خيط الذهب الضائع - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خيط الذهب الضائع

نشر فى : الثلاثاء 28 يوليه 2009 - 8:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 يوليه 2009 - 8:55 م

 سفاح المهندسين، شأنه شأن غيره من السفاحين، قتل بدم بارد أو ساخن عددا من الأبرياء أو المذنبين، ونجح فى الهرب من العدالة مرة تلو المرة، لكن حياته تنتهى، كما غيره، بالإعدام شنقا. إنها القصة المكررة، تظهر كل عدة سنوات، فى مناطق مختلفة، وفى أشكال متباينة، وقد تبدو الأحداث، فى مظهرها، متشابهة، خاصة إذا جردتها من التفاصيل، ولكن بشىء من التأنى والتأمل والتفكير، تتبين أن لكل قصة خصوصيتها، جانبها الرمادى، الخفى، الذى ينتظر الفنان القادر على النفاذ ببصيرته إلى تلك الزاوية التى قد يعلوها الضباب، والتى من الممكن أن تغدو دلالتها، أوسع وأعمق من الدرس المتمثل فى الجريمة والعقاب، بشرط أن يتمكن الفنان من رصدها، وتسليط الضوء عليها.

إنها أقرب لخيط الذهب الذى يحتاج لمن يلتقطه، ويزيح أكوام القش التى تخفيه.

سيناريو «السفاح» كتبه خالد الصاوى بمشاركة عطية الدرديرى عن فكرة لأحمد عكاشة، وهو نقيب الشرطة الذى حقق فى تلك القضية الشهيرة، والواضح أنهم، مع المخرج سعد هنداوى، غرقوا فى أوراق القضية بدلا من أن يسيطروا عليها، لذا بدا الفيلم مثل غيره من الأفلام التى تتعرض للمناخ الذى يساهم فى صنع المجرم: أب عنيف، منفصل عن أم لاهية تعشق صغار السن، إصلاحية أحداث تضم صبية أشرارا، الصبى يصبح شابا ضائعا، يذهب للعراق مرتزقا وليس عن إيمان، ليشارك فى الحرب ضد إيران، ومنها لبيروت لينضم إلى القتلة المحترفين، ثم يعود للقاهرة لينخرط فى عالم الجريمة، معتمدا على ذكائه وثبات أعصابه ومظهره المتأنق، على النحو الذى بينه هانى سلامة.

فى الفيلم خيوط كثيرة، متراكمة، متزاحمة، ومن بينها ذلك الخيط الذهبى الموجود أصلا فى القضية، والذى كان جديرا به أن يغدو محور الفيلم وركيزته الجوهرية، فالوقائع تقول إن المجرم دخل فيللا دكتورنا المرموق «أحمد شفيق» مبيتا أمرا، وظل هناك، طوال الليل، وخرج دون أن يقتل أحدا.

ماذا حدث فى هذه الساعات؟ هنا الزاوية الشديدة الأهمية، التى كان يليق بالفيلم أن يبدد الضباب المحيط بها، خاصة أن الذى أدى دور الدكتور فناننا الكبير نبيل الحلفاوى، معبرا بقوة عن الكرامة والجلد، ومما لا شك فيه أن هذه الساعات، واقعيا، شهدت صراعات نفسية وفكرية، ساكنة ومتصاعدة ومتصادمة، وربما جسمانية أيضا، ربما كان من الأوفق أن يكرس الفيلم نفسه لهذه الساعات، وأن تتوالى الـ«فلاش باكات» أثناءها.

نعم، من المهم أن نعرف كيف يقتل المجرم، لكن الأهم أن ندرك كيف لم يجرؤ السفاح على القتل.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات