صناعة التوافق - أحمد إسماعيل شكرى - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 9:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صناعة التوافق

نشر فى : الأربعاء 29 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 29 مايو 2013 - 8:00 ص

تطرح كلمة التوافق مع كل موقف أو أزمة تواجهنا ومع ذلك فقد أصبحت كلمة بعيدة المنال، وباتت تستخدم لتغليف صفقة سياسية أو صكها على أى مشروع كى يظهر مقدمه ما لا يبطن.

 

ظهرت كلمة التوافق بعد الثورة فى اختيار رئيس الوزراء عصام شرف حين بدأ الثوار بالبحث عن رئيس وزراء توافقى ثم توالى ظهورها مع كل استحقاق سياسى أثناء اختيار الجمعية التأسيسية والمبادئ فوق الدستورية وقضية وثيقة السلمى وقانون الانتخابات واختيار مرشحى الثورة.

 

إلا انه فى كل موقف كان يتم التدافع بين الآراء المختلفة ومن كان يحسم هو من كان يملك القوة، قوة التنظيم أو قوة الحشد أو قوة السلطة ممثلة فى المجلس العسكرى أو الآن فى مؤسسة الرئاسة.

 

لم تتمثل كلمة التوافق قولا وفعلا إلا فى ميدان التحرير أثناء الثمانية عشر يوما التى جمعتنا، فاختفى التناحر والجدل وتوحد الهدف.

 

فوحدة الهدف وتهديد المصير كانت هى الأسباب الرئيسية للتوافق. بالرغم من ارتفاع سقف الأهداف التى قامت من أجلها ثورة ٢٥ يناير مع كل يوم فى الميدان إلا أن الهدف الوحيد الذى ظل مرفوعا وبشكل واضح، هو رحيل النظام، ممثلا فى أذهاننا آنذاك فى شخص مبارك وقيادات الحزب الوطنى، رغم أن المطالب التفصيلية كانت مرفوعة على العمارات ومحفوظة من أصغر طفل فى الميدان.

 

 الشاهد أن حياة الثوار فى الميدان كانت مهددة بشكل كبير فى حال فشل هذه الثورة بالإطاحة بالرئيس أو هكذا ظنوا أنه العائق الوحيد أمام حريتهم، حيث تبين لهم بعد ذلك أن نيل الحريات يحتاج لأكثر من ١٨ يوما وأن دماءهم سالت وقد تسيل مع كل استحقاق ديمقراطى.

 

فهل يراودنا الشك بأن مصيرنا واحد وهدفنا واحد؟ نعم يبدو كذلك. فهدفنا لم يعد واحدا. فكل فصيل يرى مصر التى فى خاطره هو وليست التى فى ذهن الآخر، ولا يدركون أن مصيرنا واحد ومن يهدد أمننا واقتصادنا ومستقبل أولادنا واحد.

 

ألم يحن الوقت كى نتفق على هدف واحد وبعد ذلك من الممكن أن نختلف فى التطبيقات؟ وإشكالية الدستور هو ذلك الهدف الواحد الجامع الذى افتقدناه، فالهدف الواحد هنا هو شكل الدولة وفلسفتها: ما هو شكل مصر التى نحلم بها؟ كيف نبنى مؤسساتها؟ ما هى وحدة بناء المجتمع الفرد أم الاسرة أم جماعات؟ ما هو شكل إدارتها ومدى مركزيتها؟

 

 هذا هو الدستور الذى فشلنا فى الاتفاق عليه بالرغم من إجراء الاستفتاء. فلا ينبغى أبدا أن يكتب دستور مصر بهذا الشكل ولا يمكن أن نقبل أن ينسحب منه فصائل أثناء كتابته أو أن تمرر بنودا فيه بليل.

 

عملية صناعة التوافق لها أصول. فلا يصنع التوافق بدعوة توجه فى العلن لحضور اجتماع يشهده العالم فى التلفاز، لا يصنع التوافق بإرسال خطابات أو إجراء مكالمات صورية من مندوبين بدعوة الجهات المعنية، لا يصنع التوافق بوضع شروط مسبقة، لا يصنع التوافق دون الاتفاق على ما نريده من هذا التوافق، لا يصنع التوافق بدعوة من ليسوا طرفا فى المشكلة، لا يصنع التوافق بالغلبة العددية أو الإشارة لأى سلطة قد تستخدمها فى عدم احداث التوافق، لا يصنع التوافق بالضغط باتجاه معين وتصويره للناس على أنه الحل وشيطنة الاتجاه الآخر.

 

●●●

 

التوافق يحتاج إلى مجهود كبير ولذلك أسميته بصناعة التوافق. يحتاج التوافق الى أن تبدأ السلطة الحاكمة أو من بيده الغلبة والقوة باتخاذ الخطوة الأولى تجاه الطرف الآخر وإبداء الرغبة فى الحوار الجاد عبر فتح قناة اتصال غير مباشرة كخطوة أولى ومحاولة فهم المشكلة من وجهة نظر الطرف الآخر يعقبها بعد ذلك عرض من السلطة بالتصور لحلها ثم تتوالى اللقاءات لإيجاد أرضية مشتركة ثم يأتى تدخل رأس السلطة الحاكمة بنفسه باتصال مباشر لوضع اللمسات الأخيرة على الأرضية المشتركة ودعوة الأطراف الفاعلة لبحث أجندة متفق عليها. ويفضل أن يكون الاجتماع سريا لرفع الحرج عن أى طرف من الإعلام وأنصار الأطراف المختلفة والذين قد يشكلون ضغوطا على أطراف النزاع لعدم إلمامهم أحيانا بكل المعلومات. يعقب ذلك اجتماعات تعلن نتائجها للناس بشكل علنى.

 

وتأتى وحدة المصير كسبب آخر لحتمية التوافق على هدف واحد. والمصير هو مستقبلنا معا، قد يكون مهددا بظروف سياسية واقتصادية، تكون كثير منها خارج إرادتنا كتهديد الحدود أو أزمة اقتصادية عالمية أو كارثة طبيعية، حفظنا الله. ترى كم نحتاج من الوقت لندرك ذلك المصير الواحد؟ ترى كم من نفس سنفقدها فى الطريق كى نعلم أن وجودنا مهدد بدون وحدتنا؟

 

فنحن نعيش فى وطن واحد، شعب واحد وحلم واحد.

 

 

 

سياسى ومدرس بكلية الطب ــ قصر العينى 

أحمد إسماعيل شكرى سياسي ومدرس بكلية الطب - القصر العيني
التعليقات