إذا كان الغباء هو سمة العصر.. فكيف لنا أن نستفيد منه لبناء مستقبلنا؟ - عمرو عبدالقوى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إذا كان الغباء هو سمة العصر.. فكيف لنا أن نستفيد منه لبناء مستقبلنا؟

نشر فى : الإثنين 26 أغسطس 2013 - 11:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 أغسطس 2013 - 11:25 ص

فى الفيلم الأخير «لجيمس بوند» كان محور الفكرة يدور حول قصة رمزية وردت على لسان شرير الفيلم الذى وصف ما يحدث عندما يتم صيد فئران فى جزيرة عن طريق استقطابهم للوقوع فى برميل كبير فيه جوز الهند الذى يحبونه. وبدلا من قتلهم بعد ذلك يُتركوا فى البرميل حتى يقضوا على كل جوز الهند ولا يبقى لهم شىء يأكلونه غير انفسهم، فتبدأ الفئران فى تغيير طباعها من أكلة جوز الهند إلى آكلة فئران، وتستمر فى اكل بعضها البعض حتى يتبقى فى النهاية فئران فقط لا يريان بديلا لبقائهما غير قضاء الواحد على الآخر. هل يأكل احدهم الآخر؟ وماذا يحدث للسلالة؟.

لم أستطع مقاومة الربط بين هذه القصة وتلك التى نعيشها حاليا.

ألا يعتبر من غباء ان نكون قد كتبنا القصة وأخرجنا الفيلم ثم شاهدناه ثم نصر على لعب نفس الأدوار فى الحقيقة؟

أليس غباء ان نسمح لأنفسنا (البشر الذى خلقه الله عاقلا) بالتصارع فى مساندة فأر ضد الآخر والخطر الحقيقى يطول السلالة بالكامل؟، «فالخناقة» فى القصة الواقعية التى نعيشها اشد خطورة ومحاور الصراع فيها تصل إلى حد تدمير الدولة وإشعال الفتن الطائفية.

كيف تكون هذه محاور لصراع يتصور أى طرف من الأطراف المتصارعة بإمكانية خروجه منه منتصرا؟ ما هى مقومات التل الذى سيقف عليه المنتصر أيا كان؟ ومع ان هذه الصورة واضحة وضوح الشمس للجميع إلا أننا مستمرون فى الصراع بخطى سديدة كأننا مصرون على إثبات النظرية (بان الغباء هو سمة العصر). وهل هناك بديل إيجابي؟ أو.. هل يمكن لنا الاستفادة من هذا الغباء؟

●●●

الهدف من هذا المقال هو مناقشة إمكانية الاستفادة من هذا الغباء بدلا من ندب الحظ عليه. وهنا نتجه إلى الطبيعة التى تقدم لنا أمثلة كثيرة كيف تستفيد الكائنات الحية من الكوارث التى تتعرض لها فى إعادة بناء فصائل أقوى وأكثر صلابة عن تلك التى قد تكون قد دمرتها هذه الكوارث، ومن ثم يمكننا ان ننظر لمصدر الحدث الضار على انه يمثل أيضا مصدرا محتملا لمميزات إعادة بناء، وذلك إذا ما كنا مجهزين للتطوير والتحول (كالبكتريا والفيروس) وإذا لم نقبل أن يكون الانكسار أمام الأضرار المترتبة عن الكارثة هو نهاية المطاف، ولتوضيح وجهة النظر هذه سأقوم بمناقشة بعض محاور الصراع لعل المناقشة تفتح للقارئ نظرة ناقدة مختلفة لأحداث الساحة.

الصراع لتدمير الدولة.. هناك فائدة فى هذا الصراع إذا ما وجهنا هذا المجهود لمنظومة الدولة المركزية.. فالنموذج اثبت فشله على مر العقود الماضية، وهو يغذى جذور غالبية المشكلات التى قامت من اجلها ثورة ٢٥ يناير. والصراع الحالى قائم بين وجهين لنفس النموذج المركزى السلطوى (الحكومة المصرية ومكتب الإرشاد). ثورة ٢٥ يناير أخرجت الشعب من «قمقم» التبعية ليعبر عن رغبته فى إدارة شئونه بنفسه، وبالطبع ليتحقق ذلك يجب ان تتفتت منظومة الإدارة المركزية ليدخل عليها جوانب لامركزية عديدة تمكن المجتمع من المشاركة الحقيقية فى الإدارة، ومن الاستفادة من التنوع والتعددية المكونين له.

ولكن ها نحن نرى الجانبين يعملان بتوحد غريب على تحييد الشعب عن طريق الإرهاب من جانب وعن طريق المناشدة بترك الساحة للشرطة والجيش والبقاء فى المنازل من الجانب الآخر. وهناك فوائد عديدة أخرى لإسقاط مركزية الدولة تتركز فى إنعاش اقتصاد المحافظات الستة وعشرين الأخرى وإعطاء أهل كل محافظة حق أختيار افضل من يدير شئونهم والاستفادة المباشرة من نتاج عملهم وخيرات ارضهم. إلى جانب فرص المنافسة على استقطاب العقول والأيدى العاملة بدلا من طردها وتصديرها.

الصراع لحرق جميع الكنائس والمساجد.. لعلنا نعود للقيم الأصلية التى تحكم علاقة الإنسان بربه فهنا تتوحد جميع الأديان، فهى علاقة إيمان عبد ضعيف بخالق قوى متمكن ورحيم. لا تحتاج إلى وسيط. دور العبادة أماكن رمزية لتلاقى جموع البشر الضعفاء بربهم المتصل بجميع عباده دائما وأينما وجدوا.

الإنسان هو من يبنى تلك الصروح التى أصبحت ترمز أكثر لاختلاف فصائلهم عن رمزيتها الأصلية كمكان لملاقاة الرب، بدليل أننا اصبحنا نتفاخر من خلال حرقها وتدميرها بنصرة فصيل على الآخر، كأن سقوط المبنى يعنى سقوط الدين أو الفصيل الذى يمثله. لو قمنا بتدمير هذا المنظور السطحى لدور العبادة يمكننا إعادة بناء رؤية جديدة تفصل ما بين الدين (ودور العبادة) وبين إدارة شئون الدنيا والسياسة، رؤية مبنية على توحد إنسانية البشر فى وطن واحد بغض النظر عن معتقداتهم التى أنعم عليهم الله بتنوعها.

الصراع لهدم منشآت الدولة.. لنبنى منشآت جديدة تمثل نظاما إداريا وسياسيا جديدا ومتطورا. فالعمارة على مر العصور والأزمان كانت تعبيرا وتجسيدا ماديا لحياة وثقافة الشعوب. والأمثلة المعاصرة عديدة مثل العمارة الفاشية التى بناها كل من هتلر وموسولينى فى منتصف القرن الماضى، وكذلك العمارة الاشتراكية التى تبناها الاتحاد السوفييتى السابق لتوحيد الفوارق بين البشر، وتبناها النظام الاشتراكى المصرى فى الستينيات.

ومن ثم يمكننا النظر إلى منشآت الدولة التى ثار الشعب عليها أيضا كتمثيل مجسد للفكر الاستبدادى الاحتكارى الذى نريد تغييره. فربما حان الوقت لكى نبنى عمارة جديدة تمثل فكر الحرية والمشاركة والشفافية، ألن تكون مثل هذه العمارة مختلفة جذريا عن منشآت الدولة الحالية؟

ثم هناك بعد آخر يجب الا نغفله فى حديثنا عن «منشآت الدولة»، وهو التحذير الدائم من التعرض لها (وكثيرا ما يكون ذلك على حساب حماية أرواح وصحة البشر). وهذا الفكر المادى يغفل القيمة الحقيقية لرأس المال البشرى والمتمثل فى قدراته الابداعية التى تولد الثراء المادى وتبنى تلك المنشآت فى الأصل. هل نحسب الخسارة الفعلية حين نضحى برأس المال هذا لنحمى مبنى من الطوب والخرسانة؟

الصراع حول السيطرة على المدارس.. ومعه هدم وزارة التربية والتعليم! هذه المنظومة تم تحديثها مع ثورة ١٩٥٢ لمحو أمية الشعب المصرى وضمان تعليم راق وحياة كريمة منتجة لكل مصرى، وقد نجحت هذه المنظومة بعد جهد ٦١ عاما فى الحفاظ على نسبة الأمية بالقرب من ٤٠٪ ونسبة مماثلة للمواطنين تحت أو على هامش خط الفقر.

فلماذا لا ننسف هذه المنظومة وزارة ومدارس وقد أثبتت هذا القدر من الفشل؟ ماذا لو نسفناها وبدأنا فى بناء منظومة جديدة للتعليم ومبانٍ حديثة تساهم فى تنمية الفكر الحر والإبداع بدلا من مبانٍ منغلقة تسكنها مناهج منغلقة تركز على تعتيم الرؤى وتعظيم فكر السمع والطاعة والتخلف. هل يكون الهدم فى هذه الحالة ميزة أم عيبا؟

وبنفس المنطق يمكننا متابعة مناقشة الصراعات الدائرة حول تدمير وزارة الداخلية وزعزعة الاقتصاد ومحاولات العزل الدولى على أنها فرص لتغيير منهجى لبناء نظم أفوى فى كل مجال.

●●●

قد يكون الغباء هو سمة العصر والمنهجية الغالبة على معظم الأطراف المؤثرين فى الصراع الدائر على الساحة المصرية مؤخرا، وقد تكون الصورة مقاربة بشكل غير مريح لقصة الفئران التى تغير من طبيعتها لتأكل بعضها البعض. وقد تكون محاور الصراع تشمل تلك التى تعرضنا لها فى هذا المقال وقد يكون بها بعض المبالغة، ولكن كما حاولنا توضيحه فى هذه المناقشة فإن المشكلة ليست فى شكل أو نوع المحنة أو الكارثة التى نحن بصدد مواجهتها ولكن فى جاهزية المجتمع ورؤيته فى التعامل معها.

فالفكر المركزى قد يمكن الدولة من السيطرة على مجريات ألأمور اغلب الوقت ولكنه يفتقد المرونة للتعامل مع عقبة او تحد كبير مثل ثورة ٢٥ يناير، فينهار النظام انهيارا مدويا كما هو اصبح جليا فى الأعوام الثلاثة الماضية. ماذا لو كان له نفس مرونة الطبيعة والتى تمكنها من الاستفادة من التحديات والكوارث ليس للحفاظ على السلالات المهددة بل لتطوير سلالات جديدة اكثر قوة واكثر مقدرة على التعامل مع التحديات الجديدة.

للغباء فوائد علينا فقط الانتباه لإمكانية وجودها وخلق رؤية مرنة لديها القدرة على استغلالها وتطوير منظومة تأقلم وتطور وإعادة بناء مستمر.

عمرو عبدالقوى أستاذ العمارة بالجامعة الامريكية بالقاهرة
التعليقات