السيدة الثانية - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 8:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السيدة الثانية

نشر فى : الجمعة 25 ديسمبر 2015 - 10:30 م | آخر تحديث : الجمعة 25 ديسمبر 2015 - 10:30 م
الأجواء فى بيروت تجمع بين الضيق والفرح.. الأسابيع تمر دون أن يأتى السياح. المقاهى والمطاعم خاوية، البضاعة فى محال جميلة، مغرية، لكن المشاهدين أكبر عددا من المشترين، القلق تضاعف عقب مقتل البطل سمير قنطار.. فى ذات الوقت، أشجار أعياد الميلاد، بإضاءتها الخلابة، تزين الميادين. أناقة الملابس، مع أحدث الأزياء تتوافر بسخاء عند الأطفال والعواجيز والشباب، ناهيك عن النساء عموما والشابات خاصة.
وسط هذه الأجواء يعرض أحدث أفلام السينما اللبنانية، الذى يجمع بين الحزن والفرح، بمزيج من السخرية والصرامة، فى إطار من الكوميديا الرقيقة، لا تخلو من دموع، مغلفا بشىء من الفانتازيا، أو الخيال الجامح.
لبنان، بلا رئيس للجمهورية، منذ عدة سنوات. قطاعات واسعة من الشعب تعانى من البطالة، التهميش، الفقر، كما هو الحال فى بلادنا العربية. إنه الواقع القاسى الذى انطلقت منه كاتبة السيناريو، كلوديا مارشليان، لتطرح فرضيتين: وجود رئيس جمهورية، وصل لسدة الحكم حالا.. ووصول خطاب تعيين لاثنين من الشباب، خطيب وخطيبة، بعد عنائهما الطويل فى البحث عن عمل.
يبدأ الفيلم فى إحدى الحارات المنسية بالعاصمة. نماذج بشرية متعددة، متنوعة، منها العجوز، صاحب دكان الخضروات الصغير، الأصلع، الذى تسقط على رأسه سلة تدليها إحدى سيدات البناية، كى يضع بداخلها ما تريده، وثمة المرأة المهيأة للشجار، الجالسة فى الشرفة، والشابة الحزينة، القلقة، مع وليدتها التى جاءت سفاحا، وأطلقت عليها اسما محرجا، هو بيروت!
المشاهد تتسم بالحيوية، مع توزيع جيد للإضاءة، بفضل المصور المتميز، بشير الحاج.. البطلة، دهب، التى تجسدها بمهارة «مارى غصن»، المنطلقة على سجيتها، ذات الوجه الصبوح، تكاد تطير فرحا حين تعلم أنها وخطيبها رضا «باسم مغنية»، سيعملان فى القصر الجمهورى.. وظيفتهم، تناولهما الطعام الذى سيأكل منه الرئيس وزوجته، للتأكد من صلاحيته، وخلوه من السم.
داخل القصر الجمهورى يطالعنا الرئيس الذى لا اسم له، بأداء مقتصد ورصين من «جوزيف بونصار»، بوجهه المهموم، وصمته الحائر. إلى جانبه تقف السيدة الأولى، رصينة، محترمة، حنون، تعطف على دهب وتحبها.. سريعا، يستوعب الخطيبان، الحبيبان، تقاليد القصر، ويصبحان أهلا للثقة.
جوهر الفيلم، أو المنطقة الذهبية، تتجلى فى المشاهد التى ترصد حجم طلبات ذوى الحاجات، من الأهالى، المقدمة لابنة الحارة «ذهب» كى توصلها إلى رئيس الجمهورية.. المخرج، فيليب أسمر، فى لقطات موجزة، يعبر ببلاغة عن حجم الشكايات المتضاعف. فى البداية، تتسلم البطلة عدة مطالب، ثم علبة كرتون بداخلها مجموعة خطابات، ثم نرى تلا من المظالم فوق ظهر عربة نقل، تتلوها عربة أخرى، محملة بصناديق من ضاقت بهم سبل العيش.. إنه اختزال بديع لحجم معاناة الناس.
رئيس الجمهورية، الصامت غالبا، بنظرة الأسى فى عينيه، يبدو كما لو أنه يدرك صعوبة، إن لم يكن استحالة، حل مشاكل الفقر والبطالة، خاصة أن فترة رئاسته قاربت على الانتهاء، بل يبدأ الاستعداد لمغادرته قصر الرئاسة.. ولعل أقوى مشاهد الفيلم، وأعمقها، تكمن فى حرق تلال خطابات الشكاوى.. ومن بعيد، يتصاعد دخان الحريق، ليغطى مساحات من بيروت.
ربما كان المشهد السابق هو النهاية المنطقية الجريئة للفيلم، لكن صناعه أصروا على الاسترسال. «دهب» لها شقيقة شريرة، عابثة، نصف داعرة، ضمن عصابة تخطف «دهب» وتحل مكانها.
طبعا، السيدة الأولى، تدهش من تصرفات «دهب» المزيفة، ذات الطابع الماجن، لكن لا تكتشف الحقيقة، ولا حتى خطيبها «رضا» يدرك الأمر.. مارى غصن، بمهارة، تؤدى دور«ألماظة»، الشقيقة اللعوب، وفى تعليق طريف ذكرت إحدى الصحف اللبنانية أن هذا الجزء من الفيلم يفتح باب السينما المصرية، لمارى غصن.. وللرد على هذا التوقع، من الممكن القول: أهلا بمارى غصن، سواء بأدائها لشخصية دهب أو ألماظة.
ينتهى الفيلم بلقطة لكرسى الرئيس خاويا، مهملا، على جانبيه قدرتين من الفخار، تعلوهما الرطوبة، ثم طابور من عربات، تحمل الناس، خارج بيروت.. إلى أين؟ لا أحد يعلم.. هكذا: «السيدة الثانية»، المرح، الحزين.. يشبه لبنان.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات