رحلة منى زكى بين الخطيئة والتطهر - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رحلة منى زكى بين الخطيئة والتطهر

نشر فى : الأربعاء 31 يناير 2024 - 8:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 يناير 2024 - 8:55 م
كيف تفكر منى زكى؟ سؤال ألح علىّ كثيرًا عقب وقوفى أمام محطاتها الأخيرة، والتى وصلت فيها إلى «رحلة 404».

عادة كلما شاهدت نجمات بالسينما العالمية ممن أُغرَم بأدائهن وألقهن على الشاشة، كنت أشعر بالغيرة المحملة بأمنيات أن يكون فى هذا الجيل ممثلة مصرية أُغرم بأدائها وألمس فكرها لصناعة تاريخ يمكنه أن ينتزع آهات الإعجاب عبر الزمن.

بالأمس فقط وجدتها.. نعم كنت أؤمن بموهبتها؛ لكنى وصلت لدرجة اليقين أنها منى زكى، فنانة تفكر بحق فى صناعة تاريخ، ولكن كيف جاء ذلك؟ أتذكر مقولة ميريل ستريب التى كثيرا ما أقف عندها «ابلغى فى أحلامكِ عنان السماء، وسيرى قدما نحو تحقيقها»؛ منى وصلت بالفعل.. حققت وتحققت لتبقى واحدة من نجمات التمثيل اللاتى حلمت بهن فى السينما المصرية.

تعرف كيف تختار؛ تؤمن بالفكرة؛ تضع يدها على مفاتيح الشخصية، ومن ثم تغوص فى عالمها لنعيش معها لحظات إبداع.

كان يمكنها أن تتواجد بأعمال كثيرة، لكن ذكاءها فى الاختيار سواء للشخصية أو السيناريو أو المخرج قطعا وراء تميزها، تعرف كيف تدير المؤشر نحو النجاح.

أعترف أننى توقفت كثيرا قبل الكتابة عن فيلمها الجديد «رحلة 404»، ليس فقط للفكرة والمضمون والحوار الذى يبدو شائكا، ولكن للأداء الذى كسر حاجز العمق بسلاسة، وهى تضعنا أمام سؤال مصيرى بين الذنب والمغفرة.. الخطيئة والتطهر، والقدرة على تجاوز ذلك الخيط الرفيع لدراما بشرية صاغها بحرفية المؤلف محمد رجاء، وصورها برؤية مدهشة واعية المخرج هانى خليفة.

فى الفيلم تبدأ رحلة غادة السعيد «منى زكى»، مع حياتها الجديدة التى تلامس محطة اجتماعية وبعدا نفسيا مؤرقا لبطلته فى مواجهة محيطها بين ماض وحاضر؛ عندما تقرر السفر إلى مكة لأداء فريضة الحج بصحبة والدها «حسن الجريتلى»، متطلعة للتوبة عن أخطاء ارتكبتها بفترة مبكرة من حياتها، لكن سرعان ما تواجهها مشكلة طارئة وهى تعرض أمها لحادث سيارة يتطلب تدبير أموال لعلاجها بالمستشفى وهو ما يجعل غادة التى تعمل مسوقة بشركة عقارات تبحث عن وسيلة لتدبير المال، وهنا تستدعى تواصلها مع أشخاص من ماضيها الملوث كانت قد قطعت علاقتها بهم.

هنا تبدأ رحلة الكشف لينقلنا العمل من نقطة إلى أخرى فى حياة غادة الماضية، والتى ألقت بها الأيام فى مسارها، وفقدت فيها عذريتها وبراءتها عبر مجموعة من العلاقات المتشابكة بخطاياها.

تعيش غادة صراعا نفسيا طوال الفيلم فى ظل رغبتها فى التطهر والتوبة عن ماضيها، بينما يدفعها مَن حولها جميعا دفعا للعودة لطريق الحرام مرة أخرى.

شهيرة «شيرين رضا» التى تستغل حاجتها للمال وتستدعيها للخطيئة من جديد، وممارسة حياة الرذيلة، والمدعى الفهلوى هشام «محمد علاء» الذى ربطتها به علاقة سابقة، ويريد أن يستغلها فى صفقة مشبوهة لبيع أراض، وزميل الدراسة طارق «محمد ممدوح» الذى خدعها باسم الحب وفر من الارتباط بها، والمنهزم ياسر «خالد الصاوى» والذى يواجه أزمات فى حياته الزوجية والاجتماعية، والمدمن طارق «محمد فراج» الذى تزوجته لستة أشهر قبل أن تكتشف عقدته النفسية، والتى لازمته منذ طفولته بسبب تعدد علاقات أمه غير الشرعية، والتى ساهم فى موتها انتقاما منها، وعقب دخوله السجن تقرر غادة إجهاض جنينها منه.

مشاهد متعددة تابعنا فيها مباريات ثنائية فى التمثيل مدهشة جمعت غادة بكل هؤلاء؛ خاصة أنها جاءت مفعمة بدراما كاشفة لخطايا الماضى، وكأنه كشف حساب لكل البشر، لكننا نرى خلالها مدى تمسك غادة بعالمها المتتظر، وعدم التفريط فى حلم التطهر قبل أن تستسلم فى اللحظات الأخيرة لإغواء شهيرة، لكن ذكاء السيناريو انحاز لها ولم يورطها، وأفسح لها المجال أمام التوبة، وهنا الرسالة والدرس الكبير.

كان من الذكاء أيضا عدم اعتماد الفيلم على مشاهد «الفلاش باك» بل لجأ لسرد سلس وجذاب بإيقاع متماسك بفضل مونتاج محمد عيد ورؤية المخرج هانى خليفة.

إنها ليست مجرد رحلة عابرة لامرأة، بل رسائل فلسفية عميقة، أراها تقتحم حالة الإنسان عموما حين يقع فى أخطاء ويسعى للتوبة، فى صراع الخير والشر فهو يتساءل دائما فى حواره مع ضميره: هل يسامحنى الله فيما فعلت؟
فنحن دائما نقف أمام سلسلة من الاختيارات تضعنا فى اختبارات كل لحظة.

دون شك لعبت الموسيقى التصويرية التى وضعتها الأردنية سعاد بوشناق دورا مؤثرا فى كثير من مشاهد الفيلم، عبر نغمات تنطوى على قدر من الغموض، ولا تعبر بشكل صريح عن الحالة الدرامية المنشطرة على الشاشة لنصفين، وهو ما لاحظناه أيضا فى ملابس غادة، والتى جاء نصفها مودرن بالجينز، والنصف الآخر حجاب، وكانه انعكاس للحالة كلها، أما هانى خليفة ومنذ فيلمه الأول «سهر الليالى» الذى يهوى الدخول إلى ما وراء الأبواب، باحثا فى العلاقات الاجتماعية المتشابكة والهشّة، والأسر المفككة فهو هنا لم يتوقف عند أسباب هذا الانقلاب الذى دفع بالبطلة لهذا التحول فى حياتها لكنه غاص فى عالمها الذى تقبلناه رغم حالة الفصام الحاد.

الفيلم يدور فى فلك تلك السينما «الحرة» التى تتجاوز حدود الرقابة على الإبداع، والتى احب فيها وعيها، ويتمسك بها عدد قلبل من المنتجين مثل محمد حفظى وشاهيناز النجار.
خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات