أسباب التحرش الجنسى - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسباب التحرش الجنسى

نشر فى : السبت 29 أغسطس 2009 - 4:59 م | آخر تحديث : السبت 29 أغسطس 2009 - 4:59 م

 السبب الرئيسى لانتشار وتفاقم التحرش اللفظى والجسدى فى الشارع المصرى هو بالأساس ثقافى. فهناك مجموعة من القيم التى يتم تداولها فى المجتمع تؤكد أن المرأة سلعة، وسلعة حقيرة. والتعارض بين حقارة السلعة وحرمتها من ناحية وبين الرغبة فى امتلاكها من ناحية أخرى تخلق نوع من البلبلة القيمية لدى طائفة الذكور القناصة. ويروج لهذا النسق المهترئ من القيم عدد كبير من الأساتذة المدرسين فى وزارة التربية والتعليم وعدد كبير من المشايخ الذين يقرنون المرأة بعدد كبير من الشرور، بالإضافة إلى بعض ما يتم تقديمه من مواد ثقافية فى وسائل الإعلام.

حكت أستاذة التربية الدينية فى مدرسة ابنى للصف الأول الإعدادى أن المتزوجين سوف يحصلون فى الجنة على حوريات لهن نفس ملامح زوجاتهم، ولكنهن أجمل وأروع كثيرا من نسائهم وأن غير المتزوجين سوف يحصلون على حوريات عذراوات رائعات البهاء. فسألت تلميذة عن مستقبلها فى الجنة وهل سوف تحصل هى الأخرى على رجل جميل؟ وهل هناك مذكر لحوريات؟ فنهرتها المدرسة بعنف. فالرجال من حقهم التمتع بالنساء ولكن العكس غير صحيح. أما الثقافة التى يتم تداولها داخل العائلة المصرية فى هذا الخصوص معروفة للجميع ولا داعى أن أكررها هنا وملخصها أن الولد هو السيد الذى يمتلك الحقوق والبنت هى الخادمة التى يرتفع سقف حقوقها عن رأسها بسنتيمترات قليلة.

ثم يأتى توحش المدينة ليمهد بيئة مناسبة لكافة أنواع التحرشات. فالثقافة العشوائية التى طغت على النمو المجنون لمدينة القاهرة لاستيعاب 12 مليون مواطن فى خمسين سنة لتصبح واحدة من أكثر مدن العالم تعدادا للسكان وفرت مناخا مناسبا لتداول جميع أنواع العنف. فالأحياء العشوائية وثقافة الفقر والعوز هى المدارس الحقيقية لرعاية وازدهار العنف. والنتائج الاجتماعية لهذا النمط من النمو العمرانى السرى وغير الشرعى الذى أصبح يمثل القاعدة فى الامتداد العمرانى لعاصمتنا يتجلى كل يوم فى أحداث قتل ونهب وسرقة وبالطبع تحرش بالمرأة. فالحياة فى بيئة سكانية غير طبيعية لا يمكن أن ينتج عنه إلا أنماط سلوكية غير طبيعية.

وفى تقريره لعام ٢٠٠٧ أشار صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى وجود ١٢٢١ منطقة عشوائية تؤوى عددا يتراوح بين ١٢ و١٥ مليون نسمة من إجمالى عدد السكان البالغ ٧٧ مليون نسمة. هذه العشوائيات تتشكل بالأساس فى جدار التكتلات الحضرية. ومع البطالة وعدم القدرة على الحياة داخل حجرات موبوءة يقيم عدد كبير من هذا التعداد السكانى فى الشارع بصفة متصلة، ويشكلون ألوية مدرعة للهجوم على المرأة المصرية مدجنين بثقافة مرعبة.

ويأتى انتشار ثقافة الفصل بين الجنسين ليدعم حالة الكبت الجنسى ويخلق حالة من تدنى الوعى إزاء الجنس الآخر. وهذا الفصل الجنسى لم يكن موجودا فى البيئة الريفية، كما هو غير موجود فى البيئة الصناعية، ولكنه نما هو أيضا فى بيئات سكانية غير طبيعية تتسم بالعشوائية. ولا شك أيضا أن الثقافات الصحراوية الذى غلب عليها الطابع المتقشف فى العلاقة بين الجنسين استطاعت نتيجة للطفرة البترولية تصدير رؤية متدنية للمرأة لم نكن نعرفها اللهم إلا فى الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة المصرية فى القرون السابقة.

ما العمل إذن لمنع انتشار ظاهرة التحرشات باللفظ وبالفعل فى الشارع القاهرى؟ ما العمل لتقليل هامش الرعب الذى تعيشه نسبة كبيرة من النساء فى القاهرة؟

يجب بالتأكيد تجنب الحديث عن الحلول السياسية أو الاقتصادية أو العمرانية، فكلها مرتبطة بأداء الحكومة المصرية. والدولة المصرية كما أرى عجزت تماما عن القيام بدورها فى هذه المجالات وإلا لما احتجنا الحديث عما تعانيه المرأة والفتاة فى مصر من أزمة حياتية خاصة بتواجدها فى الشارع.

الحل الوحيد هو إقناع كل امرأة وكل فتاة فى مصر باستكمال ما بدأته نهى رشدى التى أصرت على تقديم من تحرش بها إلى العدالة وتم إصدار حكم ضده بالسجن 3 سنوات واعتبر هذا الحكم الأول من نوعه فى تاريخ القضاء المصرى. الحل هو أن تتحد النساء ضد هؤلاء المتحرشين. الحل أن تحذو كل امرأة حذو «إيمان»، وهى امرأة تعمل فى منزلى منذ قرابة عشر سنوات، فقد قامت أمس باقتياد من تحرش بها فى الأتوبيس إلى قسم الشرطة واستطاعت فى الطريق أن تناوله ضربة خطافية فى وجهه بقبضتها الحديدية. من المؤسف أن أقول إننى فرحت من استعمالها العنف وهو أمر مستهجن ولا شك. ولكن شعورها بالظلم الفادح جعلها تعتدى عليه قبل أن يصلا إلى القسم. الحل هو بدء حملة توعية قومية على غرار «الست سنية سايبة المية تخر تخر من الحنفية»، واستبدالها بـ«الست سنية وكوثر وسعاد وفريال قبضوا على شريف ومجدى وحسين ووضعوا رأسهم تحت يد العدالة».

خالد الخميسي  كاتب مصري