خيرى ومينا والمخزنجى.. المحترمون لايزالون بيننا - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خيرى ومينا والمخزنجى.. المحترمون لايزالون بيننا

نشر فى : الخميس 30 يونيو 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 30 يونيو 2016 - 9:50 م
منذ بداية رمضان تلقيت العديد من دعوات الإفطار والسحور. واحدة من هذه الدعوات المميزة جاءت من نقابة الأطباء عبر اتصال رقيق من الدكتورة منى مينا، وكيلة النقابة.

فى هذا الإفطار كان كل شىء بسيطا ودافئا من أول المكان فى نادى الأطباء على النيل نهاية بالمشاعر والكلمات.

الحاضرون من الإعلاميين الذين يقومون بتغطية أنشطة وزارة الصحة ونقابة الأطباء، إضافة إلى عدد قليل من الكتاب أبرزهم الأديب المميز محمد المخزنجى ومحمد على خير ومحمد الجارحى ونجلاء بدير وأميمة كمال. لم أتعود الكتابة عن حفلات الإفطار والسحور، لكن فى هذا اليوم فعلا قابلت نماذج صارت نادرة فى المجتمع المصرى للأسف الشديد.

أول هؤلاء دكتورة منى مينا، هذه السيدة التى سخرت معظم وقتها لخدمة مهنة الطب وخصوصا الفقراء، هى منحازة بصورة كلية لكل ما هو إنسانى، ولكل المظلومين والمضطهدين، منذ تخرجها فى طب عين شمس عام ١٩٨٣ وحتى موقفها المهنى والأخلاقى فى أزمة النقابة مع أمناء الشرطة قبل شهور قليلة. معركتها الراهنة هى تحسين ظروف وحياة الأطباء، كى يتمكنوا من مساعدة المحتاجين. وتقول إن كادر الأطباء به ستون مادة خمس منها فقط للأجور، موجهة أساسا لمصلحة الطبيب الصغير فى المستشفى الحكومى، الذى يذهب إليه الجميع فى حالة وقوع الحوادث. وخلال الأمسية قال د. إيهاب الطاهر إن أحد المرضى طلب منه أن يكتب له دواء رخيصا، فقال له إن سعره ١٥ جنيها فرد عليه المريض: لو كنت أملك هذا المبلغ كنت اشتريت به غداء لأسرتى!!.

الشخصية الثانية هى الدكتور حسين خيرى نقيب الأطباء. هو رجل استثنائى بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. يترك مكتبه فى الكلية لكى يستخدمه الطلاب فى المذاكرة أحيانا.

يقوم بتصوير الملازم والمذكرات للطلاب مجانا. هجر عيادته الخاصة ولم يعد يذهب إليها إلا نادرا، كى يتفرغ للنقابة والكلية. يعرف طلابه تقريبا بالاسم ويتواصل معهم باعتبارهم أبناءه.

كان حظه سيئا، فبعد انتخابه مباشرة وجد نفسه فى صدام مع الحكومة، لم يخطط له، وجاءت حادثة اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية التعليمى لتزيد الأمر اشتعالا. والآن فقد تم تجاوز الأمر تقريبا، بعد بدء محاكمة أمينى الشرطة، العلاقة بدأت تتحسن مع الحكومة، لكنها لاتزال باردة وجافة مع وزير الصحة د. أحمد عماد.

النقيب يؤمن بقوة بدور الدولة فى مجال الصحة العامة، وضرورة رفع الميزانية كما يقول الدستور، وهو يرى أن أى تحسين فى أجور الأطباء سيؤدى أيضا إلى تحسين الخدمة، إضافة إلى الإنفاق أكثر على المستشفيات الحكومية، بحيث يكون الشعار هو توفير العلاج الفعال للجميع بغض النظر عن حالتهم المادية.

الشخصية الثالثة هى الدكتور محمد المخزنجى، هو طبيب أيضا، لكنه قرر هجر مهنة الطب منذ عام ١٩٩٣، والحمد لله أنه فعل ذلك، لأننا خسرنا طبيبا واحدا ولدينا مئات الآلاف منهم، لكننا كسبنا كاتبا وأديبا نادرا.

من حسن حظى أننى تعرفت على المخزنجى أثناء كتابته المنتظمة فى «الشروق» منذ صدورها. هو شخصية حساسة جدا، مرهف إلى أقصى درجة، مثقف من طراز رفيع والأهم من كل ذلك أنه إنسان استثنائى، لا يجيد النفاق أو التملق. يرى العزلة أحيانا أفضل من المشاركة فى مواكب النفاق واجتماعات الأضواء. ورغم أنه ترك الطب فإنه لايزال يقول أنه يشعر بالفخر لانتمائه إلى عائلة الطب المصرى. هو يرى الأطباء أعظم جيوش الأرض حيث يواجهون جحافل من الأعداء فى شكل ميكروبات وفيروسات وأمراض قاتلة تفتك بأجساد الناس، يقول المخزنجى: «الحياة بها أشرار كثيرون، لكن الله يحفظها من أجل الطيبين القلائل فيها».

فى هذه الليلة شعرت بأنه مادامت هناك نماذج مثل منى مينا وحسين خيرى ومحمد المخزنجى فإنه لا خوف على مصر. نحن نحتاج لإلقاء الضوء أكثر على مثل هذه النوعية من البشر لمواجهة النماذج المشوهة والمتعفنة الكثيرة التى تحاصرنا من كل جانب.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي