حاجة النظام المصرى إلى معارضة - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 9:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حاجة النظام المصرى إلى معارضة

نشر فى : الخميس 25 مايو 2017 - 10:40 م | آخر تحديث : الخميس 25 مايو 2017 - 10:40 م
بمجرد اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية مع حلول العام الأخير فى الولاية الرئاسية الحالية، وبدء النقاش والجدل حول فكرة تقديم مرشح جديد لخوض الانتخابات، بدأت حملة إعلامية مكثفة تستهدف كل مرشح محتمل للرئاسة، رغم أنه لا يوجد شخص واحد قد أعلن حتى الآن عن نيته للترشح؛ فهذا يتم اتهامه بالخلل والمرض النفسى وهذا يتم اتهامه بالعمالة للإخوان وهذا يتم اتهامه بأنه مرشح الفوضى وعميل الغرب!
فاصل من العبث رافقته حملة اعتقالات طالت عددا غير قليل من الشباب فى عدة محافظات مصرية بتهم التحريض والتعبير عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعى، ليشكل ذلك فى مجموعه مؤشرا سلبيا مبكرا حول المناخ الذى قد يصاحب هذه الانتخابات، رغم أن هناك أصواتا بدأت فى الحديث حول ضرورة المشاركة فى هذه الانتخابات والتعامل معها بجدية حتى وإن كانت تبدو محسومة النتائج من البداية بسبب المناخ السائد والظروف السياسية البالغة السوء، إلا أن ما حدث ينسف آمال هؤلاء من البداية ويجعل موقفهم ضعيفا فى إقناع غيرهم بالمشاركة والتفاعل مع الحدث بشكل عام.
يتخيل المرء المشهد الانتخابى دون مرشحين منافسين؛ حيث ربما يتحول إلى استفتاء حينها وليس انتخابات تنافسية بين عدة مرشحين، لذلك من صالح السلطة أن يظهر عدد من المرشحين حتى يكتمل المشهد الانتخابى، لكن يبدو أن السلطة لا تروق لها أصلا هذه الفكرة التى قد تكلفها فتح المجال العام المغلق تماما حيث ستضطر لفتحه ــ ولو بحدود ــ لبعض الوقت ــ حتى يتشكل مشهد صراع وتنافس انتخابى أمام الداخل والخارج.
***
كلفة فتح المجال العام قد تكون كبيرة وباهظة الثمن فى ظل التردى الاقتصادى والانكماش والغلاء المتصاعد، فالغاضبون قد لا يكون غضبهم لأسباب سياسية بقدر ما يكون الغضب ناتجا عن إحباط وفقر وعوز وقلة حيلة، وهذا ما تدركه السلطة التى تخشى من تراكم الغضب ووجود ما يؤججه من أسباب حقيقية لا مناص من الاعتراف بها ليتحول المشهد الانتخابى إلى مشهد احتجاجى ضخم لا تريد السلطة حدوثه بأى ثمن، لذلك يبدو من المضحك الحديث عن استغلال الانتخابات الرئاسية لبناء تنظيمات سياسية وحركات شعبية تعيد التوازن للمشهد السياسى المختل الذى تحتل فيه السلطة الشاشة بمفردها.
السلطة فى مأزق لأنها لا بد من أن تكمل المشهد الانتخابى لكنها تخشى عاقبة ذلك، والمعارضة أيضا فى مأزق لأنها محبوسة فى مقراتها ومكبلة خطواتها، ويتم مبكرا مطاردة الفاعلين فيها الذين يُحتمل أن يكون لهم دور فى العمل الميدانى فى حملات انتخابية لمرشحين معارضين، وهذا يأخذنا إلى مسارين لا ثالث لهما:
الأول: أن تحدث مقاطعة كاملة من القوى الديمقراطية للانتخابات الرئاسية بسبب غياب ضمانات التكافؤ وعدالة التنافس وانعدام فرص بناء تنظيمات سياسية حقيقية على الأرض، مما يجعل المشاركة بلا فائدة بل مدعاة لغضب الجماهير المؤيدة لأفكار هذه القوى.
الثانى: أن تتجاهل السلطة كل الكلاسيكيات المعروفة للأنظمة الحاكمة التى تشبهها وتتخطى كل ذلك بصناعة مرشح مصنوع من داخل دولابها ومؤسساتها وتدير ظهرها للمعارضة بشكل كامل لتؤكد أنها حتى لا تحتاج لهذه المعارضة ولا تشغل بها بالا.
***
بين هذه السيناريوهات يقف رجل الشارع البسيط غير مكترث بما يحدث سياسيا، لكن المعيار الذى يقيس به موقفه المؤيد أو المعارض لأى طرف هو ظروفه الاقتصادية ومعاناته المتفاقمة يوما بعد يوم والتى لا يبدو فى الأفق القريب أن هناك أى أمل لحلها.
صوت الاقتصاد سيسبق صوت السياسة والربط بين ما هو سياسى وما هو اقتصادى سيحدث رغما عن الجميع، هل تستطيع السلطة إخراج مصر من كبوتها الاقتصادية؟ هل تستطيع إشعار المواطن أنها قد حسنت من ظروف حياته وقللت معاناته؟ هل تستطيع المعارضة تجميع نفسها فى تيار ديمقراطى حقيقى يعرض على الناس ــ متحديا ظروف المنع والحظر ــ رؤية واضحة للنهوض بالبلاد؟ هل يكسر أحد طرفى المعادلة جمودها وتصلبها بفعل غير متوقع؟
كل المؤشرات تشير إلى أن استمرار المعادلة الحالية يستحيل عمليا، ولا بد من فعل جديد، كم الأخطاء وسوء التقديرات من القوى الديمقراطية فى مصر يجب أن يصنع تراكما من الخبرات الايجابية فى التعامل مع حالة الانسداد السياسى.
كل انسداد يعقبه انفراج بغض النظر عن آلياته وأشكاله المختلفة، المأساة الكبرى أن يهدر الجميع الفرصة لنكمل السير إلى نهاية الطريق الذى لا تبشر معالمه بالخير ولا الاستقرار، نزع فتيل الانفجار العشوائى يكون بتفريغ الغضب عبر مواجهة الواقع والإقرار بالإخفاقات والتخلى عن العناد والمكابرة.
ليس معقولا أن يصرخ الناس كل يوم من المعاناة بينما هناك من ينكر عليهم ذلك ويراهم مرفهين ومستهترين لا يقدرون مصلحة البلاد، كتائب الإعلام الموالى ولجانه لن تستطيع تغيير الواقع الذى يعيشه الناس على الأرض، ومهما تم توظيف الاعلام للتخدير أو الإلهاء أو تزييف الحقائق فالناس لن يمكن السيطرة على عقولها مرة أخرى فضلا عن تسكين أوجاعهم بمعسول الكلام وأنهار الوعود.
العزوف عن المشاركة السياسية لملايين المصريين ليس معناه تأييد السلطة، بل هو مزيج من الإحباط واليأس والغضب، هناك أنظمة إذا لم تجد معارضة تخلقها وهناك أنظمة تخنق كل شىء وتنفرد بالمشهد، لكنها فى النهاية إن لم تجد ظهيرا حقيقيا فقد قضت على كل شىء.
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات