سنغافورة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 3:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سنغافورة

نشر فى : السبت 28 مارس 2009 - 8:58 م | آخر تحديث : السبت 28 مارس 2009 - 8:58 م

 حذرنى أصدقائى قبل سفرى إلى سنغافورة تحذيرا شديد اللهجة: احترس.. إذا ألقيت ورقة فى الشارع فسوف يقبض عليك فى حينه، وسوف تقوم بدفع مبلغ خمسمائة دولار بصورة فورية، أما اللبان فممنوع بيعه قانونا ــ يا صديقى ــ فهو خطر على نظافة المدينة. كن مستعدا للقاء أنظف دولة فى العالم. أدركت عند وصولى إلى سنغافورة أن الصيت ولا الغنى، وأن السمعة التى تتبختر بين آذان البشر عن دولة ما، هى صناعة لا تقل أهمية عن صناعة الحديد والصلب. فهناك صنع فى اليابان، والنظام الحديدى الألمانى والرفاهية الفرنسية أما فى سنغافورة فالسمعة التى تم صناعتها هى النظافة السنغافورية، دليلا على الرقى الحضارى الذى وصلته البلاد. ولكننى عند وصولى إلى الفندق ويا للهول وجدت ورقة مطوية صغيرة ملقاة فى الشارع أمام المدخل، فرسمت الصدمة على وجهى وأنا أشير إلى الورقة لمضيفى السنغافورى، فألقى من توه الاتهام على أحد السائحين. بالطبع لا أنكر نظافة المدينة خاصة من قاهرى مثلى يعيش فى سلة مهملات داخل الجحيم، ولكنها بالتأكيد ليست أنظف من مدن كثيرة فى العالم.

قبل ذهابى، لم أكن أدرك كم هى صغيرة تلك الدولة المدينة الجزيرة، فالمسافة من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها حوالى خمسة وعشرين كيلومترا، ومساحتها الإجمالية، بما فيها الأربع والستون جزيرة التابعة لها، تقل عن ربع مساحة مدينة القاهرة. وبتعداد سكانها الذى يبلغ الأربعة ملايين والنصف مليون نسمة احتلت سنغافورة ثانى أكبر كثافة سكانية فى العالم بعد موناكو. ولكن رغم ذلك فالسيولة المرورية هناك ظاهرة حسدتهم عليها بلا رحمة. وجدت أن السيارات أقل عددا من الحافلات وسيارات الأجرة، وبالسؤال علمت أن ثمن السيارات هناك أعلى من قيمتها فى دول العالم بحوالى الثلاثة أضعاف. فهم، انقاذا للحالة المرورية، قد رفعوا من قيمة الضرائب على السيارات بصورة مبالغ فيها متبعين سياسة وزارة المالية المصرية، ولكننا فى مصر لم نستطع مثلهم تحقيق أىة سيولة مرورية.

رغم أن النشيد الوطنى السنغافورى باللغة المالاوية إلا أن كل ما يحيط بك هناك هو صينى. فالصينيون يشكلون 77% من إجمالى السكان والمالاوىون 14% والهنود 8%، وبالتالى فالديانة البوذية هى الديانة الأكثر انتشارا. وقد تم دعوتى فى ليلتى الأولى هناك على مسرحية صينية، وكانت تلك المسرحية بمثابة لقائى الأول بالفن المسرحى الصينى وجها لوجه. كانت المسرحية تنتمى إلى مسرح «باينج» وهو مسرح العاصمة الذى ولد فى نهاية القرن الثامن عشر، والذى يشتمل على الموسيقى والرقص والأكروبات، مسرح الملابس زاهية الألوان المرتبطة بالتاريخ القديم للصين، مسرح الحركة المجردة والمحملة بالإيحاءات الرمزية، الممثلون: مغنون أو راقصون أو مهرجون أو لاعبو أكروبات يجسدون عادة شخصيات من العالم الأسطورى أو الإلهى أو الحيوانى لتقديم الانتصارات العسكرية الصينية، ويعتمد مسرح «بيانج» على الماكياج الفولكلورى الصينى والأقنعة الضخمة التى يرتديها أحيانا أكثر من ممثل. قاموا بتعريفى بعد المسرحية على الممثل الرئيسى الذى شاهدته على خشبة المسرح عملاقا مهيبا ولكننى فوجئت به يصل إلى كتفى بالكاد، وكان لقاؤنا بدء تعرفى على حضارة تلك الدولة الصغيرة.

خضنا سويا فى الحى الصينى والحى الهندى والشارع العربى، ذهبنا إلى السفارى الليلية أحد أهم أماكن الجذب السياحى هناك مثلها مثل ديزنى لاند فى الولايات المتحدة، اكتشفت معه المفارقة الغريبة بين انفتاح تلك الدولة اقتصاديا وانغلاقها سياسيا، حكى لى أن الصحف الماليزية ممنوعة من الدخول، بعض المطبوعات الصحفية العالمية يتم مصادرتها، حق التظاهر والإضراب ليس حقا فى سنغافورة، وإنما نشاط ضد القانون، إلا إذا حصل المتظاهرون على الموافقة الأمنية، رئيس الجمهورية لم يتم انتخابه، حيث كان المرشح الوحيد للرئاسة. الرقابة قوية وحاضرة. رأس حكومة سنغافورة منذ استقلالها عام 1965 وحتى الآن ثلاثة رؤساء وزارة فقط لا غير، فيما يطلق عليه بالديمقراطية الشمولية.

ولكن رغم ذلك فإن الجميع يعمل بكل جدية على استمرار التقدم الاقتصادى، وقَّع الشعب السنغافورى على العقد الاجتماعى الذى تحدث عنه «جان جاك روسو» وأصبح تحت مظلة مشروع اقتصادى ناجح يدر على الجميع ربحية عالية. الجميع هناك سعداء بالديكتاتور العادل، أما الوحيد الذى يشكو من الشمولية السياسية هى الدول الغربية. وبدأ يقوم بتعريفى على بعض أصدقائه. كل من قابلت أكد لى أنهم سعداء بالمنظومة التى وضع أسسها «لى كوان يو» أول رئيس وزراء للبلاد الذى استمرت حكومته خمسة وعشرين عاما. ونتيجة لانضواء الشعب تحت مظلة مشروع واضح فتجد أن نسبة الجريمة فى سنغافورة هى واحدة من أقل النسب فى العالم. وقد كرر أكثر من شخص على مسامعى شعار المرحلة وهو «لسنا الأغنى، ولسنا الأقوى، ولسنا الأكثر عددا، فعلينا إذا لكى نحصل على مكان تحت الشمس بأن نكون من ضمن الأكثر قدرة وتعليما». وقد وقفت معهم هناك لأيام قليلة تحت شمس خط الاستواء، فقد وصل نصيب الفرد من الدخل القومى فى سنغافورة إلى اثنين وخمسين ألف دولار أمريكى، فى حين أنه فى مصر حوالى خمسة آلاف وخمسمائة دولار أمريكى، ووصلت صادراتهم إلى 236 مليار دولار فى العام، فى حين بلغت صادراتنا 33 مليار دولار. حاجة تكسف.

خالد الخميسي  كاتب مصري