جاتسى.. مشبوهـًا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 1:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جاتسى.. مشبوهـًا

نشر فى : الأحد 26 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 26 مايو 2013 - 8:00 ص

اختلف الأفيش هذه المرة. ابتعد عن دقة الرومانسية التى غلفت إعلان «جاتسى العظيم» السابق 1974، متضمنا بطلى الفيلم: ميا فارو، بوجه نحيل، أضناه الحب، وعيون بادية الحيرة، وثمة قبعة تخفى جبهتها.. وخلفها، يقف روبرت ردفورد، الواثق من نفسه، يكاد يلتصق بها. الاثنان، يرتديان الملابس البيضاء، مما يوحى بامتزاج روحيهما.

 

فى الفيلم الجديد، وزعت شركات الإنتاج أفيشا مبدئيا، قامت بتغييره عقب الانتهاء من صناعة الفيلم، فالواضح أن الشركة أدركت بعد المسافة بين ايحاءات الإعلان من  ناحية، والعمل السينمائى من ناحية ثانية، ذلك أن وجه النجمة التى تقوم بدور ديزى «كارى موليجان» يحتل المساحة كلها، فيما عدا شريحة من قفا ليوناردو دى كابريو. اختفى وجهه تماما، يلامس وجهها ولا يظهر منه سوى شحمة إحدى أذنيه.. الأفيش، بهذا التكوين، يعنى أن ديزى هى محركة الأحداث. مركز الثقل فى الحكاية المهيمنة على الأمور، بينما جاتسى، أو كابريو، مجرد نكرة، بلا ملامح، الأمر الذى لا يعبر عن توجهات المخرج باز لورمان.. جاء الأفيش الأخير، المعتمد، مغايرا ان لم يكن مناقضا: هبط بكارى موليجان إلى قعر الإعلان، ضئيلة، باهتة، تنظر باستسلام نحو الخارج.. فى صدارة الأفيش يقف دى كابريو شامخا، قويا، راسخا، أنيقا. وأبعد ما يكون عن الرومانسية. وجهه يكتسى بالصرامة. إلى جانبيه يقف رجلان أقصر منه قامة وأقل حضورا. فى كل من الهامشين تقف امرأة عابثة، وثمة خطوط حادة، متقاطعة، فى خلفية الإعلان.

 

هذا الأفيش يعبر، ببلاغة، عن روح الفيلم، المختلفة تماما عن الأعمال السابقة، المعتمدة على رواية فيتز جيرالد الشهيرة، والتى تدور حول «جاتسى» الغامض، العائد بعد سنوات من الغياب، وقد غدا بالغ الثراء. يشترى قصرا منيفا قبالة قصر حبيبته القديمة، ديزى، الكائن فى الناحية المقابلة من الخليج. يقيم الحفلات الصاخبة، يحضرها حتى من لا يعرفه. تسيل فيها المشروبات. تنطلق موسيقى الجاز بلا  هوادة، وتندلع الرقصات المجنونة.. يلتقى الحبيبة التى لم يقترن بها، بسبب فقره. لكن الآن، يريدها أن تنفصل عن زوجها كى تصبح له وحده. يدور صراع، ساكن ومتصاعد، بينه والزوج، الأرستقراطى أصلا.. وتنتهى الرواية برصاصة غادرة، يطلقها رجل يظن ــ مخطئا ــ أن جاتسى كان على علاقة بزوجته، وأنه صدمها بسيارته وفارقت الحياة.

 

«جاتسى»، فيما قبل، بدا كطاووس زاهى الألوان، يطل من النافذة العلوية على الآخرين. هو محاط بالألغاز، جذاب، لا أحد يعرف عنه الكثير.. لكن الفيلم، هذه المرة، ينتف ريش «جاتسى»، ويفضح سره، ويعريه، بلا رحمة، هو ومجتمعه، فإذا كانت الأفلام السابقة، لم تبين مصدر ثروة الرجل الكريم، العاشق، فإن بازلورمان، هذه المرة، يبين بوضوح أنه فى مستوى الشبهات، من خلال المكالمات التليفونية الغامضة التى تأتيه بين الحين والحين، وتتأكد علاقته بعصابات العشرينيات حين يجلس، بحميمية، مع ماير ولفشون، زعيم أكبر أسر المافيا، بأداء النجم الهندى اميتاب باتشان، فى أول إطلالة هوليوودية موفقة، فهو، فى مشهد واحد، يوحى أنه، برغم ضحكاته، على درجة كبيرة من الخطورة.

 

الحكاية، يسردها لنا الراوى، نك كاراوى، جار جاتسى وقريب ديزى، المشارك ثانويا فى الأحداث، لعل أهمها حين تدخل لإيقاف معركة جسدية اندلعت بين العاشق وزوج الحبيبة. ورغم علاقته الوطيدة بجاتسى، يقول جملة واحدة، حادة وكاشفة وباترة «رأيت فى عينى جاتسى أننى أمام رجل قاتل».. بالتأكيد، دى كابريو، الموهوب، المتفهم بعمق للشخصية التى يؤديها، أدرك ما ينطوى عليه ماضيها من جرائم، لذا فإن نظرات الرومانسية المعهودة عند كل من قام بدور جاتسى، تختفى أو تكاد فى هذه المرة، بل تكاد تتحول إلى ما يشبه جنون الملكية والاستحواذ. ديزى هنا، أقرب إلى الحلية الثمينة، طفلة، لكن خالية من البراءة، لا تحب جاتسى بقدر ما تحب شغفه بها، وهى نزقة، بلا إرادة، حتى إنها، مثل الآخرين، لم تحضر جنازة جاتسى، لذا، كان من المناسب أن يهبط بها الأفيش إلى القاع.

 

فى تقييم الفيلم الذى أزعج الكثير من النقاد، بسبب صخب الألوان والموسيقى والرقصات، بالإضافة لحركة الكاميرا العنيفة، السريعة أحيانا، والمتسكعة عند أزياء النساء المزينة بالخيوط المسدلة والترتر يمكن القول أن بازلومان، وضع عروقا ذهبية وسط هذا الركام، وربما جاء تفسيره لجاتسى، أفضل هذه العروق، ذلك أنه نتاج نظام يقدس الثروة والأثرياء، حتى لو كان الوجيه الأمثل، على غرار بطلنا، أقرب إلى زعماء المافيا، كما يؤكد الأفيش.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات