القدس.. من التحرير إلى التهويد - محمد السماك - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 12:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القدس.. من التحرير إلى التهويد

نشر فى : الأحد 29 يناير 2012 - 9:35 ص | آخر تحديث : الأحد 29 يناير 2012 - 9:35 ص

أقر الكنيست (البرلمان) الإسرائيلى مشروعا بإعلان مدينة القدس «عاصمة لإسرائيل وللشعب اليهودى». يعنى هذا القرار تجاوز قرار الأمم المتحدة لعام 1947 الذى قسم فلسطين إلى دولتين وأعلن القدس مدينة مدوّلة. ويعنى القرار أيضا تجاهل قرارات الأمم المتحدة الأخرى باعتبار القدس مدينة محتلة لأنها جزء من الأراضى الفلسطينية التى احتلتها القوات الإسرائيلية فى عام 1967. ويعنى كذلك الاستخفاف بقرار القمة الاسلامية التى عقدت فى الطائف فى عام 1979 والذى أوصى بوضع استراتيجية اسلامية موحدة لتحرير القدس برئاسة العاهل المغربى (الحسن الثانى).

 

فبين التحرير والتدويل، من الواضح أن الأمر يرسو الآن على التهويد.

 

لم يصدر قرار الكنيست الإسرائيلى فى هذا الوقت بالذات مصادفة. ذلك انه يتكامل مع قرار سبق أن اتخذه الكونجرس الأمريكى يعطى الرئيس الأمريكى مهلة تنتهى فى نهاية عام 2012 لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وهى عملية ترمز إلى الإقرار الأمريكى بأن القدس هى «عاصمة لإسرائيل وللشعب اليهودى».

 

ولابد هنا من الاشارة إلى ان عام 2012 هو عام الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة، حيث يتهافت المرشحون من الحزبين الجمهورى والديمقراطى إلى التودد لإسرائيل، والتزلف للوبى اليهودى لكسب أصوات اليهود الأمريكيين ودعمهم المالى والاعلامى.

 

فى حزيران ــ يونيو من عام 1967 احتلت إسرائيل مدينة القدس. كان على رأس القوات الإسرائيلية التى اقتحمت المدينة المقدسة الجنرال موشى دايان.

 

وفى الحادى والعشرين من شهر آب - أغسطس من عام 1969، أى بعد مرور عامين فقط على الاحتلال، امتدت يد الاجرام الصهيونية إلى المسجد الأقصى وأشعلت فيه النار. وقد أتى الحريق على 1500 متر مربع من اصل 4400 متر مربع هى مساحة المسجد الاجمالية، ودمّر الحريق كذلك منبر صلاح الدين الأيوبى ومسجد عمر ومحراب زكريا، ومقام الأربعين، وثلاثة أروقة من الأعمدة والأقواس والسقف وأجزاء من القبة الخشبية الداخلية و48 شباكا مصنوعا من الجص والزجاح الملون والسجاد وسورة الإسراء المصنوعة من الفسيفساء. كان الهدف من وراء تلك العملية تدمير الأقصى. لم تكن تلك المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة.

 

فقد جرت عدة محاولات قبل ذلك، منها محاولة تزنير المسجد بالمتفجرات ونسفه. ومنها محاولة قصفه بالقنابل المحرقة والمدمرة من الجو. ولم تفشل هذه المحاولات إلا بعد افتضاحها.

 

والسؤال الآن: ماذا فعل بالمقابل، العرب والمسلمون بعد سقوط القدس، وبعد اجراءات التهويد التى تتعرض لها؟

 

●●●

 

فى عام 1979، أى بعد عشر سنوات من حريق المسجد الأقصى، شكلت منظمة المؤتمر الاسلامى لجنة خاصة لوضع استراتيجية مشتركة لتحرير القدس. وبعد أكثر من ثلاثة عقود على تشكيلها، لابد من التساؤل عما حققته هذه اللجنة حتى الآن؟. ان الجواب الذى لا يحتاج إلى عناء بحث وتفكير هو: لا شىء. ولكن بالمقارنة، تأسست فى واشنطن «مؤسسة معبد القدس» برئاسة رئيس منظمة السفارة المسيحية الدولية مهمتها جمع التبرعات والمساهمات المالية لتدمير الأقصى وبناء الهيكل. وانشأت هذه المؤسسة فى مدينة القدس القديمة معهدا خاصا باسم «ياشيف اتيريت كوهانيم» اى معهد تاج الحاخاميين لإعداد الكهنة الذين سيخدمون فى الهيكل الثالث بعد بنائه بما فى ذلك مناسك التضحية بالحيوان.

 

كما موّلت عملية تجرى منذ سنوات لاختيار حجارة البناء وصقلها وتجميعها فى موقع خاص إلى ان تحين ساعة الصفر. وساعة الصفر، هى تدمير المسجد الاقصى.

 

وفى كتابه «The Last Great Planet Earth» يقول القس هول ليندسى مؤلف الكتاب، وهو من كبار منظرى الحركة الصهيونية المسيحية: «لم يبقَ سوى حدث واحد ليكتمل المسرح تماما أمام دور إسرائيل فى المشهد العظيم الأخير من مأساتها التاريخية. وهو اعادة بناء الهيكل القديم فى موقعه القديم. ولا يوجد سوى مكان واحد يمكن بناء الهيكل عليه استنادا إلى قانون موسى فى جبل موريا حيث شيد الهيكلان السابقان».

 

لقد وضع المهندس اليهودى «ايفى يوناه» تصميم الهيكل الثالث على اساس اقامته فى موقع المسجد. وأقرّت التصميم الحاخامية فى إسرائيل والدياسبورا. كما أقرّته المنظمات اليهودية المختلفة. يبقى تهديم وازالة المسجد الأقصى. فالقرار بالتهديم اتُخذ منذ عقود. وما القرار الجديد الذى اتخذه الكنيست إلا مرحلة جديدة من مراحل عملية التنفيذ.

 

فالحرم الشريف تغطى مساحته سدس مدينة القدس القديمة. ومنذ القرن السابع حتى اليوم، ولمدة 13 قرنا وبلا انقطاع ــ باستثناء 88 سنة من سيطرة الفرنجة «الصليبيين» ــ حافظ المسلمون على مقدسات القدس الاسلامية والمسيحية. ويتولى المجلس الاسلامى الاعلى وذراعه مؤسسة الأوقاف الاسلامية، ادارة الحرم الشريف، و35 مسجدا آخر، إلى جانب عدة مقابر ومواقع اسلامية داخل المدينة القديمة.

 

وعندما احتل الإسرائيليون المدينة القديمة، أزالوا بآلياتهم الحى المغربى ــ نسبة إلى المغرب ــ مما ادى إلى تشريد ما بين 5 الاف و6 الاف شخص كانوا يعيشون فى هذا الحى.

 

لقد أثارت عمليات ازالة البيوت والمدارس والمساجد اهتمام مدرسة التنقيب عن الآثار وهى مدرسة انجليزية معتمدة من منظمة الأونسكو. وخوفا على سلامة الصروح الاسلامية التراثية حول الحرم الشريف، أجرت المدرسة دراسة عن آثار العمارة الاسلامية منذ 1300 سنة، وركزت على الصروح التى يجب أن تحفظ، وأن يحافظ عليها، ليس احتراما للمقدسات الاسلامية، انما محافظة على تراث إنسانى تاريخى!!.

 

وتبيّن دراسة المدرسة الانجليزية أن هناك 30 صرحا اسلاميا فى المدينة القديمة من عهود الأمويين والعباسيين والأيوبيين، 79 صرحا من العهد المملوكى و37 بناء من العهد العثمانى. وتتحمل سلطات الأوقاف مسئولية معظم هذه المبانى التى تحدد معالم المدينة القديمة وأجواءها. وهى لذلك على درجة كبيرة من الأهمية فى تحديد معالم شخصيتها.

 

وهذه المعالم هى التى تعمل إسرائيل على إزالتها تكريسا لتهويد المدينة.

 

فمنذ أن حرّر عمر بن الخطاب الخليفة الإسلامى الثانى المدينة عام 638 ميلادية من البيزنطيين، بقيت المدينة عربية حتى عام 1099 عندما احتلها الفرنجة (الصليبيون) لمدة قرن من الزمن، عادت بعدها المدينة عربية إلى أن احتلها الانجليز فى عام 1917 بقيادة الجنرال أدموند اللنبى. يومها ردد اللنبى عبارته الشهيرة: «الآن انتهت الحروب الصليبية». غير أن الاحتلال البريطانى انتهى فى عام 1948 بقيام إسرائيل وبتقسيم المدينة المقدسة إلى شطرين، شطر غربى إسرائيلى، وشطر شرقى عربى. استمر هذا الوضع حتى عام 1967 عندما شنت إسرائيل الحرب على مصر وسوريا والأردن فاحتلت سيناء حتى قناة السويس، واحتلت مرتفعات الجولان بما فى ذلك جبل الشيخ، واحتلت الضفة الغربية من الأردن، بما فى ذلك القدس الشرقية وذلك فى اليوم الثالث من الحرب..

 

وبذلك أُخضعت المدينة لأول مرة منذ 1800 سنة إلى السيطرة اليهودية العسكرية والسياسية والادارية الكاملة!!. وهى تذوب الآن فى وعاء التهويد من خلال عمليات الاستيطان المكثفة، وطرد سكانها العرب، المسلمين والمسيحيين، ومصادرة بيوتهم أو تدميرها.. وكذلك من خلال تطويق المواقع المقدسة وتهديدها بالدمار.

 

●●●

 

والآن.. أمام التواطؤ الأمريكى والعجز الإسلامى، يعلن الكنيست، المدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل وللشعب اليهودى!!

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات