سياستنا الخارجية بعد الثورة - محمد أنيس سالم - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 3:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سياستنا الخارجية بعد الثورة

نشر فى : السبت 24 يناير 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : السبت 24 يناير 2015 - 8:05 ص

فقه الثورات ينبئنا بحدوث تغيرات عميقة فى السياسة الخارجية عقب سقوط نظم الحكم المرفوضة شعبيا. هكذا كانت قصة الثورات الفرنسية والأمريكية والروسية بل والمصرية فى عام 1952. فى الحالة المصرية، وفى أعقاب يناير 2011، يمكننا مراجعة التجربة من أربع زوايا:

أولا: المرجعية الفكرية للسياسة الخارجية

لسنوات طويلة أرتاحت دوائر تدبير السياسة الخارجية المصرية إلى مجموعة من الخطوط العريضة التى تتناول الأولويات المصرية التقليدية (مثلا «نظرية» الدوائر الثلاث: العربية والاسلامية والافريقية، و«مركزية» القضية الفلسطينية، «والريادة» الإقليمية، والارتباط بأمن الخليج، إلخ. ولا مانع من التصريح ــ من آن لأخر ــ بوجود «علاقة استراتيجية» مع الولايات المتحدة أو الصين). ومع ثورة 25 يناير، ورغم وجود تيار قوى ينفى عنها أية مطالبات بالشأن الخارجى، إلا أن المجلس العسكرى ــ فى أول ايامه ــ أتبع الأسلوب الأكثر حيطة من حيث التأكيد على احترام «التزامات مصر الدولية» فى رسالة تحمل معانى الاستمرارية والسعى للاستقرار الإقليمى. المنطق الثورى كان يمكنه أن يدفع فى اتجاه التفاعل مع مطالب التغيير فى المنطقة، إلا أن ذلك لم يحدث إلا فى مراحل تالية (مثلا تأييد قرارات الجامعة العربية حول ليبيا وسوريا وخطاب مرسى سيئ السمعة حول سوريا). وبالمقابل طرحت آراء تؤكد على الأصول التاريخية للسياسات المصرية، تعددت معها إشارات إلى الجغرافيا السياسية والأهمية الحاكمة للموقع والخرائط، بحيث يتأكد القول بوجود «حتمية» تفرض أولويات واستراتيجيات وأنماطا من التحالف والعداء.

وبالتالى فإن دواعى «الاستمرارية» تتغلب على مقترحات «التغيير». وبصفة عامة يمكن القول بأن الثورة لم تولد أية زلازل فى المرتكزات الفكرية للسياسة الخارجية المصرية حتى وإن طرحت أفكارا حول السعى «لإعادة التوازن والتنوع» فى العلاقات مع القوى الكبرى، أو لتحريك الازمة السورية (اللجنة الرباعية) أو لرفع مستوى العلاقات مع طهران.

ثانيا: الأهداف والتحديات

خلال مراحل مختلفة منذ 2011 فرضت ضرورات الدفاع عن الثورة أولويات السياسة الخارجية. كانت هناك المقاومة الناجحة لتدويل الأوضاع المصرية فى المنظمات الدولية والإقليمية (مثلا الأمم المتحدة، منظمة التعاون الإسلامى، مجموعة الـ77)، وإدارة العلاقات مع منظمات أصرت على التدخل فى الشأن المصرى الخارجى (مثلا التعامل مع الأتحاد الإفريقى من أول اللجنة رفيعة المستوى إلى قرار تجميد نشاط مصر حتى عودتها إلى المنظمة فى منتصف سنة 2014، وبالمثل كانت هناك معركة ضارية حول دور الاتحاد الأوروبى والعلاقات مع عواصم أوروبا).

وفى المحيط الإقليمى، تعددت الأزمات وارتفعت حدة العنف وتزايد حجم ومدى التدخلات الخارجية بشكل تجاوز طاقة المنظمة العربية الإقليمية، وتوالت اجتماعات «الأصدقاء» و«دول الجوار» (سوريا، ليبيا، العراق، الصومال)، وبالتوازى فرضت قضية مياه النيل نفسها على جدول الأعمال المصرى. وكأن كل ذلك لم يكن كافيا، قامت إسرائيل بهجومين مكثفين على غزة (2012، 2014 ) مما استتبع قيام مصر بدور محورى فى احتواء الموقف والعودة لوقف إطلاق النار ومحاولة إعادة إعمار غزة.

مجمل القول بأن هناك وجهة نظر قوية بأن توالى الأزمات الإقليمية فرض نفسه على جدول الأعمال المصرى بشكل يصعب معه الحديث عن تحديد الأهداف القومية أو وضع الاستراتيجيات أو القيام بعمليات التخطيط. وبالمقابل يمكن ملاحظة جهود الدبلوماسية المصرية لتأطير تحركاتها Framing بوصفها تعكس أولويات الأمن القومى المصرى، أو باعتبارها جزءا من عملية استعادة دور مصر إقليميا ودوليا، أو كمسعى «لإعادة التوازن» وتأكيد «استقلالية القرار المصرى»، مع تفعيل لدبلوماسية التنمية والحرص على رعاية المصريين بالخارج وتوفير فرص مشاركتهم السياسية فى عمليات التصويت المتتالية. ولا شك أنه يمكن القول فى مجال الرد على هذا المنطق بأن أوقات الأزمات أيضا تتيح الفرصة لنقلات نوعية على مستوى الفكر الاستراتيجى، وأساليب المعالجة، والتحالفات الدولية.

ثالثا: أنماط التحالفات الإقليمية والدولية

على المستوى الإقليمى كان واضحا حرص القاهرة على التنسيق مع الرياض، ودول الخليج العربية (مع تأرجح العلاقة مع الدوحة بعد سقوط نظام الاخوان)، وهو ما انعكس فى اتخاذ معظم دول مجلس التعاون الخليجى موقف التأييد القوى لثورة 30 يونيه. وبالتوازى كان هناك اهتمام كبير بالسودان بمعيار عدد الزيارات الرئاسية والوزارية المتبادلة بين الطرفين. أما فى محيط الشرق أوسطى فقد تبدلت العلاقات مع كل من أنقرة وطهران بين قدر من الاقتراب فى فترة الاخوان، إلى تباعد بل تنافر فى حالة تركيا، صحبه دفء مصرى ــ يونانى ــ قبرصى، بينما يلاحظ أن إدارة العلاقات مع تل أبيب اتسمت بقدر كبير من البراجماتية فى ظل الأوضاع الامنية فى سيناء.

دوليا، انشغلت الدوبلوماسية المصرية بإدارة الازمات المتتابعة مع واشنطن (الهجوم على السفارة الامريكية بالقاهرة، مشكلة منظمات المجتمع المدنى، توتر العلاقة مع سفراء الولايات المتحدة، تجميد التعاون العسكرى والاقتصادى) حتى فرضت التطورات الداخلية والاقليمية نفسها على طرفى العلاقة بحيث عادت إليها بعض خصائصها المكتسبة خلال الاربعين عاما الماضية (الطابع العملى، الاتصالات الرئاسية، تدفقات المعونات، التوتر فى موضوعات حقوق الإنسان، والديمقراطية). غير أن النقلة فى العلاقات المصرية ــ الروسية تظل أهم تطور فى نمط علاقات مصر بالقوى الكبرى (زيارة رئيس جمهورية روسيا، مباحثات 2+2 فى القاهرة وموسكو، التوسع فى صفقات السلاح)، مع التسليم بأن العلاقات مع الصين أيضا شهدت دفعة جديدة مع تكثيف للزيارات ولمجالات التعاون وإعلان إقامة «العلاقات الاستراتيجية الشاملة».

رابعا: عملية صنع السياسات

عكست السنوات الأربع الماضية الكثير من عدم الاستقرار: توالى على الحكم أربعة نظم متباينة، بأربعة رؤساء للدولة، وست رؤساء وزارات، ومثلهم وزراء خارجية. ولاشك أن مؤسسة الخارجية تمكنت من الصمود والأداء وتحقيق قدر كبير من الاستمرارية فى ظل ظروف استثنائية. ونلاحظ استمرار الطابع الرئاسى فى إدارة السياسة الخارجية (مثلا قام الرئيس الاسبق مرسى بحوالى 20 رحلة خارجية خلال عام بينما قام الرئيس السيسى بإحدى عشرة زيارة خارجية خلال ثمانية أشهر)، كما يلاحظ استمرار تعزيز الآليات الرئاسية لإدارة العلاقات الخارجية عبر تعيين مستشارين للشئون الخارجية بالرئاسة فى عهد الإخوان أو تفعيل دور مجلس الأمن القومى حاليا. ولكننا ــ وفى نفس الوقت ــ نرصد إتساع مساحات الحوار العام حول السياسة الخارجية وخاصة فى المؤتمرات المتخصصة وعبر المنابر الاعلامية وإن كان إسهام الاحزاب السياسية لم يتبلور بعد.

•••

يمكننا أن نخلص إلى أن الخصائص الرئيسية للسياسة الخارجية المصرية لم تتغير كثيرا على مدى أربع سنوات شهدت خلالها مصر والمنطقة حالة من عدم الاستقرار الشديد، حيث تشكلت الاولويات ومسارات الحركة كرد فعل للتحديات والأزمات أكثر منها نتيجة لعملية تدبير سياسى هادئ. ولعل الوقت حان لإعادة قراءة خريطة التغيرات الإقليمية والدولية، ووضع تصورات لمستقبل مصر والمنطقة خلال السنوات العشرين المقبلة، ومعها يمكن تحديد منظومة المصالح والأهداف القومية ووسائل تحقيقها، مع إجراء اصلاح شامل لأجهزة الشئون الخارجية والمؤسسات الحزبية ومنظمات المجتمع المدنى المطالبة بلعب دور فى عملية صنع السياسة الخارجية.

التعليقات