عماد حمدى.. المشهد الأول والأخير - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 6:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عماد حمدى.. المشهد الأول والأخير

نشر فى : الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 10:41 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 10:41 ص

 النجم الكبير، عماد حمدى «24/11/1909 ــ 28/1/1984، قدم أكثر من مائتى فيلم، وعمل مع أجيال متوالية من المخرجين، وأضحت عشرات من أفلامه فى مقدمة كلاسيكيات السينما المصرية وعيونها، لكن ثمة مفارقة جديرة بالتأمل، تتعلق بالعلاقة القوية، عميقة المعنى، بين أول سطوع له، على الشاشة، فى «السوق السوداء ــ لكامل التلمسانى 1945، «وآخر ظهور له، فى «سواق الأتوبيس ــ لعاطف الطيب 1983».. والطيب، ينتمى لذات المدرسة التى أرسى دعائمها التلمسانى، مع كمال سليم وصلاح أبوسيف وعاطف سالم وآخرين، وهى المدرسة الواقعية التى ترى الواقع ولا تكتفى بتصويره، والتى تبين القوانين المسببة للظاهرة التى يتعرض لها الفيلم.

كامل التلمسانى، بحث طويلا عن بطل من نوع جديد، لا يعتمد على جمال الوجه ونعومة الشعر وسحر التقاطيع، ولكن يتميز بوضوح شخصيته وقوة روحه وتطابق ملامحه ملامح ملايين الرجال العاديين، فمشكلة بطل «السوق السوداء» تتجاوز حدوتة العاشق الولهان، الذى يضنيه عشق فتاة تقف العقبات بينهما، البطل هنا صاحب قضية عامة، تتعلق بالوقوف فى وجه تجار السوق السوداء، الذين امتصوا دماء الشعب، بلا رحمة، خلال الحرب العالمية الثانية.. وجد التلمسانى ضالته فى عماد حمدى، بوجهه المتسم بمسحة عناء، كانت ولا تزال سمة لأبناء الطبقة الوسطى. هنا، يحاول «حامد» ــ عماد حمدى أن يبث الوعى فى عقول أهل الحارة، وأن يجعلهم يدركون أن المجاعة ليست قدرا، ولكنها من صنع الأوغاد والسفلة ومن ماتت ضمائرهم.

لاحقا، على مدار ما يقرب من الأربعة عقود، يتألق عماد حمدى، ويصل إلى أعلى مستوياته، حين يجسد متاعب وآمال «الأفندية»، رجال الطبقة الوسطى، سواء كانوا موظفين يتم الاستغناء عنهم كما فى «حياة أو موت» لكمال الشيخ 1954، أو ضابط صغير بترت ذراعه فى حرب 1948، كما فى «الله معنا» لأحمد بدرخان، أو الابن الأكبر، الذى يضحى من أجل أسرته، فى «خان الخليلى» لعاطف سالم 1966، أو المتورط ماليا بسبب تكاليف زواج ابنته فى «أم العروسة» لعاطف سالم 1962، أو الموظف الفاشل، السارح فى غيبوبة الدخان الأزرق «ثرثرة فوق النيل» لحسين كمال 1972، وهذا على سبيل الأمثلة وليس الحصر.

القوس المفتوح بالعناء والأمل، فى «السوق السوداء»، يغلق بالحزن والألم فى «سواق الأتوبيس». هنا «سلطان» ــ عماد حمدى طبعا ــ الذى لم يمارس طوال حياته إلا العمل، الجاد والدءوب، نجح فى بناء ورشة خشب، وبسبب الانفتاح، وجنون الاستيراد، بدأت الورشة تتعثر.. يحاول الابن «حسن»« بأداء نور الشريف، أن ينقذ الموقف بجولة عند إخواته الميسورى الحال، بلا جدوى. وفى مشهد قوى، من دون كلام، وبنظرة واحدة، بين الرجل الجميل، العجوز، عماد حمدى، وابنه الشاب، المتفهم بعمق للموقف، نور الشريف، يدرك الأب ما حدث فيحل الأسى، فى عينيه، مكان القلق والترقب.. وها هو، عماد حمدى، يجر قدميه منسحبا من الصالة، ذات الأثاث المتواضع، ويدخل إلى حجرته. يتمدد على فراشه طالبا من زوجته أن تغلق النافذة، ويرحل إلى الأبد.. وتبقى صورته فى الضمير، وعلى الشاشة.. إلى ما شاء الله.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات