقررة بأحكام القانون الدولى المستقرة وهى :

 

● عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس.

 

● السماح بحرية المرور البرىء بالمياه الإقليمية المصرية.

 

● السماح بالطيران فى الأجواء المصرية وفقا لأحكام اتفاقية شيكاجو للنقل الجوى.

 

انتهاك إسرائيل لتعهداتها فى اطار السلام ونصوص الاتفاقية:

 

● البدء بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتى للفلسطينيين فى الضفة وقطاع غزة.

 

● والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولى رقم 242.

 

● التوسع الاستيطانى وتعويق إرساء سلام وفقا للقرار 242 الصادر من مجلس الأمن والذى تعهدت بتنفيذه.

 

● تسوية قضية الأموال التى تعتبرها مصر «أموالا منهوبة» نتيجة استخراج إسرائيل للنفط فى سيناء لمدة 6 سنوات.

 

● مسألة محاكمة مجرمى الحرب من الجيش الإسرائيلى المتهمين بقضية قتل أسرى من الجيش المصرى فى حرب أكتوبر والتى جددت مصر مطالبتها بالنظر فى القضية عام 2003.

 

● امتناع إسرائيل التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووى.

 

● نصت المادة الثامنة على اتفاق الطرفين على إنشاء لجنة مطالبات للتسوية المتبادلة لكافة المطالبات المالية.ولم يتم الوفاء بهذا الالتزام منذ 33 عاما أو يزيد.

 

● الانتهاك الدائم واليومى لإقليم مصر الدولى فوق سيناء حيث تقوم الطائرات الإسرائيلية بطلعات جوية استطلاعية وقمنا بتسجيل ذلك شهريا فى اجتماعات اللجنة المشتركة بحضور ممثل القوة متعددة الأطراف.

 

 

 

آليات تعديل الاتفاقية:

 

نصت المادة السابعة فى فقرتها الأولى على أن تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضة. وفى الفقرة الثانية على التوفيق والتحكيم فى حالة عدم الاتفاق، والتطبيق الوحيد لهذه الآلية تم فى مباحثات استرداد طابا.

 

عناصر انعدام وبطلان الاتفاقية:

 

● الاتفاقية تعتبر مفسوخة وفقا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التى تنص على أن إخلال أحد الأطراف بالتزاماته الجوهرية يبيح للطرف الآخر فسخ المعاهدة، وهذا واقع الحال ازاء الاتتهاكات الإسرائيلية الصارخة والمتعاقبة.

 

● من ناحية الملائمة ليس من المعقول تواجد قوات واستمرار تدابير أمنية لأطول مدة فى التاريخ وهى تراوح 33 عاما على انتهاء المواجهة العسكرية، فقد استقر السلام وأثبتت مصر أنه ليست لديها نوايا لشن حرب جديدة لسنوت طويلة قادمة.

 

● إنكار الاتفاقية لمتطلبات السيادة المصرية التى اعترفت بها ونص عليها ميثاق الأمم المتحدة يبطل الترتيبات الأمنية التى تتضمن انتهاكا لسيادتنا على أراضينا، وهو باطل لمخالفته للقانون الدولى ولنا الحق فى حشد قواتنا فى أى بقعة على أراضينا دون اعتراض من أحد.

 

● تحسب رد الفعل الإسرائيلى الأمريكى: لن نجافى الواقع إذا توقعنا ردود فعل عنيفة من تل أبيب وواشنطن اذا استرجعنا سيادتنا وطالبنا بتنفيذ التعهدات الإسرائيلية، ولكن الأمر يمكن معالجته من خلال اتصالات دبلوماسية مع الولايات المتحدة نؤكد فيها التزامنا بعدم اللجوء للقوة مع إسرائيل مع الاحتفاظ بحق الدفاع إذا بادرت اسرائيل بالعدوان.

 

● تصريحات حكومة الثورة بالتزامنا بتعهداتنا الدولية يظل سليما وقائما ولا يعتبر بطلان المعاهدة اخلالا بتعهداتنا الدولية.

 

 

إبراهيم يسري  محام ومحكم دولي
التعليقات