فى عام ٢٠١١ ــ العام نفسه الذى قامت فيه الثورة المصرية الكبرى ــ صوت مجلس الشيوخ فى البرازيل على تشكيل لجنة لتقصى الحقائق فى مزاعم انتهاكات لحقوق الإنسان التى ارتكبتها السلطات هناك فى الفترة من ١٩٦٤ إلى ١٩٨٥. فى ١٠ ديسمبر الماضى أنهت اللجنة عملها وقدمت تقريرا إلى الرئيس البرازيلى. ذكرت اللجنة فى التقرير أسماء ٣٠٠ من كبار المسئولين يشتبه فى ارتكابهم جرائم فى حق المواطنين هناك. قامت اللجنة بعقد ٨٠ جلسة استماع عامة، فى ١٥ ولاية.

بالإضافة إلى أسماء المسئولين المجرمين قدم تقرير اللجنة تفاصيل عن الاماكن التى كان يتم فيها التعذيب وطرق التعذيب وأسماء الضحايا الذين ماتوا تحت التعذيب أو تعرضوا للاختفاء القسرى. أعلنت الحكومة أنها ستستمر فى سياسة كشف الانتهاكات التى حدثت فى الماضى، وأنها تشجع سياسات البحث عن الحقيقة. منذ أقل من أسبوعين أعلن مجلس الشيوخ الأمريكى تقرير لجنة تقصى الحقائق حول التعذيب الممنهج الذى كانت تمارسه المخابرات الأمريكية فى عهد الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش فى قاعدة جوانتانامو. خلص ملخص التقرير الذى تم نشره «إلى أن انتهاكات الوكالة كانت أشد وحشية ومنهجية وأوسع نطاقا مما أظهرته تقارير سابقة، وأن العديد من أساليب الاستجواب فى الوكالة تجاوزت حتى ما صرحت به وزارة العدل، وأن الوكالة بدأت استخدام تلك الأساليب قبل حصولها على التصريح بها بزمن طويل».

ويصف التقرير العديد من الوقائع التى سبق ظهورها فى تقارير بشأن برنامج الوكالة للتعذيب، بما فى ذلك استخدام الوكالة للأوضاع المجهدة المؤلمة، والإجبار على الوقوف، والحرمان المطول من النوم، والتعريض المطول للإضاءة الساطعة والضوضاء العالية، والإيهام بالغرق، وإغلاق التوابيت عليهم. لا يمكن بناء المستقبل بالتغطية على انتهاكات الماضى، كما لا يمكن تجاهل تلك الانتهاكات واعتبارها غير موجودة. الأمم التى تريد بناء المستقبل لابد أن تحاسب ماضيها بصراحة. مصر لا تفعل ذلك ويبدو أنها لا تريد أن تفعله. على الرغم من ان لدينا وزارة للعدالة الانتقالية منذ أكثر من عامين، فإن تلك الوزارة تعمل فى كل الميادين الممكنة إلا ميدان العدالة الانتقالية، لا أفهم ما هو دور الوزارة فى وضع قانون للانتخابات إلا انه محاولة للبحث لها عن دور تقوم به بعيدا عن مهمتها الأصلية. حوسب الرئيس مبارك على آخر ثمانية عشر يوما من حكمه، وجرى عن عمد تجاهل حصاد الأعوام الثلاثين السابقة عليها والتى تميزت بوجود تعذيب منهجى لا يمكن نكرانه ولن يستطيع أحد ان يغطى عليه.

تعاون نظام الرئيس مبارك مع وكالة الاستخبارات الأمريكية فى تعذيب المحتجزين يجب ان يخضع لتحقيق جدى. الذين ماتوا جراء التعذيب أو فقدوا يجب ان نعرف كيف عذبوا وأين رفاتهم ومن عذبهم، لا نريد أسماء الصغار، نريد المسئولين الكبار الذين أمروا بالتعذيب وتواطؤا عليه. يجب ان نخرج أشباح الماضى من ظلام الكهوف إلى نور الحقيقة. النور يحرق الأشباح.