دلالات الضجة المفتعلة حول كوريا الشمالية - محمد السيد سليم - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 8:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دلالات الضجة المفتعلة حول كوريا الشمالية

نشر فى : الثلاثاء 28 أبريل 2009 - 7:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 أبريل 2009 - 7:25 م

 فى أول اختبار لإدارة أوباما فى الملف الكورى الشمالى أثبتت تلك الإدارة أنها لا تختلف عن إدارة بوش فى شىء. فقد هاج التكتل الشرق آسيوى بقيادة الولايات المتحدة ومعها اليابان وكوريا الجنوبية لأن كوريا الشمالية أطلقت فى 5 أبريل ما تعتقد تلك الدول أنه اختبار لصاروخ بعيد المدى، واعتبر هذا التكتل أن هذا العمل يهدد السلام والأمن الدوليين، وذهب إلى مجلس الأمن يطالب بفرض عقوبات على تلك الدولة.

قالت كوريا الشمالية إنها أطلقت صاروخا يحمل قمرا صناعيا إلى الفضاء الخارجى، ولكن تلك الدول أصرت على أن ما أطلق هو صاروخ بعيد المدى يتم تجريبه ويمكن أن يحمل رءوسا نووية. وقامت باستصدار بيان رئاسى (وليس قرار) من مجلس الأمن يدين كوريا الشمالية، التى ردت على البيان باستئناف برامجها النووية فيما عُد فشلا لأوباما فى إدارة الملف الكورى الشمالى.

بدأ التدهور الأمنى فى شبه الجزيرة الكورية مع مقدم جورج بوش إلى الحكم سنة 2001، والذى بادر فى خطابه عن «حالة الاتحاد» فى 29 يناير سنة 2002 بإعلان أن كوريا الشمالية تنتمى ــ مع العراق وإيران ــ إلى ما أسماه «محور الشر».

هذا رغم أن كوريا الشمالية كانت ملتزمة حتى ذلك الوقت «بالاتفاق الإطارى» الذى وقعته مع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية سنة 1994. وكان هذا الاتفاق يقضى بوقف البرنامج النووى الكورى الشمالى، مقابل بناء مفاعلين نوويين فى كوريا الشمالية يعملان بالماء الخفيف لإنتاج الطاقة الكهربائية، وتسليم كوريا الشمالية نصف مليون طن من النفط سنويا إلى حين تشغيل المفاعلين. ولكن الدول الملتزمة ببناء المفاعلين لم تف بتعهداتها.

كذلك بدأت كوريا الشمالية فى الحوار مع كوريا الجنوبية والذى بلغ ذروته فى زيارة الرئيس الكورى الجنوبى كيم داى جونج إلى بيونج يانج سنة 2000. أوقف جورج بوش كل ذلك وقام بإلغاء الاتفاق الإطارى من جانب واحد، وأنهى الحوار بين الكوريتين.

ومن ثم قامت كوريا الشمالية بإعلان انسحابها من معاهدة الانتشار النووى واستئناف برنامجها النووى، وهى الآن تمتلك عددا غير محدد من الرءوس النووية، وترسانة من الصواريخ بعيدة المدى يكفى لردع أى هجوم أمريكى عليها. وفى 5 يوليو سنة 2006 أظهرت للولايات المتحدة قدراتها الصاروخية حين أطلقت ستة صواريخ طويلة المدى من طراز تابو دونج-2.

وقد ردت الولايات المتحدة باستصدار قرار مجلس الأمن رقم 1695 الذى يطالب كوريا الشمالية بوقف كل أنشطتها المتعلقة بالصواريخ الباليستية. لم تعبأ كوريا الشمالية بالقرار. ففى 9 أكتوبر سنة 2006 أعلنت أنها قد أجرت أول اختبار لرأس نووى حربى.

وقد ردت الولايات المتحدة مرة أخرى باستصدار قرار مجلس الأمن رقم 1718 فى 14 أكتوبر سنة 2006، والذى طالب كوريا الشمالية بوقف تجاربها النووية بل والتخلى عن كامل برامجها لنووية، وعودتها إلى اتفاقية منع الانتشار النووى، بل ويرفض عليها حظرا لواردات السلاح بالإضافة إلى حصار اقتصادى.

ولما فشلت تلك الأدوات العقابية عادت دول التكتل الثلاثى إلى صيغة المحادثات السداسية، والتى أسفرت المحادثات عن التوصل إلى اتفاق أعلن فى فبراير سنة 2007، والذى يقضى بوقف مفاعل يونج بيون فى خلال ستين يوما، والإفصاح عن البرامج النووية بنهاية سنة 2007 مقابل معونة نفطية واقتصادية.

روجت آلة الدعاية الأمريكية لفكرة أن كوريا الشمالية وافقت على إنهاء برامجها النووية بالكامل مقابل معونة نفطية. وهو أمر لم يكن متصورا أن يحدث. فكيف وافقت على إنهاء قدرتها النووية مقابل معونة نفطية، وهى تعلم أن تلك القدرة هى التى منعت الولايات المتحدة من تكرار السيناريو العراقى معها. ولكن آلة الدعاية كانت تحاول أن تحصل لإدارة بوش على نصر سياسى، ولو بكذبة دولية أخرى سرعان ما انكشفت.

كان هدف كوريا الشمالية من المحادثات السداسية هو كسب الوقت انتظارا لرحيل إدارة بوش.

ولتحقيق هذا الهدف قامت علنا بنسف برج مفاعل يونج بيون وسلمت إدارة بوش حوالى 19 ألف صفحة ما أسمته «وثائق» برنامجها النووى باللغة الكورية، وأعادت مفتشى وكالة الطاقة الذرية الدولية، وأعلنت أنها قد التزمت بتنفيذ ما تعهدت به فى اتفاق فبراير سنة 2007، ولكن دول التكتل الشرق آسيوى لم تف بالتزاماتها بتقديم المعونة إلى كوريا الشمالية بدعوى أن ما قدمته الأخيرة من تقارير لم يكن كافيا.

وقد أدى ذلك إلى تجميد المحادثات السداسية التى عقدت آخر اجتماع لها فى سبتمبر سنة 2007. ولكن كوريا الشمالية استمرت فى الوفاء بالتزاماتها الأخرى.

فى 5 أبريل من هذا العام قامت كوريا الشمالية بإطلاق صاروخ بعيد المدى وقالت إن الهدف منه وضع قمر صناعى فى الفضاء الخارجى، ولكن روسيا والولايات المتحدة قالتا إن كوريا الشمالية لم تطلق قمرا صناعيا.

كما أضافت اليابان أن التجربة الصاروخية فشلت. ولكنها قادت الحملة الغربية لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن. ولكن إزاء المعارضة الصينية والروسية اكتفى المجلس بإصدار بيان رئاسى يدين كوريا الشمالية ويطلب منها مرة أخرى العودة إلى المحادثات السداسية.

وقد ردت كوريا الشمالية على ذلك البيان بإعلان انسحابها من المحادثات السداسية، كما طردت مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأعلنت أنها ستستأنف العمل فى مفاعل يونج بيون وأنها ستقوم بنفسها ببناء مفاعل نووى يعمل بالماء الخفيف لتوليد الكهرباء. وهكذا انهار كل الانجاز الذى تحقق فى سنة 2007 نتيجة رد الفعل المبالغ فيه من دول التكتل الشرق آسيوى، وهو الرد الذى لم يكن متكافئا أبدا مع التجربة الصاروخية الكورية الشمالية وكان الهدف منه ردع هذه الدولة عن التفكير فى تجارب مماثلة فى المستقبل.

بالغت دول التكتل الشرق آسيوى فى خطورة التجربة الكورية الشمالية لأسباب لا علاقة لها بتلك التجربة. فالدول الثلاث تمتلك من القوة الدفاعية والهجومية التقليدية والنووية ما يمكنها من التصدى لأى هجوم كورى شمالى، وهى جميعا تتمتع بحماية المظلة النووية والحوائط الصاروخية الدفاعية الأمريكية. ولا يمكن أن تمثل تجربة صاروخية، إن صحت، تهديدا حقيقيا لتلك الدول.

فالحق أن تلك الدول هى التى تهدد كوريا الشمالية بما تملكه من ترسانات هائلة من السلاح، وبما تفرضه عليها من حصار اقتصادى وعسكرى، يسعى إلى منعها من تصدير السلاح إلى بعض الدول العربية وإيران. ومن ثم فان الهدف هو ردع ــ أى إرهاب ــ كوريا الشمالية لوقف أى تجارب صاروخية لردع اعتداء عليها.

كما كشفت الأزمة عن أن سلوك إدارة أوباما فى الملف الكورى الشمالى لا يختلف عن سلوك إدارة بوش، ولكنها كشفت عن رفض انصياع روسيا والصين هذه المرة لطلب إصدار قرار جديد من مجلس الأمن بما يوحى بتعمق التوجه نحو القطبية التعددية العالمية. ويظل الدرس الكورى الأساسى هو أن توازن القوى بما فى ذلك توازن القوى النووى هو الذى يضمن الأمن. فما جعل الولايات المتحدة تحجم عن غزو كوريا الشمالية هو امتلاكها السلاح النووى فى الوقت الذى غزت فيه العراق وأفغانستان.

بعد يومين فقط من التجربة الكورية الشمالية قامت إسرائيل بإجراء تجربة على إطلاق صاروخ من طراز «حيتس آرو» المضاد للصواريخ، وهو صاروخ تم تطويره بدعم أمريكى. لم يتحرك مجلس الأمن لإدانة التجربة الصاروخية الإسرائيلية أو دعوة إسرائيل عن وقف برامجها الصاروخية، وبدا أن الدول العربية ذاتها غير مكترثة أصلا بالقضية. كذلك فإن مجلس الأمن دعا كوريا الشمالية إلى العودة إلى اتفاقية منع الانتشار النووى فى الوقت الذى لم يناقش فيه أصلا توجيه دعوة مماثلة إلى إسرائيل للانضمام إلى الاتفاقية ذاتها.

محمد السيد سليم أستاذ العلوم السياسية بجامعتى الكويت والقاهرة. حصل على الدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة كارلتون بكندا سنة 1979. متخصص فى العلاقات الدولية والدراسات الآسيوية. أسس مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة وأداره بين عامى 1994 ، 2003. كما أسس برنامج الدراسات الماليزية بجامعة القاهرة سنة 2003. حصل سنة 2008 على جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية من جمهورية مصر العربية.
التعليقات