يريدون عاصمة شابة بديلة لمصر هربًا من القاهرة العجوز - سامح عبدالله العلايلى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يريدون عاصمة شابة بديلة لمصر هربًا من القاهرة العجوز

نشر فى : الخميس 23 مارس 2017 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 24 مارس 2017 - 11:29 ص

تُحدد التوجيهات بين الحين والآخر للقائمين على إقامة كيان بديل لعاصمة مصر أن يُولد الكيان المذكور متمتعا بأعلى درجات الجودة والعصرية وبأقل تكلفة ممكنة. بطبيعة الحال لا يُمكن أن يستقيم الأمران معا... الجودة العالية والتكلفة المنخفضة، لأنه بدون تحديد مواصفات دقيقة للجودة العالية فإنه لا يمكننا أن نقرر ما إذا كانت التكلفة ستجىء منخفضة أم لا، ويتلقى القائمون على الأمر التعليمات فى صمت مريب، دون أن يحاول أى منهم الإشارة إلى أنه من المستحيل تحقيق معادلة الجودة العالية والتكلفة المنخفضة.

إنهم يُطلقون على هذا الكيان استحياء العاصمة الإدارية، حتى لا يبدو الأمر وكأنه إقامة عاصمة سياسية جديدة للبلاد، لم تحظ بالموافقة المجتمعية طبقا لما ورد فى قانون البناء الموحد، كما أنها ليست على سلم الأولويات فى ظل ظروف الحالة الاقتصادية للبلاد، علما بأن الأمر واضح لأن ما يتم إنشاؤه حاليا يحتوى على أركان الدولة السياسية وهى مقار الرئاسة والبرلمان والحكومة.

أيضا يُروج البعض إلى أن ما هم بصدده الآن هو الأسلوب الأمثل لامتصاص كثافات الاستخدام الفوضوية بالقاهرة، بعد أن يتم خلخلة الكتلة السكانية القائمة بانتقال جزء منها فى اتجاه الشرق. كيف يتأتى ذلك والجزء الغالب من سكان القاهرة الحاليين هم من أهالى المناطق المتدهورة والعشوائية محدودى وعديمى الدخل، وهم بطبيعة الحال ليس لديهم أى قدرة على مواجهة تكلفة الانتقال للإقامة فى ذلك الموقع الجديد الذى يفتقر إلى قاعدة اقتصادية واضحة تُمكنهم من تحقيق طموحاتهم والحصول على عوائد كافية من أنشطة إنتاجية تُغير من نمط حياتهم.

•••

إن إنشاء الكيان الجديد يتطلب استثمارات هائلة تُضخ فى نشاط غير تنموى يعتمد على تجارة الأراضى والعقارات وليس على إقامة أنوية إنتاجية تُحرك المياه الراكدة للاقتصاد. ألم يكن الأولى أن تُوجه هذه الأنهار المتدفقة من الأموال الغزيرة إلى ما هو أجدى وأنفع للاقتصاد المصرى، بتوجيه جزء منها لإحياء القدرات الاقتصادية الكامنة بتشغيل وحدات الإنتاج المعطلة وهم بالآلاف وتأهيل ملايين العاطلين من الطاقة البشرية المهمشة دعما لمشروع تنموى حقيقى ينتشل مصر من القاع ويعيد إليها حيويتها ومكانتها بين الأمم التى تتصارع لتنمية اقتصادياتها. كما أن جزءا من هذه الاستثمارات يمكن أن يوجه إلى معالجة أمراض القاهرة العريقة ذات المكانة العالمية النادرة، التى تدهورت أحوالها على يد من تولوها على مدى عقود.

إن الأمل الآن هو الاكتفاء بما تم إنجازه فى هذا الكيان الجديد، لاستعماله مركزا للأعمال نظرا لكونه يقع جغرافيا فيما بين القاهرة التاريخية التى يجب أن تبقى العاصمة السياسية لمصر ومنطقة محور قناة السويس التى يُنظر إليها على أنها مُنطلق اقتصادى إقليمى مستقبلى.

كما أن القاهرة فى أشد الحاجة إلى وضع قانون جديد للعاصمة، يُحدد نظام إدارة شئونها بأسلوب يتناسب مع قيمتها، كذلك إعادة صياغة حدودها الجغرافية لتحتوى على مناطق جبانة منف (الأهرامات) التى كانت تابعة للقاهرة فيما مضى ومدينة هليوبوليس التاريخية بالمطرية المدفونة أسفل أحد المناطق العشوائية الكبرى، إضافة إلى مناطق أخرى مثل مصر القديمة والعسكر والقطائع ومجمع الأديان والفاطمية قاهرة المعز ثم القاهرة الخديوية...الخ.

كل هذه المناطق وغيرها تحتاج إلى إجراءات استثنائية لتحويلها إلى محميات تراثية ذات نطاقات حماية مُتدرجة تُحدد نوعية وحجم الأنشطة والاستخدامات فى كل منها.

لقد عاصر موقع القاهرة التاريخية استقرار أوائل مجموعات الإنسان البدائى، كما شهد تجاذبات سيدنا موسى عليه السلام وفرعون مصر، كما هربت إليها العائلة المقدسة قادمة من القدس، حيث استقرت بها زمنا سعيا وراء الأمان والحماية من إمبراطور الرومان، إضافة إلى ذلك فقد عاصرت المدينة أحداث وشخصيات ذات شأن مهم فى التاريخ ليس لها أول ولا آخر.

كل هذا الثراء مُنقطع النظير يُمكن أن يتضمنه سيناريو مُتقن يُعده علماء وأهل فكر وثقافة، للحفاظ على ما تبقى من مآثر المدينة الخالدة وتنقيته من شوائب سوء الاستخدام، وإظهاره للعالم أجمع بالأسلوب الذى يستحقه. ولاشك فى أن ذلك سيلقى استحسانا عالميا وترويجا ثقافيا كبيرا لمصر، لأنه ببساطة مشروع حضارى هائل للحفاظ على أحد المكونات الرئيسية فى سجل التراث العالمى، ويظهر مصر كدولة حريصة على تراثها وبالتالى فهى تستوجب الاحترام وللمساعدة على النهوض من كبوتها.

•••

أخيرا فإن المدينة تحتاج إلى تشكيل مجلس أمناء مُكون من أهل فكر وثقافة وعلم من داخل وخارج البلاد، على غرار مجالس أمناء الكيانات الكبرى، يتولى مهمة التوجيه الاستراتيجى لنظام الإدارة المحلية والإشراف على أساليب إدارتها للكتلة العمرانية للعاصمة، بدلا من تركها فى يد هواه ليس لديهم إدراك أو وعى بقيمة ما هو تحت أيديهم.

 

سامح عبدالله العلايلى عميد سابق وأستاذ بكلية التخطيط العمرانى جامعة القاهرة
التعليقات