قرار مجلس الأمن الأخير بشأن غزة.. ليته ما صدر - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قرار مجلس الأمن الأخير بشأن غزة.. ليته ما صدر

نشر فى : السبت 30 ديسمبر 2023 - 8:00 م | آخر تحديث : السبت 30 ديسمبر 2023 - 8:00 م
منذ اندلاع الحرب الوحشية على غزة والولايات المتحدة تسارع فى استخدام الفيتو لمنع المجلس من إصدار أى قرار يتعلق بوقف إطلاق النار، حتى تتيح لإسرائيل الفرصة والوقت الزمنى الكافى لتحقيق أهدافها المعلنة وهى القضاء على حماس، وهى فى الواقع تقضى على الشعب الفلسطينى فى غزة وليس على حماس وباقى أهدافها من استعادة الأسرى وضمان عدم صدور أى تهديد أمنى لإسرائيل من غزة مرة أخرى.
لكن فى المرة الأخيرة عندما عرض مشروع القرار الذى يطالب بوقف القتال وزيادة المعونات الإنسانية لغزة بشكل كبير، وتنظيم دخولها من خلال آلية تنشئها الأمم المتحدة أى ليس من خلال إسرائيل، طلبت الولايات المتحدة تأجيل التصويت عدة مرات حتى يعود الوفد إلى واشنطن للتشاور، واستبشرت الوفود بأن أمريكا ليست فى عجالة من أمرها هذه المرة فى استخدام الفيتو وأنها تبحث عن مساحة للتوافق.
لكن للأسف تمخض الجبل ولم يلد فأرا بل ولد مسخا مشوها لطخ القانون الدولى وأعطى الدولة المعتدية ــ الحق فى استمرار القتال «لحين تهيئة الظروف المناسبة لوقف القتال» ــ حيث نصت الفقرة الثانية العاملة من القرار على: «حث الأطراف إلى تهيئة الظروف لتوقف الأعمال العدائية».
فما هى الظروف المطلوب من الطرفين تهيئتها؟ بالنسبة لحماس.. لا توجد ظروف أو شروط بل هى ترغب وتلح فى وقف كامل لإطلاق النار، أما بالنسبة لإسرائيل فإن الظروف المطلوب تهيئتها ــ وفقا لموقفها الرسمى المعلن ووفقا لتصريحات كبار المسئولين ومن بينهم نتنياهو وجالانت ــ هى القضاء على حماس واستعادة الأسرى (الرهائن كما تسميهم)، هذه هى الظروف التى تحاول إسرائيل تهيئتها فى قطاع غزة حتى توقف النار ولن توقف الحرب حتى تحققها مهما طال الأمر حسب تصريحات نتنياهو.
إذن مجلس الأمن يعطى إسرائيل الحق فى الاستمرار فى الحرب بدون حد زمنى، فالحد هو تحقيق الأهداف.
• • •
لقد حذر مندوب روسيا الدائم بمجلس الأمن أثناء جلسة التصويت من هذه الصياغة التى وصفها بالخطيرة وقال: «إنه للأسف سيضطر إلى عدم معارضة القرار إرضاء للمجموعة العربية التى تفاوضت بشأنه وقبلته». وأضاف مناشدا الأعضاء: «إن تدمير غزة وطرد سكانها وحشرهم فى جزء صغير من القطاع هو فى نظر إسرائيل تهيئة للظروف المناسبة لوقت الأعمال العدائية».
لذلك فإن مجلس الأمن ــ والكلام للسفير الروسى ــ يطلق يد إسرائيل بموجب هذا القرار بحرية كاملة فى استكمال تدمير غزة واستكمال طرد السكان، وكل من سيؤيد هذا المشروع فهو شريك فى عمليات الطرد والتدمير.
• • •
فضلا عن ذلك فإن القرار لم يدن عمليات القتل الجماعى للمدنيين وبذلك فهو يعطى الضوء الأخضر لإسرائيل للاستمرار فى جرائم الحرب.
