مصر إلى أين؟ - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر إلى أين؟

نشر فى : الخميس 27 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 27 ديسمبر 2012 - 8:00 ص

أكتب هذا المقال ولما تُعرف النتيجة النهائية للاستفتاء بعد، وإن كانت المؤشرات المتاحة جميعها تشير إلى أن اللجنة العليا للانتخابات سوف تعلن الموافقة على مشروع الدستور بأغلبية حوالى 63% ومعارضة حوالى 37%. لن أتحدث عن التجاوزات الفادحة التى شابت عملية الاستفتاء لأنها تحتاج إثباتا قضائيا قد يسمح بالطعن فى سلامة الاستفتاء، ومن ثم فى صحة الموافقة على مشروع الدستور، أو غضبة شعبية عارمة ضد ما حدث من تجاوزات تجبر أولى الأمر على مراجعة المسألة برمتها، وهو ما لم يحدث حتى الآن فى الحالتين، غير أننى سوف أتحدث عن الملابسات التى أحاطت بعملية وضع الدستور وتداعياتها: جمعية تأسيسية لوضع الدستور معيبة التكوين، لا تعكس الفلسفة الحقيقية للدساتير التى توجب أن تكون معبرة عن شعوبها وليس عن آراء الأغلبية البرلمانية. يحكم القضاء ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية فيُعاد تشكيلها وفقا للمنطق ذاته الذى أسقطه القضاء، مع الادعاء بغير ذلك استنادا إلى وجود عضوية صريحة فى «جماعة الإخوان المسلمين»، وخلايا نائمة، وإن كان الجميع يعرفها لأنك لا تستطيع أن تنام كل الوقت، وأصدقاء للجماعة أو متعاطفين معها، وبهذا يحسب «الإخوان المسلمين» نسبة تمثيلهم فى جميع التشكيلات استنادا إلى مفهوم العضوية الصريحة، بينما يعرف الجميع أن نسبة تمثيلهم هذه قد أعطتهم دائما أغلبية مريحة.

 

●●●

ولذلك طُعن للمرة الثانية فى سلامة تكوين الجمعية التأسيسية لأنه تم استنادا إلى الأساس نفسه الذى انطلق منه تكوين الجمعية الأولى التى تم الحكم ببطلانها. وتنظر المحكمة الدستورية فى الطعن فتفاجأ برئيس الجمهورية قبل إصدار حكمها بأيام يحجب سلطاتها فيما يتعلق بقراراته والنظر فى دستورية تكوين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، وبعدها تحاصر «ميليشيات» الإخوان مقر المحكمة لمنعها ماديا من الانعقاد وسط أصوات تعيسة لرجال سياسة وقانون تقول إن قضاة المحكمة كان بمقدورهم دخول مقرها وعقد جلستهم، وهو كذب صريح فنده نائب رئيس المحكمة المستشار حاتم بجاتو بالبرهان الساطع، وهكذا هان عليهم قَدْر قضاة أعلى محكمة فى مصر حتى باتوا يرضون لهم بالدنية فى عملهم، فيدخلون مقر المحكمة وسط سباب بذئ وربما علامات تهديد بالاعتداء عليهم، فضلا على أننا لم نكن لندرى ما الذى كان سيحدث لو قضت المحكمة ببطلان تكوين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية معا.

 

والخطورة فى هذه التطورات أنها تؤكد النموذج الراهن للممارسة السياسية فى مصر: قرارات غير مدروسة لرئيس الجمهورية تزيد من تغول سلطاته على باقى السلطات، ثم تراجع منه عن هذه القرارات بسبب إمعانها فى انتهاك القانون والاستخفاف به، وقوة المعارضة لها لهذا السبب تحديدا، ثم بدأت عملية اللاتراجع استنادا إلى «ميليشيات» حزبه التى استبقت صدور قرار عزل النائب العام بحشود أمام مكتبه فى دار القضاء العالى، ثم حدثت واقعة حصار المحكمة الدستورية ثم واقعة مذبحة الاتحادية، وعزز «حازمون» النموذج بحصارهم مدينة الإنتاج الإعلامى وتفتيش الداخلين إليها، ومحاولات الاعتداء على «الإعلاميين الفاسدين»، وهم كذلك من وجهة نظر «حازمون» لأنهم يوضحون الرأى الآخر وقد يؤيدونه ويدعون له بوضوح، وكأن الفضائيات المسماة بالدينية لا تمطرنا فى كل لحظة بوابل من السباب البذىء، ووصل الأمر إلى تصرفات لم يكن المرء يتخيل إمكان حدوثها قبل «الثورة» أو بعدها، كما فى الواقعة المنذرة بخطر داهم والتى تم فيها ذبح عجل وتعليق رأسه عاليا على مدخل المدينة ومعه صور الإعلاميين المغضوب عليهم جنبا إلى جنب مع التهديد بأن هذا سوف يكون مصيرهم، ثم ينتقل «الحازمون» إلى مقر جريدة الوفد فيعتدون عليه ويحاولون إحراقه وترويع الموجودين فيه، وتهديد باقى الصحف المستقلة بالمصير نفسه، وأخيرا وليس آخرا ينتقلون إلى الإسكندرية لعقاب المحاصرين لمسجد القائد إبراهيم يوم الجمعة قبل الماضية احتجاجا على انحياز خطيبه لرأى التيار الدينى فى مسألة الدستور، ورغم غياب المبادرة من الشرطة فإن قوى المعارضة المدنية لم تكن لقمة سائغة «لحازمون» بأى حال، وكلها أحداث تنذر بحرب شوارع أهلية. حدث هذا كله دون أدنى رد فعل من قِبل رئيس الجمهورية، فلا تحقيق مع متهمين ولا حتى إدانة لفظية لكل ما فعلوه رغم ما ترتب عليه من تعطيل لمؤسسات الدولة وإخلال بالسلم الأهلى، والسكوت علامة الرضا رغم أن الرئيس حرص على الإعراب عن سعادته البالغة بمعارضيه كدليل على أن مصر أصبحت ديمقراطية.

 

●●●

 

والآن بعد أن أصبح لنا دستور يفترض أن غالبية الشعب قد وافقت عليه ما هى المشكلات التى سوف تواجهنا؟ لن أكرر الحديث عن مواضع عوار الدستور، لكن ثمة ملاحظات يحسن بنا أن نتذكرها. هناك أولا أن مشروع الدستور قد وُضِع عن طريق جمعية تأسيسية استند تكوينها إلى مفهوم غير أكيد للأغلبية، وإذا كان إثبات هذا صعبا على صعيد الانتخابات التشريعية فإنه سهل فى الانتخابات الرئاسية، حيث حصل رئيس الجمهورية على أغلبية 51.7% من الأصوات مقابل 48.3% لخصمه، وهو ما يعنى أن معارضى التيار الدينى قد بلغت نسبتهم النصف تقريبا، بل إنه من المرجح أن تزيد النسبة عن النصف لأن عددا كبيرا ــ وإن كان حسابه بدقة مستحيلا ــ ممن أدلوا بأصواتهم لصالح د.محمد مرسى لم يكونوا من مؤيديه وإنما من الخصوم الألداء لخصمه الفريق أحمد شفيق باعتباره «كبير الفلول»، وكان من الواجب مراعاة هذا الميزان «التعادلى» الجديد فى تشكيل الجمعية التأسيسية.

 

 من ناحية ثانية تم وضع مشروع الدستور بعيدا عن خبرة أساتذة القانون الدستورى فى مصر، وبعضهم وضع دساتير بلدان عربية وأفريقية عديدة، ومن هنا جاءت العيوب العجيبة والعبارات الركيكة فى مشروع الدستور، ناهيك عن أنه لم يطرح لمناقشة شعبية واسعة كان من شأنها أن تفضى إلى إدخال تعديلات عليه لأنه لم ينزل علينا من السماء وإنما وضعته جمعية تأسيسية معيبة التشكيل، وهكذا استند التصويت فى الاستفتاء على مشروع الدستور إلى الانتماءات السياسية وليس إلى تمحيص لمواده. والملاحظة الثالثة أن الدستور قد أقر «سياسيا» من قِبل قلة قليلة من الشعب فإذا كانت نسبة المشاركة فى الاستفتاء تزيد على 30% بقليل (وسنرفعها إلى الثلث تسهيلا للحساب) ونسبة الموافقين تقل قليلا عن الثلثين (وسنرفعها أيضا إلى الثلثين للاعتبار السابق نفسه) فإن هذا يعنى أن نسبة الموافقين من الهيئة الناخبة على مشروع الدستور هى 2/9 (ثلثا الثلث) أى أنه من بين كل تسعة من أعضاء الهيئة الناخبة وافق اثنان فقط على مشروع الدستور، وقد يقال بحق إن هذا ينطبق على معارضى المشروع (ثلث الثلث) أى أن نسبتهم هى واحد من كل تسعة، غير أننى أتحدث الآن عن الشرعية السياسية للدستور وليس عن قوة المعارضة أو ضعفها، ويذكرنا هذا بأن نسبة المشاركة فى انتخابات مجلس الشورى الذى أناط به دستور مصر «الثورة» مهمة التشريع لم تتجاوز 10% وهذه كارثة تشريعية، فضلا على أن عدد الأعضاء المعينين فيه يقلل من تمثيله للشعب.

 

●●●

 

لا شك أن كل ما سبق سوف يؤدى إلى أزمة سياسية ممتدة، إذ إنه كلما تجلى أحد عيوب الدستور فى التطبيق سوف ينتفض الرافضون، وقد يتصاعد رفضهم إلى الدرجة التى تسبب عدم استقرار متزايد قد يؤدى إلى أوخم العواقب. وهذا يتطلب منا جميعا التفكير فى حلول جادة من أجل مستقبل آمن ووطن ديمقراطى حر.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية