عندما يكون المقال جملة والباقى «تلقائيا» - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 12:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما يكون المقال جملة والباقى «تلقائيا»

نشر فى : الجمعة 24 ديسمبر 2021 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 24 ديسمبر 2021 - 8:10 م

 

يتميز العصر الحالى بعلو شأن الذكاء الاصطناعى وتوغله فى مختلف مناحى الحياة، بطريقة لم تكن متصورة على هذا النحو منذ سنوات قليلة. انتشرت التطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعى فى حياتنا بدرجة كبيرة، حتى أصبحت أمرا مسلما به، يستخدمها معظم الناس بطريقة تلقائية. وهو ما لفت انتباه مفكر وسياسى مخضرم يتميز بحس تاريخى نادر، وهو هنرى كيسنجر، مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق. يقول كيسنجر، إنه فى الاجتماع السنوى لمجموعة البلدربيرج عام 2016، تنبه للعرض الذى تناول موضوع الذكاء الاصطناعى وأثار العديد من الأسئلة فى مخيلته، وكلها أسئلة تدور حول مدى استعداد البشر لمثل هذا التقدم التكنولوجى الهائل الذى يتميز بالسرعة الفائقة. وأخذ كيسنجر على عاتقه مهمة تحليل بعض الأثر الذى يحدثه الذكاء الاصطناعى. استعان كيسنجر بصديقين لإتمام المهمة، أحدهما من مجموعة البلدربيرج، وهو إريك شميدت، الذى كان يشغل وقتها منصب الرئيس التنفيذى لشركة جوجل، والثانى من خارجها وهو دانيال هوتنلشر، عميد كلية إم آى تى شوارزمان للحوسبة، وهى من أعرق الجامعات الأمريكية وذات صيت عالمى فى مجال الحوسبة. ونتج عن جهود الثلاثة كتاب «عصر الذكاء الاصطناعى» صدر فى نوفمبر 2021. ولا يتناول هذا المقال الكتاب وتفاصيله بقدر تناوله للفكرة التى دفعت لإصداره، ثم سؤال عن جانب مما جاء فى الكتاب.

•••
يطرح كيسنجر وجهة نظره عن الفكرة، بأن أثر الذكاء الاصطناعى فى حياتنا والنقلة النوعية التى يحدثها أشبه ما يكون بالنقلة النوعية التى أحدثها عصر التنوير عما سبقه من عصور. فلقد كانت ثورة التنوير فى الغرب هى خروج عن سلطة الكنيسة وعصر الإيمان، أو انتقال من الدين إلى العقل ــ وكأنهما متعارضان ــ واتسمت تلك الفترة بعملية مراجعة فكرية عميقة، واختبار لكل المسلمات، اعتمادا على التجارب العلمية. وساهمت أعمال رواد التنوير أمثال جاليليو فى ترسيخ فكرة محورية بأن العالم الحقيقى مختلف عن العالم الذى يروج له الإيمان. وكانت فكرة الانتقال من مركزية الأرض للكون، إلى كروية الأرض ودورانها حول الشمس، فكرة زلزلت الكثير من عقائد الناس. والآن بعد خمسة قرون على ثورة التنوير، وطبقا لما يطرحه كيسنجر، فإن العصر الذى نحيا فيه لا يسوده فلسفة معينة تحكم تصورات الناس والمجتمعات مثلما كان الحال فى العصور السابقة، ولكن يسوده تطور تكنولوجى جامح يخلو من فلسفة تستوعبه. وساهم غياب المفكرين الذين يستطيعون استيعاب أثر التكنولوجيا المتوغل فى تأخر إدراك الناس والمجتمعات لمعنى النقلة النوعية التى تحدث فى الحياة الآن بسرعة فائقة. لذلك يطرح كيسنجر وجهة نظر بأننا على أعتاب نقلة جديدة على غرار عصر التنوير، ولكنها من العقل إلى البرمجيات، والتى تعتمد على المبرمجين الذين يطورون البرمجيات واللوغاريتمات دون أن نعرف عن فلسفتهم إلا القليل.
لكن ما الجديد الذى يقدمه الكتاب؟ درس المؤلفون النطاق الكامل لتقنيات الذكاء الاصطناعى ــ من أنظمة الرؤية الحاسوبية إلى معالجة اللغة الطبيعية ــ وكتبوا عنها بطريقة تجذب كلا من الخبراء والأشخاص العاديين. وأحد الجوانب الأكثر إلهامًا فى هذا الكتاب هو نطاقه. حيث يتعمق المؤلفون فى إمكانات الذكاء الاصطناعى فى جميع مجالات الأعمال البشرية. ويصفون تأثير الذكاء الاصطناعى على الرعاية الصحية، والاقتصاد، والجغرافيا السياسية، والقانون، والتنمية الحضرية، والحوكمة، والصحافة، والجيش، وحتى علوم الحياة. ولم يخشَ المؤلفون استكشاف الجانب المظلم من الذكاء الاصطناعى أيضًا. إنهم على دراية بالطرق التى يمكن للذكاء الاصطناعى من خلالها تمكين الديكتاتوريين من مراقبة مواطنيهم والتلاعب بالمعلومات لتحريض الناس على انتهاج وتبنى العنف. وبالرغم من دور الذكاء الاصطناعى فى جعل حياتنا أفضل فى نواحٍ عديدة، إلا أن كيسنجر وشميدت وهوتنلشر يحذرون من أن الأمر سيستغرق منا سنوات عديدة لإنشاء تطبيقات جيدة بالقدر الذى نستحقه. كما يقترحون ألا نغفل عن القيم التى نريد غرسها فى برمجة هذا الذكاء الاصطناعى الجديد.
•••
وإليك المفاجأة، الإجابة السابقة بالكامل لم يكتبها أى شخص، ولكن كتبها برنامج كومبيوتر يعمل بنظام الذكاء الاصطناعى، ويمكن لأى شخص استعمال ذلك البرنامج واسمه سيدو ــ رايت (Sudowrite)، المتوافر على شبكة الإنترنت. أما كيف ولماذا كتب البرنامج تلخيصا عن الكتاب، فإلينا القصة. كيفين روز، كاتب العمود المتخصص فى التكنولوجيا فى جريدة النيويورك تايمز، كان يريد كتابة ملخص للكتاب وطرحه على القراء. واهتدى إلى فكرة استعمال أحد مواقع الذكاء الاصطناعى التى تحدث عنها كتاب كيسنجر، والذى يقوم بعمل ملخصات للكتب. وللحصول على الملخص، ما على الكاتب سوى أن يبدأ المقال بفقرة قصيرة، ثم يوكل باقى العمل للبرنامج. وسيقوم البرنامج بفهم طريقة الكاتب واستنساخها، باستخدام كل ما تعلمه عبر استيعاب ملايين الأمثلة من كتابات الآخرين. ويقوم بذلك بمساعدة كمبيوتر عملاق يحتوى على حوالى 285 ألف معالج للحوسبة، وشبكة تصنف بين أقوى شبكات الذكاء الاصطناعى فى العالم. والمفاجأة الثانية، أن هذه الفقرة التى تقرأها الآن منقولة من مقال الكاتب روز من النيويورك تايمز وكل ما فعلته هو ترجمتها عن طريق برنامج «جوجل المترجم». فهل تتصور عزيزى القارئ أن يأتى يوم تقرأ فيه مقالات يكتبها برنامج كومبيوتر فقط؟
باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات