التزوير الشامل واستبعاد المعارضة.. من الذى أصدر القرار ولماذا؟ - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 10:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التزوير الشامل واستبعاد المعارضة.. من الذى أصدر القرار ولماذا؟

نشر فى : الإثنين 27 ديسمبر 2010 - 9:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 27 ديسمبر 2010 - 9:20 ص

 بالرغم من أن الحجم الفادح للتزوير الذى شاب انتخابات مجلس الشعب الأخيرة والتدخلات الهائلة فيها من جانب الحزب الوطنى الحاكم وأجهزة الدولة الأمنية والإدارية، فإنه حتى اللحظة لا يكاد يعرف أحد على وجه الدقة طبيعة ما جرى ومصدر القرار بالإطاحة بكل القوى السياسية المصرية تقريبا من المجلس ومعهم عديدون من النواب والمرشحين المحسوبين على الحزب الوطنى، ولا الأهداف الحقيقية من وراء هذه الإطاحة غير المسبوقة. وما يزيد من تعقيد وغموض الموقف عدة مؤشرات، أولها أن الإطاحة قد شملت نوابا ومرشحين لم يعرف عن بعضهم نقدا أو عداء للنظام السياسى أو للحزب الوطنى فيما ليس للبعض الآخر منهم من رصيد شعبى سياسى بقدر ما لهم من أرصدة ذات طابع رياضى أو فنى أو غيرها. وثانيها ما جاء فى خطاب الرئيس مبارك أمام الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى من اعتراف غير مسبوق بالمرة بوجود ما سماه «بعض التجاوزات» فى إدارة العملية الانتخابية واستخدام للمال والبلطجة، وأسف متأخر على عدم تمثيل المعارضة فى المجلس بالصورة المناسبة. وهنا يأتى المؤشر الثالث وهو قيام بعض وسائل الإعلام المملوكة للدولة أو القريبة منها وكذلك بعض الكتاب والسياسيين المحسوبين عليها بتناول انتقادات المعارضة لتزوير الانتخابات بطريقة «لينة» بدا أحيانا أنها تعطيهم العذر فيما ينتقدون، وإن ظلت الأغلبية الأوسع من إعلام الحكومة وكتابها توجه لهم النقد الحاد الذى وصل أحيانا إلى حد السباب العلنى.

من هنا فإن الحجم الواسع والعام لما جرى من تزوير وهذه المؤشرات الثلاثة التى تبدو جديدة قد دفعت إلى عدة تفسيرات له سواء فيما يخص مصدر القرار به أو الأهداف المتوخاة منه، وكان أبرزها تفسيران رئيسيان. أول التفسيرين يرى أن ما جرى ما كان يمكن أن يتم بهذه الطريقة الفجة ولا الاتساع الذى ميزه بدون أن يكون مصدره سلطة عليا جدا. ويرى هذا التفسير أن الأهداف الحقيقية من وراء تزوير الانتخابات البرلمانية بإذن من هذه السلطة هى: أولا، إخراج الإخوان المسلمين من أى منافسة محتملة ــ ولو ضئيلة ــ معه فى انتخابات الرئاسة القادمة بمرشح مستقل لهم يمكن له أن يحصل على توقيعات أعضاء المعارضة فى مجلس الشعب لو تركت لهم الفرصة للنجاح فى الانتخابات. وثانيا، تأديب شامل لقوى المعارضة بسبب مواقف معظمها التى بدت خلال الشهور الأخيرة مؤيدة أو قريبة أو متحالفة مع تحركات الدكتور محمد البرادعى سواء كمعارض واضح للنظام السياسى أو كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية. وثالثا، إخلاء مجلس الشعب بعد أن تم إخلاء مجلس الشورى من أى أصوات معارضة يمكن لها أن تعوق أو تفضح توجهات الحكم لإصدار قوانين وتشريعات جديدة قبل انتخابات الرئاسة ذات طابع استئصالى للحريات العامة على المستوى السياسى وذات طابع معاد لمصالح أغلبية المصريين على المستوى الاقتصادى.

والحقيقة أن تفسير ما جرى فى الانتخابات الأخيرة من تزوير شامل وهائل باعتباره قرارا مباشرا من هذه السلطة العليا يبدو مستحيلا سواء من ناحية رفض الإخوان المعروف والثابت لخوض هذا المستوى من المنافسة مع النظام السياسى فى الوقت الحالى أو سواء من ناحية عدم قدرتهم على تجميع العدد المطلوب من التوقيعات لترشيحه فى مجلس الشورى والمجالس المحلية للمحافظات لخلوها من وجود المعارضة، هذا بافتراض نجاحهم وبقية قوى المعارضة فى الحصول على أكثر من سبعين مقعدا فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة. كذلك فإن تأديب قوى المعارضة على مواقف بعضها المساندة والقريبة من حملة الدكتور البرادعى كان يمكن لو كان هو الهدف من التزوير أنه يجعله محدودا ومركزا على القوى والأشخاص الذين يمكن وضعهم فى هذه الفئة، وليس شاملا وعاما بالطريقة التى لم تستثن أحدا من قوى المعارضة ورموزها تقريبا. أما عن الرغبة فى امتلاك برلمان خالٍ من المعارضة «المزعجة» تمهيدا لإصدار تشريعات سياسية واقتصادية جديدة بدون ضجة، فهو غير منطقى ولا عملى لأن الحكومة استطاعت القيام بذلك بسهولة فى المجلس السابق بالرغم من النسبة العالية للمعارضة فيه، سواء كان هذا متعلقا بتعديل الدستور أو بقانون الطوارئ أو بالضريبة العقارية أو تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية أو غيرها من قوانين رئيسية فى المجالين السياسى والاقتصادى. وفوق كل ما سبق وقبله، فإن قيام الرئيس مبارك بإبداء انزعاجه ولو المحدود والمتحفظ مما جرى فى الانتخابات من تزوير فادح فضل تسميته بالتجاوزات، إنما يشير بوضوح إلى مفاجئته شخصيا من حجم ومدى ما جرى إلى الحد الذى دفعه إلى التعليق عليه بتلك الطريقة غير المسبوقة وفى أول مناسبة حتى لو كان مكانها هو الهيئة البرلمانية لحزبه المفترض أنها تحتفل بنجاحها «الباهر» ضد خصومها فى الانتخابات.

أما التفسير الثانى فهو يرى أن حملة الإطاحة بكل قوى ورموز المعارضة إنما كان مصدرها الرئيسى وربما الوحيد هو قادة ما يسمى بالحرس الجديد، والتى بدت بصماتهم واضحة وجلية فى كل تفاصيل الحملة والدوائر التى جرت فيها. ويرى هذا التفسير أن الغياب الواضح لأمين عام الحزب الوطنى السيد صفوت الشريف وممثلى ما يسمى بتيار الحرس القديم بالحزب الحاكم عن وقائع تزوير الانتخابات والحضور البارز لرمزه إنما يؤكد كونه مصدر القرار والمنفذ الرئيسى له. ويميل أصحاب هذا التفسير فى غالبيتهم إلى أن سبب هذا القرار بالتزوير الشامل والعام هو تمهيد الطريق أمام الحليف الأكبر لهذا التيار الجديد وهو نجل الرئيس السيد جمال مبارك لخوض انتخابات الرئاسة القادمة دون إزعاج يذكر من قوى المعارضة الحاصلة على تفويض شعبى شرعى باعتبارها ممثلة فى البرلمان، فضلا عن إنهاء أى منافسة محتملة معه من جانب الأحزاب والقوى السياسية الرئيسية فى هذه الانتخابات عبر استئصال وجودهم التام من البرلمان. بينما يرى آخرون فى نفس الإطار أن اتساع مستوى التزوير والاستئصال أتى من غياب الخبرة السياسية لمن قام باتخاذ قراره وأشرف على تنفيذه، الأمر الذى أوصله إلى عدم التمييز بين مرشحى الإخوان والوفد والمستقلين والتجمع وحتى بعض مرشحى الحزب الحاكم نفسه.

والأرجح أن هذا التفسير الثانى لما جرى من تزوير هو الأقرب للدقة وللوقائع التفصيلية المتجمعة من عشرات الدوائر والمحافظات حتى الآن، إلا أن الهدف منه كما يرى معظم المنحازين له لا يبدو هو الأقرب إلى الدقة. فأن يكون هدف حماية نجل الرئيس من نقد وهجوم خصوم التوريث عليه بداخل البرلمان هو أحد دوافع اتخاذ قرار استئصال كل قوى ورموز المعارضة، فإن هذا يبدو منطقيا، إلا أن الوصول به إلى أنه بمثابة تمهيد لخوضه انتخابات الرئاسة بصورة مريحة يبدو متعارضا تماما مع القرار الذى اتخذه والده الرئيس مبارك بترشيح نفسه فيها وإعلانه وتبنيه بحماس من القيادات الرئيسية فى الحزب والدولة خلال الشهور القليلة السابقة. ولا يخل بهذا التحليل سوى احتمال يبدو بعيدا وضعيفا وهو أن نجل الرئيس والمجموعة الملتفة حوله قد قرروا الدخول فى مواجهة علنية مع الرئيس نفسه حول قضية المرشح القادم للرئاسة، وهو أمر لا توجد من قرائن أو أدلة واضحة عليه حتى الآن. أما عن تفسير غياب الخبرة السياسية لمصدر ومنفذ قرار التزوير والاستئصال، فهو غير مستبعد فى بعض وقائع ما جرى وبخاصة ما يمكن أن نطلق عليه «خصخصة» التزوير والذى تم باستخدام بعض مرشحى الوطنى لأجهزة الدولة الإدارية والأمنية لصالحهم وبوسائلهم وإمكاناتهم الخاصة فى دوائرهم دون قرار مركزى، إلا أنه غير كافٍ وحده لتفسيره، حيث كان من الممكن تدارك بعض ما جرى من كوارث فى الدور الأول خلال الجولة الثانية من الانتخابات والتى تكرر فيها بصورة أفدح.

ويبقى بعد كل ذلك أن التزوير الشامل والاستئصال الكامل لقوى ورموز المعارضة الرئيسية قد أدى إلى وضع الرئيس مبارك ونظامه فى موقف صعب للغاية سواء من زاوية الانتقادات الخارجية الحادة لما جرى أو الغضب الداخلى الشعبى الهائل أو سواء من زاوية دفعه إلى أن يخوض المنافسة الرئاسية القادمة أمام ممثلى أربعة أحزاب متناهية الصغر لا يعرف عنها المصريون شيئا وبعضهم لا يخلو سجله من سوابق وفضائح معلومة للجميع. ولاشك أن هذا الموقف الصعب للرئيس الذى خلقه قرار التزوير والاستئصال يفتح الباب أمام تساؤل منطقى حول مدى وعى متخذ القرار ومنفذه حسب التفسير الثانى بنتائجه السلبية على رئيس الحزب والجمهورية، فهل كان غير واعٍ بها وتصرف كالدبة، أم أنه كان واعيا بها إلى الحد الذى يمكن الحديث فيه عن «مؤامرة» قصر متعمدة لإحراج الرئيس ووضعه فى هذا الموقف الحرج لأسباب أبرزها إصراره على خوض انتخابات الرئاسة واستبعاد نجله السيد جمال مبارك، وذلك دفاعا عنه دون علم منه؟

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات