التوقعات - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التوقعات

نشر فى : السبت 25 يوليه 2009 - 8:49 م | آخر تحديث : السبت 25 يوليه 2009 - 8:49 م

 سألتنى صحفية صديقة بمناسبة صدور روايتى «سفينة نوح» هذا الأسبوع: بعد النجاح الذى حققه كتابك «تاكسى» ما هى توقعاتك لروايتك «سفينة نوح». فأجبتها أنه ليس لدى أى توقعات. فسألتنى: هل هذا معقول ألا تكون لديك توقعات بخصوص عمل تكتب فيه لمدة تعدت العامين؟ وسمعت نبرة الشك تطل من جرس صوتها. لم أقل لها أننى كافحت لسنوات طويلة مع نفسى من أجل منعها تماما من الغوص فى بحور التوقعات. أدرك خطورتها وأعلم ما فى أعماق هذا البحر من كوارث حقيقية تهدد دائما هناءنا وسعادتنا. وأثناء كفاحى هذا، أواجَه دائما ــ خاصة من أبنائى ــ بتساؤلات لا تنتهى حول توقعاتى إزاء كل ما نعيشه من أحداث. بعد خروجنا من مشاهدة عرض فيلم سينمائى يأتينى السؤال وما زلنا داخل دار العرض:

هل خابت توقعاتك أم أن الفيلم تخطى ما كنت تتوقعه؟ كيف يمكن أن نفسد علينا مشاهدة فيلم أو قراءة رواية بسجنها داخل تصوراتنا المسبقة. ورغم ثبات إجابتى ــ حتى إنهم باتوا يسخرون من هذا التكرار أنه لم يكن لدى أى توقعات - إلا أن السؤال يتكرر دائما وأبدا. بعد رحلة إلى مدينة أزورها لأول مرة، ينهمر نفس السؤال على رأسى من كل سماء. وعندما أجيب أننى لم أكن قبل زيارتى للمدينة أتوقع شيئا بعينه.

أنال ريبة السائل فى كونى سليم العقل. فكيف نمنع عقلنا أن يتوقع؟ يدخل البشر فى علاقات عاطفية وتبدأ التوقعات المتبادلة بكمية ما سوف نحصل عليه من عواطف من الطرف الآخر، وبما سوف يفعله لنا الحبيب وما سوف يقدمه وهل سيفعل لنا هذا أم ذاك؟ توقعات عن التغييرات التى سوف نحدثها فى شخصيته لتتواءم مع توقعاتنا. ويبدأ كل طرف فى نسج توقعات تتشابك يوما بعد يوم فى تركيب يتخطى فى تعقيده شبكة العنكبوت حول سلوك الطرف الآخر حياله. وتبدأ الإحباطات وتتوالى لهدم أى مشاعر سعادة تحتضن روحنا، لهدم علاقاتنا الإنسانية على أساس مشاعر تفاؤلية بما سوف يفعله لنا هذا الحبيب أو الصديق. منذ سنوات طويلة سألتنى أختى: هل تضايقت لأننى لم أحضر لك ككل عام هدية لعيد ميلادك؟
فأجبت أننى لم أكن أتوقع الحصول على أى هدية وبالتالى لم أتضايق على الإطلاق. لم تصدقنى، فكيف لا أتوقع حصولى على شئ يحدث كل عام فى وتيرة ثابتة، وبدأت هى فى الاعتذار وتقديم المبررات. فبدأت أنا أشرح لها أننى بالفعل لم أفكر للحظة فى هذا الأمر، وأننى لم أتوقع حصولى على هدية. كما أننى لا أتوقع أيضا من الحياة أى هدايا. أفرح دائما بما تمنحنى إياه الدنيا. قليل أم كثير أم منعدم. أفرح والسعادة تغمرنى لأننى لم أتوقع فى الأصل أى شئ. شاهدت بعينى صداقات هدمت وعلاقات زوجية تم تشويهها لأن كل طرف بنى هذه الصداقة أو هذا الحب على شبكة توقعات حلزونية من الطرف الآخر. كيف نعمل على منع أنفسنا من الغوص داخل هذا البحر الهائج؟ كيف نعمل على الاكتفاء بما يقدمه لنا البشر أجمعين من تلقاء أنفسهم دون أن نثقل عليهم بضغط توقعاتنا؟ أرسل صديق لى رسالة إلكترونية يسألنى عن أحوالى؟

كنت طريح الفراش فلم أرد على سؤاله؟ فوجدته أرسل لى رسالة جديدة يطمئننى على أحواله هو ولم يشر من قريب أو من بعيد إلى عدم ردى عليه. لم أرد عليه أيضا. فأرسل لى رسالة أخرى يحكى لى فيها عن موضوع مهم. ثم تبعها برسالة جديدة تحمل الكثير من الود ومشاعر الصداقة الحقيقية. وعندما تماثلت إلى الشفاء قمت بالرد على رسائله واعتذرت عن التأخير. لم يشعرنى لوهلة أننى مقصر فى حقه. كان متفهما تماما أننى ولاشك أمتلك من المبررات التى منعتنى من الرد على رسائله. هذا التفهم أراحنى كثيرا فهو لم يكن يتوقع منى شيئا. علينا جميعنا أن نكون مثل هذا الصديق. نفكر جيدا قبل أن نسقط فى وحل هذا البحر.

أن ندرب أنفسنا على عدم التوقع لهو من أصعب الأشياء. إنه جهاد قاس ومتصل ومضنى. لكن من نجحوا يعرفون جيدا أن الطعم الرائع لمنطقة الرضا التى نصل إليها تستحق العناء.

خالد الخميسي  كاتب مصري