أفلام «أبوظبى».. تصفى حسابها - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 10:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أفلام «أبوظبى».. تصفى حسابها

نشر فى : الأربعاء 31 أكتوبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الأربعاء 31 أكتوبر 2012 - 8:35 ص

قبل الحديث عن ذلك الفيلم الجاد، بل المتجهم، بمظهره الكوميدى المرح، تجدر الإشارة إلى ملف «السلطة» الذى فتحته عدة أعمال سينمائية فى «مهرجان أبوظبى»، على نحو يؤكد أن قضية الحكم، بملابساته، ومشاكله، وصراعاته، تثير اهتمامات قطاعات واسعة من شعوب العالم، تنعكس بالضرورة على الشاشة الكبيرة..

 

من الصين يأتى «العشاء الأخير» للمخرج لوشوان، حيث يعود للقرن الثالث قبل الميلاد، ليقدم صراعا محموما للوصول إلى السلطة، بين غريمين كانا صديقين من قبل، لكن شهوة الجلوس على دست الحكم تتمكن من القائد الشجاع الذى ينقلب على الامبراطور، ويحقق هدفه عن طريق النفاق والخيانة والرشوة، وسريعا، يشرع فى التخلص من معاونيه، تساعده فى هذا زوجته التى أصبحت امبراطورة، لا تتوانى عن ارتكاب أى فعل مشين، كى تبقى السلطة بين يدى أسرتها.. الفيلم يعتمد على وقائع تاريخية، لكنه ابن الحاضر بامتياز، فإذا استبعدت الديكورات والملابس والطقوس الصينية القديمة، ستبدو الأحداث، والشخصيات، كما لو أنها تقع فى أيامنا، سواء داخل الصين أو خارجها، أو فى بلادنا العربية، بما فيها مصر.

 

اعتمادا على تراجيديا «يوليوس قيصر» لوليم شكسبير، يقدم الأخوان تافيانى درتهما الثمينة، المتعددة الدلالات «قيصر يجب أن يموت». الشاعر البريطانى وجد فى تاريخ الحاكم الرومانى الدامى، بأجواء الدسائس والخيانة والغدر والتلاعب بالعقول ما يستحق التأمل، ووجد الأخوان تافيانى، الإيطاليان، أبناء روما الآن، فيما كتبه شكسبير، ما يستحق إعادة القراءة، والتجسيد، بأسلوبهما. ولعل اختيارهما لسجن «ريبيبا» المدجج بالحراسات، بأسواره العالية، وتعمدهما ألا تخرج الكاميرا إلى الخارج أبدا، يعنى أنهما يتحدثان عن إيطاليا كلها، والآن، فأحفاد الرومان، لم يتغيروا، فالذين امتثلوا للطاغية «قيصر»، الحاكم المستبد، من الممكن ان يسيروا خلف ديكتاتور معاصر، حتى لو وضعهم داخل زنازين.. وأظن أن الأخوين تافيانى، وهما يعيدان تقديم «قيصر».. بأداء السجناء، فكرا فى الطاغية موسولينى، بمصيره الفاجع، يوم مزقته الجماهير إربا، بعد الهتاف الطويل لأمجاده الوهمية، وأنهما توقعا، على نحو ما، مصير بيرلسكونى الذى ينتظره باب السجن.

 

فى فيلمى «العشاء الأخير» و«قيصر يجب أن يموت»، تندلع الصراعات داخل القصور وفى مجالس المهيمنين على الأمور، لكن فى الفيلم التشيلى «لا» لبابلو لورين، يتسع الصراع، ويخرج من أروقة وقاعات الحكام، إلى الشارع، لتغدو الجماهير طرفا أصيلا فى النزاع.. الفيلم يدور فى الأسابيع القليلة التى سبقت سقوط حكم الديكتاتور الشيلى، ألعوبة الولايات المتحدة فى أمريكا اللاتينية، الجنرال أوجستوبينوشيه، المسئول الأول عن مقتل سلفادور اللندى، وصاحب السجل الحافل بالفساد والبطش..

