رسالة إلى وزارة الداخلية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 1:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة إلى وزارة الداخلية

نشر فى : الخميس 27 مارس 2014 - 6:00 ص | آخر تحديث : الخميس 27 مارس 2014 - 6:00 ص

وجدت وزارة الداخلية نفسها فى مواجهة الثوار فى الخامس والعشرين من يناير وما بعده، وكان هذا امتدادا لدورها فى وأد أى حركة جماهيرية معارضة لنظام مبارك. ولم يكن أفراد جهاز الشرطة بالضرورة سعداء بهذا الدور الذى ألقى عليهم وزر تحقيق أمن نظام غير ديمقراطى لم يلقَ بالا للحد الأدنى لاحتياجات المواطن العادى وحقه فى حياة كريمة، وفى لحظة تاريخية فارقة انكسر جهاز الشرطة فى مواجهة الثورة العارمة للجماهير، وخيمت أزمة ثقة هائلة بين جماهير الثوار ووزارة الداخلية ناهيك عن الاستخفاف بدورها، ووصل الأمر بالثوار إلى المطالبة بإلغاء جهاز كأمن الدولة بسبب ممارساته قبل الثورة، وهو مطلب رومانسى فلا يوجد نظام ديمقراطى أو ديكتاتورى ليس لديه جهاز مماثل وإنما العبرة بالضوابط التى تحول دون تغوله وعصفه بحقوق الإنسان.

ومع انفراد «الإخوان المسلمين» بحكم مصر وانشغالهم بتمكين جماعتهم من الهيمنة على جميع مفاصل السلطة بدأت المؤشرات تظهر أن عددا من القيادات الشرطية استشعر خطورة هذا السلوك على مستقبل الدولة المصرية، وانعكس هذا فى شكل وجود محاولات من جهاز الشرطة للتمييز بين مصلحة الجماعة الحاكمة والمصلحة الوطنية بحيث لا يسمح بإهدارها لحساب الجماعة، ومن المحتمل أو حتى المرجح أن يكون أحد وزراء الداخلية (اللواء أحمد جمال الدين) قد دفع منصبه ثمنا لهذه المحاولات. ومع حلول يوم 30 يونيو 2013 ظهر انحياز الشرطة تماما للجماهير ضد النظام وبدأت عودة ثقة المواطنين فى مواجهة الإرهاب، وكان واضحا أن أداء جهاز الشرطة يتطور بسرعة إلى الأفضل وإن كان عدد من الملاحظات والانتقادات الشديدة أحيانا قد وجه إلى الطريقة التى يضطلع بها الجهاز بمسئوليته، ومن المهم للغاية مناقشة هذه الملاحظات والانتقادات لتبين وجه الحقيقة فيها ومن ثم استخلاص ما يلزم من توصيات لتخليص جهاز الشرطة من أى شوائب يمكن أن تلحق بأدائه مهمته الوطنية.

•••

هناك أولا ما يُقال عن الإفراط فى استخدام القوة فى مواجهة الإرهاب والإرهابيين وعمليات القبض العشوائى على المشاركين فى التظاهرات والمتهمين بارتكاب العنف الإرهابى واعتقالهم وحبسهم فى ظروف غير إنسانية ناهيك عن دعاوى التعذيب، وظنى أن هناك أحيانا مبالغات فى هذه الاتهامات غير أن هناك أيضا مؤشرات على أن بعضها على الأقل صحيح بدليل الإدانة القضائية للضابط المسئول عن مأساة ترحيلات أبوزعبل، ولذلك يتعين على وزارة الداخلية أن تحقق فى هذه الاتهامات وأن تعلن نتائج التحقيقات على الرأى العام وتتخذ كل ما يلزم من إجراءات لمحاسبة من تثبت مسئوليته عن التصرف على نحو غير قانونى فإن لم تفعل لن يكون هناك بديل سوى ممارسة ضغط حقيقى من قَبِل المجلس القومى لحقوق الإنسان وغيره من المنظمات المعنية بهذا الشأن حتى يتبين وجه الحقيقة. إن مواجهة الإرهاب مصلحة للجميع إلا الإرهابيين ومن يناصرونهم، ومن المهم أن تجرى المواجهة فى إطار حاضنة من التأييد الشعبى القوى.

•••

هناك ثانيا أن الرأى العام يشعر أحيانا بأن ثمة تقصيرا شديدا فى الأداء لا تُعلن عادة أسبابه أو نتائج التحقيق مع المسئولين عن وقوعه، ولا أقصد بالتقصير أى نجاح لعمل إرهابى ما، ذلك أن الأمن الكامل مستحيل التحقيق فى أى مكان فى العالم خاصة، وقد وصل الإرهاب إلى حد استهداف الجنود العاديين الذين يستحيل أن يتمتعوا بحراسة أثناء تنقلاتهم اليومية، لكنى أقصد بالتقصير نجاح عمليات إرهابية اتجهت لأهداف مهمة فيما كان ممكنا بوضوح توقيفها. سوف أقتصر فى هذا الصدد على حالة تفجير سيارة مفخخة أمام مديرية أمن القاهرة، وقد أثار الفيديو الذى صورته كاميرات المتحف الإسلامى استفزاز الجميع فنحن أمام سيارة تقف فى مواجهة المديرية تماما فى مكان ممنوع فيه انتظار السيارات ثم ينزل سائقها فور وقوفها ليستقل سيارة وصلت بعده مباشرة ويبتعد، ثم يبدأ جندى الحراسة المسكين فى الدوران ببطء حول السيارة دون أن يفكر فى الإبلاغ الفورى عن هذا الوضع شديد الخطورة. ومن المؤكد أن كاميرات المديرية قد التقطت بدورها هذا المشهد فهل كان أحد يشاهدها أم أنها تعامل، وكأنها أداة للتوثيق وليس للتحسب لأى تهديد طارئ؟

•••

يتواصل التقصير إلى أشياء أخرى، فكيف يدخل البنزين وزجاجات المولوتوف بل والقنابل إلى الحرم الجامعى. منذ حوالى عشرة أيام طلب منى المسئولون عن أمن إحدى البوابات الجانبية لجامعة القاهرة أن أفتح شنطة السيارة للتفتيش ففعلت مسرورا غير أننى بعد أيام ثلاثة دخلت دون أن يطلب منى أى شىء سوى بطاقة الهوية، وسوف تقول الداخلية بحق إنها غير مسئولة عن تأمين الدخول إلى حرم الجامعة، وهذا يثير قضية الحرس الجامعى، ولن يدخل هذا الحرس إلى حرم الجامعة لكن قوات الشرطة سوف تفعل إذا وصل الأمر إلى العنف والتدمير والحرق وقرر رئيس الجامعة أن استدعاءها بات ضرورة، وأتمنى على نشطاء حقوق الإنسان أن يتفهموا فكرة أن انتظام العملية التعليمية التى تردت إلى حد مخيف فى السنوات الأخيرة وحماية منشأت الجامعة من التدمير والحرق وحفظ الحق فى الحياة الآمنة لطلاب الجامعات وأساتذتها وموظفيها أهم بكثير من رفض وقوف نفر من رجال الشرطة الأكفاء على بوابات الجامعات لضمان أن يدخلها فقط الراغبون فى طلب العلم، وقد كانت مشكلة الحرس الجامعى فى السابق تدخله فى القرار الجامعى بما فى ذلك التعيين فى الوظائف الأكاديمية. يتصل بالتقصير أيضا درجة اليقظة لدى رجال الشرطة المكلفين بالحراسات والكمائن، وقد لاحظت بنفسى أنها لا تعكس الإحساس الواجب بأن هناك خطرا داهما على حياتهم، ومن المألوف أن تجد قيادة حراسة أو كمين ما تجلس فى الخلف لتبادل الحديث مع زميل أو صديق فيما يمكن أن يجىء الخطر فى أى لحظة، ولذلك كان احترامى شديدا لطاقم مدرعة شرطية متحركة كان يقف فى وضع الاستعداد الكامل على جانبيها وعيون أفراده تجول فى كل اتجاه تحسبا للخطر.

•••

تقوم وزارة الداخلية بدور لا غنى عنه فى مواجهة موجة الإرهاب المجنون الذى يحاول إخضاع مصر والمصريين ويقدم أبناؤها الشهداء كل يوم من أجل أمن الوطن، ولا أعتقد أن مصر شهدت على مر تاريخها هذا العدد من شهداء الشرطة، وهو ما يعطى أى مواطن الحق فى أن يتابع أداءها وأن ينتقد أن رأى ما يستحق الانتقاد، ومن حقنا على الوزارة أن تأخذ ملاحظات المواطنين وانتقاداتهم على محمل الجد حتى نصل جميعا إلى ما يحقق أمن الوطن الحبيب.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية