كرسى فرعون - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كرسى فرعون

نشر فى : الأربعاء 29 يونيو 2011 - 9:17 ص | آخر تحديث : الأربعاء 29 يونيو 2011 - 9:17 ص

 هذا الفيلم القصير ينعش الآمال فى مستقبل السينما المصرية. إنه ومضة، تضىء الكثير من جوانب حياتنا، بتاريخنا، وواقعنا. مخرجه اسمه طارق خليل، وعنوانه «كرسى فرعون»، مأخوذ عن قصة يوسف إدريس «حمّال الكراسى» الواردة ضمن مجموعة «بيت من لحم». الواضح أن طارق خليل، الشاب، وجد فى حيوية وحداثة يوسف إدريس ما أغراه بتحويل تلك الأقصوصة، ذات البعد الرمزى، التعبيرى، السريالى إن شئت، إلى عمل سينمائى مشرق، يجمع بين الرسوخ والنضارة، يعبر عن روح نقدية متأملة، فضلا عن استيعاب الجوانب الإيجابية فى السينما المصرية، خاصة سينما شادى عبدالسلام، فى فيلميه الجميلين: الطويل «المومياء» والقصير «الفلاح الفصيح».

«كرسى فرعون» يبدأ بتلال وكثبان رملية، تمتد على طول المجال. مع إشراقة الفجر يظهر، من بعيد، رجل يحمل كرسى الفرعون. الإعياء يبدو واضحا على وجهه المتفصد العرق. يكاد ينهار ويسقط، ولكن يتماسك ويواصل. إنه قادم من جوف التاريخ.

ينتقل الفيلم إلى قلب الواقع والحاضر. مواطن، يستيقظ صباحا على صوت المنبه داخل حجرة تعبر مكوناتها عن الوضع الاجتماعى لساكنها، وتؤكد رهافة العين السينمائية التى يتمتع بها المخرج. السرير والبوتاجاز والمذياع والأطباق والحلل، كلها داخل الحجرة، قديمة، شديدة التواضع، وفى تفصيلة موحية، تظهر نتف القطن من الوسادة المهترئة. المواطن هنا، الذى يؤدى دوره ممثل متمكن، لين الملامح، حسن عبدالفتاح، لا اسم له فى الفيلم، شأنه شأن المواطن الفرعونى، حامل الكرسى، الذى يؤدى دوره مجدى إدريس، بملامحه المتطابقة مع قدماء المصريين.. ساكن الحجرة ينهض من نومه منهكا. يضع النظارة على عينيه، ينظر فى المرآة المكسورة يتلمس التجاعيد الغائرة فى وجهه. مشهد طويل يقول الكثير. ومن المذياع يأتى صوت المذيعة: يتوجه اليوم جموع الشعب العظيم لصناديق الاقتراع ليقولوا كلمتهم، نعم للديمقراطية والاستقرار واستكمال المسيرة.. والفيلم بهذا الخبر، يحدد بوضوح زمن الحالة التى تطالعنا، وفيما يشبه المزيد من التنوير، سنستمع لصوت المذياع مرتين تاليتين.. وبينما يواصل حامل الكرسى مشواره، وسط الفيافى، يسير المواطن وسط المقابر، بالقرب من القلعة، متجها إلى عمله، مارا بالشوارع الشعبية. وعن طريق لقطة ثابتة للمواطن وراء مكتبه تدرك من خلال صمته، وطريقة تدخينه، أنه تعيس ومحبط، وأنه لم يذهب للانتخابات، بينما يعلن المذياع أن العملية الانتخابية تجرى فى هدوء وأن الرئيس فى طريقه لتحقيق فوز ساحق. المفارقة هنا تؤكد أن الصورة أصدق أنباء من أجهزة الإعلام.. وعلى ضفة النيل، يلتقى المواطن، الجالس على أريكة، حامل الكرسى الذى يسأل عن الإله آمون كى يسلمه المقعد. يدور بينهما حوار قصير، حاد، مترع بالمعانى السياسية، ينتهى بما يشبه المشاجرة، فالمصرى المعاصر يحاول الجلوس على الكرسى، أو على الأقل يجلس عليه حامله الذى ينوء تحت ثقله طوال قرون. وبينما يرفض حامل الكرسى يصرخ معاصرنا: هاييجى يوم أقعد عليه. الفراعنة ماتوا من زمان، ويأتى صوت المذياع: تلقى السيد الرئيس برقيات من رؤساء وملوك الدول العربية والأفريقية والإسلامية يهنئون سيادته بفترة رئاسية جديدة بعد منافسة شهد العالم بأنها قمة فى النزاهة والشفافية.

«كرسى فرعون» فيلم مصرى بامتياز، متماسك وقوى، يشرح نفسه بنفسه، وينبئ بأن طاقة الإبداع ستنطلق، مدعومة بالوعى، من أجيال جديدة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات