نتائج من الكونترول - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نتائج من الكونترول

نشر فى : الأحد 23 أكتوبر 2011 - 8:55 ص | آخر تحديث : الأحد 23 أكتوبر 2011 - 8:55 ص

يقال إنها بدأت فى زيمبابوى، وبعدها انتقلت الفكرة من دولة إلى أخرى كالنار فى الهشيم. وتتلخص هذه الفكرة فى أن تعلن أحد الأحزاب المشاركة فى الانتخابات فوزها وكثيرا ما يكون الحديث عن اكتساح هذا الحزب للانتخابات وذلك قبل إعلان النتائج بساعات قليلة. وبظهور نتيجة الانتخابات مغايرة للإعلان الذى استطاع هذا الحزب نشره عبر وسائط إعلامية، يبدأ الحديث عن عمليات التزوير والجريمة السياسية التى سوف تعصف بالحياة السياسية فى البلاد.

 

وعلى أساس أن الصيت أهم من الغنى فمن يمتلك فى هذه اللحظة عويلا ونباحا أعلى من الآخر يكون له تأثير مهم على الرأى العام العالمى. ولأن كثيرا ما يكون هذا الحزب قد أعد خطته مسبقا وأعد حنجرته جيدا للعويل، ففرصته فى الحصول على قدر من التعاطف يتعاظم بهذه الخطة.

 

حدثت هذه القصة فى كينيا وفى كوت ديفوار وفى غيرها. ويتم تطبيق هذه الخطة أحيانا فى انتخابات محلية أو نقابية لأغراض مختلفة وحسب كل حالة. كل هذا ممكن بالطبع فى المجتمعات السياسية المتخلفة، التى لا تمتلك أجهزة قياس رأى عام ومراكز استطلاع رأى جادة ولا مراكز إحصائية حقيقية ولا أجهزة رقابية يعتد بها. وللأسف هذا هو الحال فى مصر. كثيرا ما يتم سؤالى عن القوى السياسية فى مصر ووزنها الحقيقى وتكون إجابتى دائما أن الأعلى صوتا والأكثر تأثيرا على الإعلام (لدواعٍ مالية على الأغلب) هو الذى يبدو فى المخيلة الشعبوية بحجم الدرفيل وقد يكون فى الحقيقة بحجم السردين.

 

●●●

 

تذكرت كل هذا وأنا أقرأ عن بُعد نتائج انتخابات نقابة الأطباء. فأنا أكتب هذا المقال من انجلترا حيث كنت ضيفا على عدد من المهرجانات الأدبية. ومن هذه المسافة تلقيت رسائل وقرأت أخبارا عديدة عن نتائج هذه الانتخابات. وجاءت كلها متناقضة. بدأت هذه الأخبار تتوالى قبل ظهور النتائج النهائية. وكانت كلها تتعلق باكتساح تيار الإخوان المسلمين لانتخابات نقابة الأطباء. ثم بدأت أتلقى رسائل تنفى هذا الاكتساح وتتحدث عن انتصار ثم رسائل جديدة تتحدث عن نجاح مهم حققه تيار الاستقلال فى هذه الانتخابات. ثم استمرت الأنباء فى التلاحق كل يسير فى تيار مختلف عن الآخر وكأننا نتحدث عن آراء عامة وليس عن نتائج محددة لانتخابات. وحاولت من داخل مهرجان «تشلتنهام» الأدبى فهم حقيقة الأمر ولكننى عجزت عن ذلك نتيجة لاستمرار التعارض الشديد بين الأخبار التى توالت.

 

ثم بدأت الأخبار تهتم بالانتماء السياسى لنقيب الأطباء المنتخب. بعضها أكد أنه ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين والبعض الآخر نفى بشدة أنه ينتمى لهذا التيار. وقد فشلت حينها أمام هذا الطوفان من المعلومات المغلوطة فى فهم حقيقة الأشياء. يمكن القول بالتأكيد بأن هذا الأمر يبدو طبيعيا وسط الفوضى الإعلامية التى نعيشها. كما يمكن ربط هذه الفوضى بحالة التخلف السياسى. كل هذا ممكن. ولكن المقلق فى هذا الأمر هو التقنية التى تم استعمالها فى نشر هذه الأخبار المغلوطة والكيفية المريبة التى تعامل بها الإعلام مع هذه الأنباء. هل ما تم كان بروفة للانتخابات التشريعية القادمة؟ هل سوف يستعمل الإخوان المسلمين هذه الخطة ـ التى نجحت من قبل فى عدة دول أفريقية ـ فى فترة الانتخابات القادمة لو بدا لهم أنهم لن يحصلوا على ما يطمحون إليه؟ خاصة بعد أن استطاعت حركة الإخوان المسلمين إعطاء صورة إعلامية إيجابية عن مدى ما تتمتع به هذه الحركة من شعبية.

 

هناك فجوة فى مصر بين العالم الواقعى والعالم المتخيل، بين الاقتصاد المعلن والاقتصاد الخفى، بين العالم الرسمى والعالم الحقيقى. وأحد معايير قياس مدى تقدم الدول هو بقياس حجم هذه الفجوة. فكلما كانت الفجوة كبيرة كلما كان المجتمع متخلفا والعكس صحيح. والفجوة بين الصورة الإعلامية للقوى السياسية والواقع السياسى هو أمر لم يتم بحثه بجدية حتى الآن. ولكن هل يمكن قياس هذه الفجوة بشكل علمى؟ لا أظن. لأننا لا نمتلك بعد مراكز استطلاع الرأى المؤهلة للقيام بهذه الدراسة، والجميع يعتمد على حدسه ومشاهداته دون أى معرفة رقمية بالواقع، أو يعتمد على أرقام تأتى من مصادر غير علمية. وهل يمكن أن ننسى مهزلة النسب المئوية التى تم تداولها عن مدى شعبية المرشحون المحتملون لرئاسة الجمهورية التى تم التصويت فيها على موقع الفيسبوك على أسس يرفضها عقل أطفالنا من قراء ميكى وسمير، وكأن أساتذة الإحصاء الأجلاء الذين قاموا بشرح دروس الإحصاء لنا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية هاجروا جميعهم من مصر وظل بها من لم يقرأ يوما حرفا.

 

●●●

 

الكارثة فى حالة كهذه ونحن مقبلون على الانتخابات التشريعية والفجوة كبيرة جدا بين الواقع السياسى والمتخيل الشعبوى فإن استخدام خطة تمرير نتائج مغلوطة من الكنترول يمكن أن يكون له نتائج مأساوية، خاصة أن خبراتنا السياسية فى مجال الانتخاب خلال الثلاثين عاما ماضية كانت كلها مرتبطة بنسبة مشاركة لا تتعدى الخمسة فى المائة من العدد الإجمالى للناخبين، ومن المتوقع أن تصل نسبة الناخبين فى الانتخابات التشريعية القادمة من خمسة وثلاثين فى المائة إلى أربعين فى المائة من عدد الناخبين. وهذا معناه ببساطة أننا مقبلون على خريطة انتخابية شديدة الاختلاف عن كل خبراتنا السابقة. فى إطار هذا المجهول المقبل يمكن تخيل سيناريوهات عديدة لتمرير نتائج من الكنترول تلقى بظلالها الكئيبة على الانتخابات القادمة.

 

ما الحل؟ الحل أن نسعى فى الأسابيع القادمة إلى تحليل نوع ومدى هذه الفجوة بين الواقع والمتخيل الشعوبى لعلنا نفهم خطورة استقبال نتائج قادمة من الكونترول.

خالد الخميسي  كاتب مصري