عن شروط نجاح مبادرة حكومة الإنقاذ - عمرو عبد الرحمن - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 6:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن شروط نجاح مبادرة حكومة الإنقاذ

نشر فى : الثلاثاء 29 نوفمبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 29 نوفمبر 2011 - 8:00 ص

بغض النظر عن أى تحفظ حول التوقيت أو الطريقة التى تم بها إعلان مبادرة حكومة الإنقاذ الوطنى من ميدان التحرير إلا أن هذه المبادرة تستحق الدعم. فللمرة الأولى منذ رحيل مبارك يتبلور قدر ملحوظ من التوافق حول عدد من الأسماء الساعية لتمثيل قوى الثورة الموزعة عبر مختلف التيارات والتفاوض باسمها... هذا فى حد ذاته مكسب جوهرى، إذ ينبغى ألا يغيب عن أذهاننا أن مأزق قوى الثورة المصرية يتمثل فى عجزها عن تسلم السلطة بالأصالة عن نفسها أو حتى تشكيل ضغط منظم على المجلس العسكرى خلال الفترة الماضية. وبالتالى، فالمجهود الأكبر يجب أن ينصب على تحويل هذه الحكومة المفترضة «لمجلس ثورة» طال انتظاره يسعى لمنازعة المجلس العسكرى سلطاته أكثر من السعى للتكليف الفورى من قِبل المشير كمخرج للأزمة. قد لا ترى الأسماء المطروحة مهتمها على هذا النحو.. وربما يسعى بعضها لتوظيف ضغط الشارع للتوصل لاتفاق «جنتل مان» حول صلاحيات الحكومة يسبق قبول التكليف برئاستها. كل هذا وارد.. ولكن ما يعنينا هنا هو تحديد رؤية مبدئية لكيفية انخراطنا فى هذه المعركة بغض النظر عن القدر الذى يمكن إنجازه من هذه الرؤية على الأرض. هذه الرؤية يمكن تلخيصها فى أربعة محددات.

 

أولا: فى ضوء توصيف حكومة الإنقاذ المفترضة كمجلس للثورة، تصبح مهمتها الأولى هى بناء كيان تنفيذى يتحدث باسمها ويدير المهمات اليومية على الأرض. كم كان عبثيا أن تنشغل بعض الوجوه المؤيدة لهذه المبادرة بممارسة التمرين المحبب للنخبة المصرية فى توزيع الحقائب الوزارية المفترضة فيما بينها إظهارا لجدارتها وأن «البلد لم يعدم الكفاءات»! لا مجال الآن للحديث بلسان «الضمير» أو الحركة بذهنية «ألا قد بلغت». المطلوب من هذه الأطراف المهتمة تشكيل فريق عمل يلتف حول هذه المبادرة سريعا وفقا لتوزيع واضح للأدوار.

 

ثانيا: ثانى استحقاقات هذا الكيان الجديد هو محاولة توسيع قاعدة التوافق المبدئى حول الأسماء المقترحة تدعيما لموقعها التفاوضى. ومن ثم ففتح قناة حوار على أى مستوى مع الإخوان والقوى الإسلامية ضرورة لا تحتمل التأجيل. أعلم أن مواقف الإخوان الأخيرة غير مشجعة ولكن لا بديل عن هذا الحوار على الأقل لضمان تحييدهم وعدم تجييشهم ضد هذه المبادرة بوصفها محاولة تستهدف الالتفاف على أغلبيتهم البرلمانية المحتملة. بوضوح أكبر، عندما نتحدث عن تفاوض تديره هذه الأسماء فهو فى المقام الأول تفاوض مع الإخوان قبل أن يكون تفاوضا مع المجلس العسكرى.

 

ثالثا: لا يجب القياس إطلاقا على خبرة الثمانية عشر يوما التى أطاحت بمبارك أو افتراض إمكانية الإطاحة بالمجلس العسكرى من خلال اعتصام ميدان التحرير وباتباع تكتيكات تدور كلها فى فلك فكرة العصيان المدنى الشامل. على العكس، يجب أن نجهز أنفسنا لمعركة طويلة قد تمتد لما بعد الانتخابات البرلمانية. فمن جهة أولى، يتمتع المجلس العسكرى بغطاء سياسى لم يتوافر لمبارك ممثلا فى العديد من القوى يأتى الإخوان فى القلب منها، وذلك على الرغم من التباعد الواضح عن المجلس خلال الأسابيع الأخيرة. فكما هو واضح، لم تنجح التعبئة الواسعة خلال الأسبوع الماضى فى اجتذاب الإخوان إلى ميدان التحرير مرة أخرى، بل تمكن التنظيم المحنك من الانحناء للعاصفة وتجاوز الأزمة سريعا وعاد بالأمور للمسار الذى يفضله وهو الانتخابات. ومن جهة أخرى، من الواضح أن المجلس العسكرى يسبق حركتنا بخطوة أو خطوتين هذه المرة على العكس من جميع المواجهات السابقة. على سبيل المثال، نجح المجلس العسكرى فى إرباك قوى الثورة وتأخير خطوة إعلان حكومة إنقاذ وطنى من الميدان مستخدما عددا من بالونات الاختبار كتكليف البرادعى برئاسة الحكومة ثم تسريب اسم عمرو موسى وتسريب شائعات كتسليمه السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا أو رئيس المجلس الأعلى للقضاء. استفاد المجلس كذلك من تلكؤ قوى الثورة التقليدى. فقد كان من الواجب إعلان مبادرة حكومة الإنقاذ يوم الثلاثاء فى ظل الحشد المليونى ووجود رأى عام معبأ ضد الشرطة والمجلس العسكرى ومنحاز تماما لميدان التحرير لأول مرة منذ شهور طويلة. يعود هذا التلكؤ لنفس السبب العقدة، أى غياب التوافق داخل معسكر قوى الثورة وتشتتها التنظيمى الذى يجعل من التوافق على قرار ملح لا يحتمل التأجيل مهمة شاقة تستغرق أياما.

 

رابعا: فى ضوء عامل الوقت ذاك لا تمتلك قوى الثورة رفاهية مقاطعة أو الانسحاب من الانتخابات البرلمانية. على العكس، يجب التعامل مع الانتخابات برؤية جديدة تستهدف توظيفها لخدمة مبادرة حكومة الإنقاذ الوطنى. فالتفاوض مع الإخوان لن يصل إلى نتيجة واضحة قبل أن تضع الانتخابات أوزارها ويتضح الوزن النسبى للقوى المختلفة. وبالتالى فأى حضور قوى فى البرلمان للقوى المؤيدة لمبادرة حكومة الإنقاذ سواء من الكتلة المصرية أو تحالف الثورة مستمرة وغيرها سيمثل غطاء سياسيا للمبادرة وضغطا إضافيا على الإخوان. هذا الضغط قد ينجح فى حده الأقصى فى قطع الطريق على عودة التوافق بين الإخوان والمجلس وكسبهم لخيار حكومة الإنقاذ أو قد يسفر فى حده الأدنى عن تحويل حكومة الإنقاذ تلك إلى مجلس للثورة ــ مدعوم بكتلة برلمانية قوية ــ قادر على مناطحة المجلس العسكرى وأى حكومة قادمة.

 

بدون هذه الشروط الأربعة ستتحول مبادرة حكومة الإنقاذ الوطنى إلى مجرد فرصة أخرى مهدرة تعزز من تشرذم وإحباط قوى الثورة وتفقدها ثقة القطاع الواسع المتذبذب من الجمهور، بل تفتح الطريق لتحولها لمجرد أداة فى مناورات وصراعات لا تدرك أبعادها. بعبارة أخرى، إما أن يتم التعامل مع مباردة حكومة الإنقاذ الوطنى كفرصة «لإنقاذ» قوى الثورة فى المقام الأول من مصير عزلها وتصفيتها وإلا فلا داعى للمضى قدما فى هذا الطريق من الأصل.

عمرو عبد الرحمن باحث دكتوراه فى جامعة أسيكس البريطانية
التعليقات