معركة الاستقطاب الوهمية - كريم سرحان - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 9:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معركة الاستقطاب الوهمية

نشر فى : الإثنين 30 أبريل 2012 - 8:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 أبريل 2012 - 8:15 ص

أدى سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 لاستشعار قطاعات من المسلمين الخطر على الهوية الإسلامية خاصة أن غالبية الدول الإسلامية كانت خاضعة لسيطرة الاستعمار الغربى. فظهر العديد من الحركات الإسلامية فى مختلف الدول العربية خاصة مصر بغرض إحياء مشروع إسلامى فى مواجهة المشروع الاستعمارى الغربى.

 

*** 

 

وشهدت العقود التى تلت ذلك حربا فكرية بين تيارين رئيسيين فى مصر الأول يرفع راية المشروع الإسلامى وشعارات الهوية والأصالة، والآخر يرفع راية مشروع تحديثى غربى وشعارات الحداثة والمعاصرة على الطريقة الغربية. 

 

وحاول كل من التيارين استقطاب المجتمع فى صف مشروعه ليواجه مشروع التيار الآخر.

 

بلغ الاستقطاب ذروته بين جيل شباب السبعينيات من القرن الماضى وظهر الاستقطاب الأيدولوجى حادا خاصة داخل الجامعات والنقابات، فهذا إسلامى وهذا يسارى وهذا قومى وذاك ليبرالى.

 

دارت الحرب بين هذه التيارات فى الإطار الفكرى والمنافسة داخل الجامعات والنقابات (فلم يكن مسموحا أن يتجاوز العمل السياسى هذا) وظل أثرها على الحياة السياسية فى مصر محدودا بسبب غياب الديمقراطية وعدم وجود آليات لتداول السلطة.

 

نتيجة لحالة الركود السياسى وعدم وجود آفاق لتغيير النظام السياسى بدأت قطاعات كبيرة من المجتمع تنصرف عن السياسة وفقدت اهتمامها بالحرب الفكرية الدائرة بين الأيديولوجيات السياسية. فظلت هذه الحرب محصورة بين مجموعات من النخب والمثقفين ساحاتها تقتصر على الندوات الثقافية ومقالات فى الصحف دون أن يكون لها انعكاس حقيقى داخل المجتمع المصرى.

 

ظهر بعد ذلك جيل جديد من الشباب هم شباب التسعينيات وشباب العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وبهم تيار على درجة من الوعى والثقافة يترقب وجود فرصة حقيقية فى المشاركة السياسية. تمتع هذا الجيل بميزة أنه لم يتعرض لانقسام فكرى وأيديولوجى حاد كما تعرضت له الأجيال السابقة.

 

إذا أصبحنا أمام مجتمع فى معظمه وخاصة شبابه غير منقسم على أساس الأيديولوجية السياسية فى حين ظل الكثير من مثقفيه ونخبه يخوضون معاركهم الفكرية فى مواجهة بعضهم البعض.  

 

طليعة من جيل الشباب هذا أطلقت الشرارة الأولى ليتحول الأمر إلى ثورة شعبية متجاوزة للأيديولوجيا شارك فيها المصريون بمختلف طبقاتهم وأعمارهم.

 

*** 

 

وفتحت ثورة الخامس والعشرين من يناير للمرة الأولى الطريق أمام التيارات السياسية الفكرية المتصارعة منذ عقود للمنافسة على السلطة السياسية فى مصر. فما كان من رموز هذه التيارات إلا أن استحضرت ميراثها من معارك الماضى ـ بمباركة وقيادة إعلام غير مسئول يسعى للإثارة ـ لتسقطه على واقع جديد ولم تراع أنه يختلف بالكلية عن الواقع الذى خاضت فيه معاركها السابقة.

 

فقضية الهوية مثلا أعتقد أنها ليست محل جدل حقيقى فى الواقع المصرى المعاصر، وأحد تجليات ذلك الإجماع الشعبى والسياسى على نص المادة الثانية من الدستور التى تقضى بأن اللغة العربية هى اللغة الرسمية والإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع. 

 

والحديث عن مكانة الدين لدى الشعب المصرى مسألة لا تحتاج لنقاش كثير ولكن قد يكون من المفيد فى هذا الصدد أن أشير إلى استطلاع رأى أجراه مركز جالوب (أحد أكبر مركز استطلاع الرأى فى العالم) عن أهمية الدين لدى الشعوب. شمل الاستطلاع 143 دولة ونشرت نتائجه بتاريخ 9 فبراير 2009 وجاء الشعب المصرى فى المركز الأول من حيث أهمية الدين له.

 

وعلى مستوى الواقع الدولى، فقد تراجع النموذج الغربى فى العالم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا إلى حد كبير وبرزت نماذج عالمية أخرى مثل الهند والصين وتركيا وماليزيا والأخيرتين تقدمان نماذج إسلامية أكثر شعبية لدى المصريين من النموذج الغربى نفسه.

 

*** 

 

معركة مصر الحقيقية الآن هى بناء دولة قرارها السياسى مستقل وقادرة على أن توفر للإنسان المصرى المعيشة الكريمة بجميع جوانبها المادية والعيش بكرامة بكافة الجوانب المعنوية لذلك، ولكننا مازلنا نرى قيادات ورموزا فى التيارات السياسية المصرية تعيش معارك الماضى الاستقطابية، لذلك يجدر بها أن تسلم الراية لقيادات جديدة شابة داخل تياراتها غير مصابة بداء الاستقطاب (دون التخلى عن مرجعيتها الفكرية) لتخوض معركة المستقبل.  

 

كريم سرحان محام وباحث قانونى
التعليقات