وقد يقول قائل: ولكننا ــ على الأقل ــ قد فزنا بقرار ملزم من المجلس يطالب بزيادة المعونات الإنسانية لسكان غزة وتشكيل آلية من الأمم المتحدة للإشراف على هذه العملية، ونقول صحيح ولكن ذلك كان فى المشروع المقدم من الدول العربية، وقد ناله التعديل أيضا من الجانب الأمريكى بحيث ترك الأمر لإسرائيل للاستمرار فى عمليات الإشراف والتفتيش والسماح أو عدم السماح وتحديد الكميات، واقتصر دور منسق الأمم المتحدة السيدة الهولندية التى عينها الأمين العام السيدة/ Sigrid Kaag على الدور التنسيقى.
ومنذ اللحظة الأولى لإعلان تكليف السيدة/ كاج بهذه المهمة حتى أفصحت إسرائيل عن موقفها غير المتعاون مع الأمم المتحدة، فما كان منها إلا أن قررت تعليق منح التأشيرات بشكل تلقائى لموظفى الأمم المتحدة وأنها من الآن فصاعدا ستتعامل مع كل حالة على حدة.
وقد نشرت صحيفة هاآرتس تصريحا للمتحدث الرسمى للحكومة إيلون ليفى قال فيه: «لن نعمل من الآن فصاعدا مع أولئك الذين يتعاونون مع النظام الإرهابى التابع لحماس».
• • •
منذ اندلاع القتال الوحشى ضد السكان المدنيين الفلسطينيين فى غزة وإسرائيل تحتمى خلف حق الدفاع الشرعى عن النفس، ويؤيدها فى ذلك حلفاؤها وعلى رأسهم الولايات المتحدة، فهل يسمح القانون الدولى لدولة الاحتلال بأن تهاجم السكان المدنيين فى الأراضى التى تحتلها بذريعة حق الدفاع عن النفس؟
الإجابة القاطعة هى لا، وقد أكدت ذلك محكمة العدل الدولية برأيها الاستشارى، وكذلك العديد من المنظمات الدولية العاملة فى إطار القانون الدولى، والعكس من ذلك هو الصحيح فإن الشعوب التى تعانى من الاحتلال والاستعمار والأنظمة العنصرية هى التى لها الحق فى الدفاع عن نفسها ومقاومة الاحتلال بكافة الوسائل بما فى ذلك القوة المسلحة وذلك وفقا لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتستمد هذه الشعوب ذلك من حق تقرير المصير.
ولكن إسرائيل تدفع بأن غزة لم تعد تندرج فى إطار الأراضى المحتلة بعد انسحاب إسرائيل منها وسحب جميع مستوطناتها من القطاع، وبالطبع فإن هذا ادعاء باطل ولا يصمد للمناقشة، لأن إسرائيل تسيطر على أجواء غزة ومياهها الإقليمية والمعابر التى تستمد منها جميع احتياجاتها، وإسرائيل ما زالت تتولى جباية الضرائب نيابة عن غزة؛ أى الجمارك على السلع التى تدخل القطاع، وقد أخضعت غزة منذ 16 عاما لحصار قاس يتحكم فى كل شىء يدخل أو يخرج منها، لذلك فهى قوة الاحتلال ولا مراء فى ذلك، والأمم المتحدة تتعامل معها على هذا الأساس.
• • •
الخلاصة أن قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2720 بتاريخ 22 ديسمبر 2023 قد أضر بالموقف الفلسطينى والعربى عندما وافق ضمنيا على استمرار القتال لحين تهيئة «الظروف الملائمة» لوقف إطلاق النار، وعهد إلى الأطراف بالعمل على تهيئة هذه الظروف. وكان جديرا بالعضو العربى بالمجلس الممثل للمجموعة العربية (الإمارات) الامتناع على الأقل عن التصويت.
سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات