القاهرة نيويورك .. رسائل أخرى - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 12:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القاهرة نيويورك .. رسائل أخرى

نشر فى : الأربعاء 24 سبتمبر 2014 - 9:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 سبتمبر 2014 - 9:30 ص

قبل أن يصل إلى نيويورك استبقته رسالة عنيفة من محيط وزارة الخارجية أصواتها روعت مواطنين وتفجيراتها أراقت دما.

التساؤلات لاحقت التفجيرات عن حقيقة الرسالة فى توقيتها.

الاستنتاج الأول أنها استهدفت إرباك مهمته فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التى تكاد تتلخص أعمالها فى بند واحد «الحرب على داعش» بإثبات أن الوضع فى مصر غير مستقر وأن نظامها الجديد غير قادر على تأمين بلاده فى بداية عام دراسى جديد.

لموضع التفجيرات رمزيته.. وهو مقصود بتوقيته:

غير أن هناك استنتاجا ثانيا طرح نفسه بقوة على مسرح الحادث الدموى مع تكشف أن أحد ضابطى الشرطة اللذين استشهدا فيه هو شاهد إثبات رئيسى فى قضية الهروب من سجن وادى النطرون المتهم فيها «محمد مرسى» وقيادات أخرى من جماعة الإخوان المسلمين.

لم يكن المقدم «محمد أبو سريع» أول شاهد إثبات فى هذه القضية تستهدف حياته، فقد سبقه ضابطان آخران إلى ذات المصير، وهذا يؤكد مدى الإهمال الأمنى الجسيم فى التأمين والحماية.

بحسب شهود عيان فإن كثيرين بمحيط وزارة الخارجية كانوا على علم تام بأن ضابط الحراسة هو نفسه الشاهد الرئيسى.

لم يكن هناك سر على أحد واحتمال الاهمال أكبر من افتراض الاختراق، وفى الحالتين فإننا أمام مأساة فى مستوى الأداء الأمنى يستدعى مراجعة شاملة وحسابا عسيرا.

العملية بتفاصيلها تعد استنساخا لعمليات أخرى وضعت فيها العبوات الناسفة فوق الأشجار لتُفجر عن بعد بينما كمائن الشرطة تحتها.

ما بين الاستنتاجين سؤال ملح:

هل كان مقصودا إرباك زيارة نيويورك واستخدامها فى الوقت نفسه لإخفاء معالم جريمة تشى بأصحابها، فالتخلص من شاهد إثبات فى قضية تدخل فى دائرة اتهاماتها أطراف إقليمية يدمغ الجماعة بالعنف والإرهاب بينما هى تعرض نفسها على العالم كقوة ديمقراطية أطاحها انقلاب عسكرى؟!

تزامنت التفجيرات من فوق الأشجار فى محيط الخارجية وعلى قضبان السكك الحديدية بمحافظة الشرقية وفى أماكن متفرقة من محافظة الغربية.

لا توجد أية مصادفة فى تحديد الأهداف وتوقيتها والرسائل وفحواها ولا فى استهداف حياة شاهد إثبات فى قضية مزعجة.

المثير أنه فى مساء اليوم السابق أذاعت وكالة «اسوشيتدبرس» الأمريكية حوارا استبق زيارته لنيويورك دعا فيه إلى إدماج أعضاء الجماعة غير المتورطين فى العنف بالعملية السياسية.

يصعب القول أن التفجيرات المتزامنة قبل زيارته لنيويورك استهدفت نقض رسائله أو الرد عليها، فالعمليات استغرقت وقتا فى الإعداد والتجهيز قبل تنفيذها.

من المؤكد فإن تداعياتها السياسية تقوض أية فرصة محتملة فى أى مدى منظور للبحث عن منفذ سياسى وتفضى بالوقت نفسه إلى نزع جديد لأية غطاءات دولية تراهن عليها.

صدى التفجيرات وصل إلى قاعات الأمم المتحدة وفى حوارات الغرف المغلقة.

حججه استكملت صدقيتها وأية ضغوط دولية مفترضة فى دمج الجماعة سوف تتراجع لاعتبارات متعددة أكثرها خطورة تورطها فى الإرهاب فضلا عن أن مصالح الدول الكبرى تتعاطى مع الحقائق قبل أى شيء آخر.

المصالحة تقوضت بسبب افتقاد أنصار الجماعة لأية صدقية فى الالتزام بالقواعد الديمقراطية ونبذ العنف والفكرة نفسها تستدعى قبول المجتمع قبل الدولة.

القضية ليست أن يبادر هو أو لا يبادر بالبحث عن منفذ سياسى بقدر ما تتوقف على تصرفات الجماعة نفسها.

قدرة الجماعة على الحشد والتعبئة تراجعت على نحو فادح تحت تأثير الضربات الأمنية المتلاحقة وافتقاد أى ظهير شعبى باتساع كراهيتها فى مجتمعها.

الاستهداف المنهجى لضباط الجيش والشرطة يضع على الأبواب مغاليقها.

ليس بوسعه، لا هو ولا غيره، أن يغض الطرف عن الروح العامة فى مؤسسات القوة.

ولا يملك على أى نحو أن يبادر فى اتجاه لا يتقبله الرأى العام بأغلبية واضحة.

الجماعة فقدت عقلها وتفتقد بفداحة إلى أية رؤية متماسكة لمستقبلها الذى بات فى مهب الرياح.

تبدو شبه عاجزة عن قراءة الرسائل حولها وتستغرقها التوهمات السياسية والعبارات الخارجة على شبكة التواصل الاجتماعى.

التغيير النسبى فى الموقفين الأمريكى والأوروبى رسالة أولى، الاحتفاء الملحوظ بالرئيس المصرى فى نيويورك من أطراف دولية وإقليمية عديدة وخطابه فى «قمة المناخ» باسم المجموعة العربية رسالة ثانية، والميل التركى المفاجئ لتخفيض مستوى التوتر فى العلاقات مع مصر بعد إقدام قطر تحت الضغط الخليجى على طرد قيادات بارزة من الجماعة رسالة ثالثة.

المعنى أنها دخلت فى تراجع مضطرد والمضى فى طريق العنف رغم الإعلان غير المقنع عن أنها تنبذه هو ذاته طريق النهاية.

مصر تتغير.. وبتعبير مراسل «لوموند» الفرنسية الإيطالى والمصرى معا «الكسندر بوتشانتى» فإن مؤشرها يرتفع لأعلى ببطء شديد لكنه لم يعد يتراجع، والمعنى أن نظامها الجديد يكتسب شرعيته وسط مواطنيه من قدرته على وقف التدهور بينما الجماعة تحرض بكل السبل على الانهيار.

البحث عن منفذ سياسى لا مفر منه إن لم يكن اليوم فغدا.. وهو حديث فى القواعد الدستورية التى لا تقبل بتنظيم سرى له ذراع سياسية ولا خلط بين الدينى المقدس والسياسى المتغير غير أن العودة إلى الوراء مستحيلة أيا كانت أخطاء الحاضر.

بينما مصر تتغير إيجابيا بشيء من التعثر تتغير منطقتها من يوم لآخر ويرتفع منسوب الفوضى فيها إلى درجات تهدد بزوال دولها الوطنية.

من سوريا والعراق إلى ليبيا واليمن تشتعل النيران.. لبنان مهدد والأردن قلق والخليج تداهمه النيران على ضفته العراقية وفى جواره اليمنى.

بصورة دراماتيكية سقطت العاصمة اليمنية صنعاء تحت قبضة الحوثيين، ورغم انهيار الجيش والمؤسسات الأمنية والحكومية بصورة تكشف هشاشتها وأنه لم تكن هناك دولة فإن البقاء بالسلطة فوق طاقة تنظيم مذهبى تسلح وتدرب على يد خبراء إيرانيين بينما كان الجيش يتآكل تحت وطأة فساد ما تبقى من نظام «على عبدالله صالح».

أكثر السيناريوهات ترجيحا الآن الدخول إلى حرب أهلية بوكالات إقليمية طويلة ومهلكة لا إيران سوف تستقر ولا السعودية سوف تصمت ولا اللاعبون الدوليون الكبار سوف يقبلون.

وفى المنازعات المذهبية والقبلية مشروع تمدد مؤكد لتنظيم القاعدة على الاطلال اليمنية.

وهو ينظر إلى منطقته المشتعلة بالنيران من فوق منصة الأمم المتحدة فلابد أن يكون واضحا وصريحا فى تأكيد فشل «الاستراتيجية الأمريكية» ورهاناتها على مواجهة «داعش» بالسيناريوهين الصومالى واليمنى على ما وعد «أوباما».

الكلام الأمريكى عشوائى وربما مقصود لتدمير العالم العربى لا مواجهة «داعش»، فقد دمر الصومال كلية واليمن يلحقه إلى المصير نفسه.

ما يحتاجه أن ينظر فى التحديات التى تحاصر بلده بما يحفظ سلامته ويساعد عالمه العربى على خفض كلفة النيران.

هذا موضوع حوار جدى موضعه هنا فى القاهرة لا نيويورك حتى نؤسس لاستراتيجية وطنية تكافح الإرهاب وتصون التماسك الاجتماعى وتحفظ التطلع إلى دولة ديمقراطية حديثة وفق قواعد دستورية لا تراجع عنها.