فقه العلاقات الدولية (7) السلام وإعداد القوة.. تكامل لا تناقض - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية (7) السلام وإعداد القوة.. تكامل لا تناقض

نشر فى : الجمعة 28 سبتمبر 2012 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 28 سبتمبر 2012 - 9:30 م

السلام كما اتفقنا ليس شعار الإسلام فحسب، ولكنه أصل علاقاتهم سواء فيما بينهم أو مع غيرهم من الشعوب، وقد يسأل سائل ما دام السلام هو الأصل فلماذا يدعو القرآن إلى صناعة القوة وإعدادها؟ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ)؟

 

ونلاحظ أن الأمر الإلهى ليس بإعداد القوة الحربية المجردة والخاصة بالردع، بل دعا القرآن إلى تكليفين منفصلين يدعم ثانيهما الأول إذا عجز الأول عن تحقيق المقصود، فالأول هو إعداد سائر القوى المدنية، والثانى هو إعداد القوة العسكرية.

 

فأولا: الدعوة إلى إعداد القوة المدنية والمتمثلة فى:

 

● القوة العلمية: وهى قدرة امتلاك أسباب العلم (العلم والتكنولوجيا فى جميع المجالات).

 

● القوة الاجتماعية: التى تتحقق من توافر منهجية التربية والتعليم والاعلام والثقافة.الخ.

 

● القوة الصحية: وهى التى توفر للشعب أسباب المناعة والوقاية والعلاج.

 

● القوة الاقتصادية: التى تقوم بحاجات المجتمع (طعام / شراب / كساء / سكن)

 

● القوة الدبلوماسية: وهى جميع قنوات التواصل مع الأمم والدول والمنظمات بما يبقى أبواب الحوارات مفتوحة لمنع تحول السلبيات إلى أزمات

 

● القوة الإعلامية: الكفيلة بدوام تجلية صورة الدولة وشعبها كدولة قوية متحضرة أمام الآخرين، وهذا هو أهم ما يدعو إليه (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ..)

 

وتلك القوى هى أهم ألوان الجهاد الإعمارى الكفيلة بإنجاز هدفين هما:

 

● استثمار الطاقات البشرية فى إبداع مقومات الحياة.

 

● توفير ضرورات المجتمع لمنع العدوان بحثا عن الإشباع.

 

ونكرر أن الجهاد بالمال هو حسن استثمار جميع عناصر الانتاج واستخراج خيرات جميع الموارد ليس سعيا بل لامتلاك ما نقدمه للغير دعما لحياته واستقراره، ودعوة له للتفكير منعا لكل احتمالات الحرب.

 

وكذا جهاد النفس هو إلزامها بأنواع مختلفة من العلوم والفنون وألزامها بمستوى أعلى من الآداب والعلاقات مع الآخرين بما يعنى تأديب النفس وتوجيهها للسلام، فهذا الذى ذكرناه هو بعض ما يدعو إليه قول الله (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ..)

 

وإذا أردت ألا يغيب عنك معنى القوة التى يطلبها الإسلام فتذكر أساليب الصراع بين الدول من حرب اقتصادية، وأخرى اعلامية، وثالثة دبلوماسية، وحرب بيولوجية، ودوائية بل قد نوعوا الحروب الاقتصادية إلى (حرب احتكار / غذاء / مياه...الخ)

 

فإذا تذكرت هذه الحروب فاعلم أن الإسلام قد دعا مبكرا لإجهاض هذه الحروب حين دعا إلى إعداد القوى المختلفة قبل إعداد آلة الحرب.

 

التكليف الثانى: هو إعداد القوة العسكرية: (......وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ....) فرباط الخيل هو الرمز القرآنى لإعداد القوة العسكرية امتلاكا لأسباب القوة الكفيلة بإقرار السلام،

 

ويفرق فقهاء الاستراتيجية الإسلامية بين أربعة مستويات للقوة العسكرية

 

● قوة اليقظة الحامية والكفيلة بتخويف من يفكر فى العدوان (... تُرْهِبُونَ بِهِ....).

 

● قوة الصد وإجبار المعتدى على الرجوع عن العدوان (... بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...).

 

● قوة الردع وهى قوة حسم الحرب وإجبار المعتدى على طلب إيقافها (....فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ..).

 

● قوة التدمير والإبادة وهى قوة اقتلاع الآخر وإبادته (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ...) وهذه هى الحرب المحظورة على المسلمين التورط فيها أو الاشتغال بها، وتتجلى عبقرية المسلمين وقوتهم فى فنون تجنب تدمير الآخرين لأى سبب حتى وأن بقى المعتدى يحاول الرجوع (... وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا...)

 

التعبير الثالث فى الآية: (.... تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ...)

 

هكذا فالمطلوب من إعداد القوة ليس العدوان / وليس القتال / وليس الحرب، بل إعداد القوة هو تكليف بوقاية السلام والمحافظة عليه، وذلك بتحقيق الرهبة العقلية لدى الآخر فتجعله غير راغب فى العدوان، فيصبح العالم أمام نوعين من الشعوب والدول:

 

أولهما: المسلمون وهم ممنوعون من العدوان وتصعيده وتمديده

 

والآخر: غير مسلمين وهم يرون بأعينهم المسلمين الأقوياء لا يعتدون ولا يظلمون فيظلل السلام العالم وتنتفى الحرب.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات