صعود سياسة الإجراءات - ريم عبد الحليم - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صعود سياسة الإجراءات

نشر فى : الخميس 24 مارس 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 24 مارس 2016 - 10:46 م
عملت فى الفترة الماضية على إطلاق مخرجات المرحلة الأولى لمشروع «العدالة فى التخطيط»، بالتشارك مع مؤسسة تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة، ويقوم على تحليل العدالة المكانية على مستوى أدنى وحدة محلية فى القاهرة الكبرى.

من خلال هذا المشروع البحثى، وما سبقه من مشروعات وأوراق شرفت بتقديمها للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية وغيرها من المؤسسات، تبلور فى رأسى أهمية تصدر بعض القضايا للتناول الاقتصادى، فلابد من فتحها للوصول إلى تحليل اقتصادى تام ونافع، وحان الوقت لطرحها مع اطلاق استراتيجية 2030، والتعديل الوزراى الجديد، هى:

● القضايا المتعلقة بالشفافية وأهمية إتاحة بعض المعلومات الاقتصادية بشكل واضح كأولوية أولى؛ كضرورة اقتصادية للحد من الفساد وتحقق النفع من الإنفاق العام. من أهم هذه المعلومات المؤشرات المتعلقة بالتنفيذ الفعلى لمشروعات الخطة الاستثمارية وتوزيعها مكانيا، ونسبة المخصصات التى تُرَد من الاستثمارات والمشروعات لخزينة الدولة إن وُجِد، وأعداد الموظفين الحكوميين فى القطاعات المختلفة على مستوى أصغر وحدة محلية، وعلاقة إتاحة الموارد بمؤشرات التنمية. فحان الوقت لكى نعيد تعريف الاحتياج بشكل متكامل، تتعدد وتتكامل فيه المحاور المتعلقة بالحرمان على مستوى الفرد والحرمان على مستوى المكان، والمخاطر المرتبطة بالانتماء لأسرة بعينها وبمكان معين، وكذلك النقص الموجود فى قدرة كل فرد وكل مجتمع فى التعبير عن احتياجاته والرقابة على الخدمات العامة المتاحة له، بحيث نستطيع التحدث عن عقد اجتماعى قابل للحياة والعمل.

● القضايا المتعلقة بإدارة أصول الدولة، وإعادة النظر فى آليات تخصيص واتاحة عنصر الأرض، بعيدا عما يتم تناوله كثيرا من فساد عقود تخصيص الأراضى والأمر المباشر ــ على أهمية هذه الموضوعات ــ السؤال الاقتصادى الأهم هو كيف تحدث المضاربة وارتفاع الأسعار فى عنصر متوافر بكثرة وليس نادرا وهو الأرض فى الحالة المصرية، وما هى العلاقات والمصالح الاقتصادية المترابطة التى تستفيد من عدم تحرير سعر هذا العنصر؟

● القضايا المتعلقة بالأزمات الاقتصادية وتأثيرها على الالتزامات الاحتمالية للموازنة العامة للدولة، أى الالتزامات التى تتحمل الموازنة عبء ضرورة استيفائها وإن لم تظهر فى علاقات الإيرادات والمصروفات بشكل مباشر كالمعاشات وضمان الموازنة لبعض المؤسسات ومديونياتها.

● المحليات وأهمية التوازن بين ما يتاح لها من موارد والمهام الملقاة عليها والفصل مع التكامل الواضح فى أدوارها عن ومع أدوار السلطات التنفيذية الأخرى من وزارات وهيئات، ومدى خضوعها لنظام انتخابى حقيقى يعكس احتياجات المجتمع المحلى، بشكل يجعل من لومها على التقصير معنى.

تبدو هذه القضايا متناثرة، ولكنها متكاملة إلى حد بعيد، فمن خلالها يتم تعريف المصالح الاقتصادية وما تقود إليه من مخاطر مالية حال الخلل فى تقدير حدود كل طرف فيها، والإجابة على التساؤلات المتعلقة بلماذا يتم تغييب دور المواطن فى المعرفة؟ أو بصورة أدق، لماذا لا يحظى حق المواطن فى الرقابة على أولوية مع أن هذا الحق هو أساس عملية التنمية الاقتصادية.

●●●

لقد حرمنا التناول المتجزئ للقضايا الاقتصادية – على أهميته فى التحليل ــ من التناول الواقعى لمعوقات التنمية، فعاملنا قضية تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بل والتوسع فى الاستثمارات الكبرى بمعزل عن قضية عدالة السوق، وما يرتبط بها من حرمان بعض الأماكن من مخصصات كافية لتصبح جاذبة للاستثمارات، وتناولنا شفافية الموازنة بمعزل عن التشابك فى المخاطر المالية بين الجهاز الإدارى للدولة والهيئات الاقتصادية، وبين دور المجالس الشعبية المحلية فى تحديد الاحتياجات والرقابة على التنفيذ، والقدرة على تتبع الانفاق العام لمعرفة ما يبقى منه ليوجه بالفعل لوحدات تقديم الخدمات العامة، بعيدا عما تبتلعه غياهب البيروقراطية المصرية وقنواتها الطويلة ومخاطرها المالية المتشابكة.

بسبب التحليل المتجزئ وغياب الإدارة الاقتصادية المتكاملة تحول الواقع الاقتصادى إلى حد بعيد للإجرائية فى التنفيذ، وهو أخطر ما يمكن أن تتعرض له عملية التنمية.

فاستغرق البنك المركزى المصرى، واستغرقنا معه فى تحليل قدرته على إدارة الصراع مع سوق الصرف غير الرسمى، والانشغال عن تقييم دوره الأهم وهو الحد من التضخم، وما يتاح له من أدوات فى ظل تفاقم عبء مدفوعات الدين العام على خزانة الدولة.

وانعكست الاجرائية فى الفجوة المتزايدة بين الأرقام التى يتم تقديرها فى الموازنة العامة للدولة من إيرادات ضريبية وما يتم تحصيله بالفعل، وشهدنا التخبط فى إدارة الاستثمار، بين وعود لا تستطيع الدولة تنفيذها لغياب الموارد وحاجتها للاستثمار. ونتج عن الرؤية الاجرائية المحدودة تفاقم غير الرسمية فى العقارات والأراضى والأعمال والعملة الأجنبية كذلك.

مع تقديرى الشديد لحجم العبء والأزمة الحالية، إلا أنه لابد من وقفة واضحة لمراجعة السياسة الاقتصادية بشكل تتكامل فيه أدوار مؤسسات جمع البيانات مع احتياجات الجهات المنوط بها تعريف احتياجات المجتمع وقياسها، ثم تصب آليات تخصيص الموارد لتتواءم مع الاحتياجات، وتفعل فيه أدوار الرقابة الشعبية على المستوى المحلى، فتناقش الموازنة العامة للدولة بالفعل فى المجالس المحلية وليس فقط «تقر» جزئيا بها.

حان الوقت لتناول الموازنة العامة بشكل يتم فيه تحليل المخاطر المالية بشكل واضح مع وضع تصورات لمواجهتها بشكل حقيقى، يطرح فيه إدارة أصول الدولة ومديونيتها كذلك بشكل يسهم فى توفير الموارد والحد من ارتفاع الأسعار وعبء الفوائد. حان الوقت لتحويل أهداف التنمية لفكر اقتصادى متكامل بعيدا عن الاجراءات.
ريم عبد الحليم أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة باحثة متخصصة في شؤون الفقر
التعليقات