 

وربما جاءت القيمة الخاصة لهذا الفيلم من كونه الوحيد الذى يدور فى جوهره حول صراع الأفكار، داخل الخندق الواحد. صحيح، ثمة صراع عام بين من يقولون «نعم» لاستمرار حكم الطاغية، ومن يقولون «لا» لبقاء بينوشيه، بعد عقد ونصف من سيطرته التامة على البلاد.. دينيه سافيدرا، صاحب حملة «لا»، بأداء متمكن من الممثل المكسيكى «جيل جارسيا بيرنال»، الذى فاز بجائزة أحسن ممثل فى المهرجان، بعد مناقشات طويلة مع رفاقه، يبنى حملته على أساس الوعد بتشيلى سعيدة، يعمها الفرح، وهو فى هذا يبتعد عن الصور التقليدية لآلاف المعتقلين والمعذبين على يد أجهزة قمع الطاغية.. الحملة مبنية على التفاؤل، تنظر بأمل للمستقبل، ولا ترعب المواطنين بالماضى..

 

وتنجح الحملة فى مسعاها، لتفتح نقاشا يجدر بنا إثارته. لماذا لم نستطع استكمال ثورتنا التى آلت إلى ما آلت إليه؟ أما الفيلم الجاد، بمظهره الكوميدى الذى حدثتك عنه فى البداية، فإنه يأتى من كوريا الجنوبية، بعنوان «تنكر» للمخرج شوشنج مين، معتمدا على فكرة الحاكم البديل التى أظن أنها عربية فى الأساس، انتقلت من التراث العربى إلى عصرنا لتصبح مادة شديدة الثراء، تلقفتها السينما وقدمتها فى «سلامة فى خير» لنيازى مصطفى، و«صاحب الجلالة» لفطين عبدالوهاب، كما صاغها، ببراعة، سعد الله ونوس، فى «الملك هو الملك»، التى قدمتها عشرات الفرق، بدأب، على امتداد الوطن العربى.. وفى تفسيرى للشغف بهذه الفكرة، يرجع إلى تلك الرغبة، المعلنة أو الدفينة، فى تغيير الحاكم، والاستخفاف بحكمته وقدراته الفذة، فثمة دائما آخر، من الممكن أن يؤدى ما يقوم به، على نحو أفضل.

 

جرت العادة، فى كوريا القرن السابع عشر، تسجيل تفاصيل ما يحدث فى القصر، يوما بيوم، ولاحظ المخرج أن ثمة أسبوعين لم يتم تسجيل أى شىء عنهما. من هنا تخيلات صناع الفيلم، فهناك مؤامرة لاغتيال الملك. يطلب من مستشاره البحث عن بديل يحل مكانه إلى حين الكشف عن المؤامرة.. المستشار يجد ضالته فى مهرج شعبى.. يذهب به للقصر كى يقوم بدور الملك.. تتوالى المفارقات المضحكة، فالمستشار لا يتوقف عن تأنيب وزجر الرجل العشوائى، الذى يمارس الحكم بطريقته الشعبية التى لا تليق الملوك، ولكن الأهم، أن قراراته المتعلقة بالناس، تدهش وتثير حفيظة وزراء ومسئولين أقرب للصوص، فعلاجا لمشكلة خزائن الدولة الخاوية، يرى المحاسيب ضرورة فرض ضرائب جديدة. عندئذ لا يرفض هذا الحل الظالم وحسب، بل يعفى المديونين من الضرائب المجحفة..

 

وبينما تحاك المؤامرة ضده، يتماثل الملك الأصلى للشفاء، إثر الطعام المسموم الذى تناوله.. يدرك المهرج أن مصيرا فاجعا ينتظره، فيتهيأ للهرب قبل وصول الملك للقصر، كى يواصل استبداده وفساده.. «تنكر»، يتجاوز الحدود الكورية، ليعبر، برحابة، عن حلم الشعوب المقموعة بالعدالة، ويندد، مع الأفلام سالفة الذكر، بممارسات أباطرة، آن الأوان لفضحهم، ونزع هالات التبجيل التى تحيط بهاماتهم، من دون وجه حق.. وهذا من أفضل ما تقدمه سينما، تستحق الاحترام.

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات