جزيرة العرب قبل الرسول صلى الله عليه وسلم - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جزيرة العرب قبل الرسول صلى الله عليه وسلم

نشر فى : الجمعة 26 ديسمبر 2014 - 7:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 ديسمبر 2014 - 7:40 ص

(1)

فى جزيرة العرب ــ وقبل ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، كان الانسان هناك قد فقد إنسانيته ــ بشكل أو بآخر ــ اللهم إلا قليل القليل من الناس فارقوا ذلك الزيف وانصرفوا بعيدا عن نهر الحياة. هؤلاء الذين سماهم التاريخ بالحنفاء، أى أنهم يخالفون كل ما يحيط بهم ويهجرون حركة الحياة ويتعمقون فى البحث عما يجب أن يتبعوه من دين!

كان سكان الجزيرة قبائل لا تجمعهم «إدارة»، ولا يوجد بينهم «هدف مشترك»، ومنتهى أمل كل قبيلة ذيوع شهرتها وثبوت غلبتها على كل القبائل.

وتعتز كل قبيلة بشيخها وتتخذ شاعرا يتحدث باسمها، وتتخذ مساحة من الأرض تعتبرها حرما خاصا بها لا يدخله أحد دون إذنها، بل ولا يسمح للإبل والأغنام أن ترعى فى تلك الأرض التى حددتها لنفسها.

(2)

وبسبب هذا الانغلاق الاجتماعى بين الناس، انغلقت العقول وضاقت آفاق النظر والتفكير وأصبح الغرور والتعصب والعزة بالإثم، والتقليد الأعمى ((إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)). ولهذه الأسباب أصبح العنف سمة من سمات المجتمع العربى قبل الإسلام، كذلك كانت الحرب تثور لأتفه الأسباب ثم تستمر سنين طوال.. فإذا علمت أن الحرب استمرت بين قبيلتين أكثر من 40 سنة بسبب تزوير نتيجة سباق خيل بين القبيلتين، إذ أوقد أبناء إحدى القبيلتين نارا أخافت فرس القبيلة الأخرى حتى تفوز هى بالسباق. وسميت الحرب باسم الفرسين (داحس/ الغبراء)، واستمرت قرابة 40 سنة يتبادل فيها القبيلتان الكر والفر وسقوط القتلى وخطف الأسرى! هكذا كان البعض من مستوى (السادة والفرسان).

وآخرون: بعضهم يبيع الخمر أو يسقونها للناس، أو يعمرون الحانات بممارسات يندى لها جبين الإنسان. وكل هؤلاء يعاقر الخمر شربا فتذهب العقول، وتهيج النفوس، وتكثر الرذائل، وتضيع الحقوق، وتبتذل الحرمات. وكثيرا ما سالت الدماء حتى أن شاعرهم يعلن شعارهم وقانونهم فيقول: «وَمَنْ لا يَظْلِمْ النَّاسَ يُظْلَـمِ»!

(3)

أما الأسرة والحياة الزوجية، فقد كانت معظم العلاقات الجنسية علاقات عشوائية لا يحكمها شرع ولا تلتزم بفطرة. والقليل النادر من تلك البيوت هو الذى التزم بالزواج الشرعى المتوارث أحكامه من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. كذلك فإن وأد البنات (دفن البنت حية) كان عادة مشهورة حتى أن القرآن أعاب عليهم هذا الشذوذ، فكيف يقتل الإنسان ابنته ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)).

(4)

فإذا نظرنا فى المعاملات المالية ازداد عجبك، فإنهم يبيعون البشر كما يبيعون الأنعام والمتاع.. قل لى بالله عليك إذا رأيت الإنسان قد أصبح سلعة! فمن هو الأولى بالاحتكار؟ السلعة أم البائع؟ كلاهما قد فقد إنسانيته إن كان سلعة تباع أو كان بائعا نخاسا.. وتراهم بعد ذلك يعطون «المال» أكثر من حجمه، فبدلا من أن يكون المال ثمنا للسلع يصبح المال سلعة يرابى بها دون أدنى جهد بشرى. وما دام المال ــ فى حد ذاته ــ مال الله، فلا يتحول إلى ملك البشر إلا بعمل وجهد. فكيف يقرض مال الله كما هو للناس ــ بزيادة مال ــ دون جهد؟! ألا لعنة الله على الظالمين.

(5)

هكذا اشتد الظلام مثل شدة ظلام الليل قبل طلوع الفجر، وزاد الظلم لدرجة أن يأس الناس من حياتهم.. وكانت شدة الظلام وزيادة الظلم إعلانا أن الفجر قد اقترب، وأن النور قد آن أوانه. فإذا قرأت أو سمعت أن آمنة بنت وهب رضى الله عنها حينما وضعت وليدها رأت كأن نورا خرج منها أضاء ما حولها، فاعلم أن الدنيا كانت قد أظلمت وأذن الله بالبشرى فخلق محمدا صلى الله عليه وسلم ليحمل مشاعل النور يهدى بها الحائرين السائلين: «من نعبد؟» فيعلمهم: «لا تعبدون إلا الله» و«ماذا نقول؟» فيعلمهم: «لا تقولون غير الحق» و«ماذا نفعل؟» فيخبرهم: «لا تفعلوا إلا الخير».

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات