مؤسسة العدالة .. الآن.. لماذا؟ - سمير عليش - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 5:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤسسة العدالة .. الآن.. لماذا؟

نشر فى : الأربعاء 31 ديسمبر 2014 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 31 ديسمبر 2014 - 9:05 ص

تملَّكنى الإحساس ان الرئيس الأسبق، الذى اوصل جموع المصريين الى أوضاع بائسة على كافة المستويات، لن يدان فيما نظنه محسوماً، لأن السياق العام منذ قام المجلس العسكرى بتسلم السلطة بالمخالفة لدستور 1971 وحتى التاريخ القريب، كان يفضى دون فراسة عميقة الى النتائج المعلنة. وعليه لم أفزع لقرار المحكمة، ولكن ازداد شعورى بضرورة ان نتفاعل مع الحدث بطريقة منطقية وعملية تتناسب من جهة، مع الصدمة التى انتابت الكثيرين من رفقاء الملحمة الثورية «25، 30» وخاصة من الشباب فضلاً على أسر الشهداء والمصابين والمضارين.. ومن جهة أخرى، مع الواقع المصرى الذى يتوق الى الاستقرار والامان والحرية والخبز.

وازداد يقينى بأن منظومة العدالة التى اضطلعت بمحاكمة الرئيس الأسبق (التشريعات «القوانين»، الشرطة «التحريات، القبض، التحفظ، السجون»، الطب الشرعى «تقارير»، النيابة «التحقيق والإحالة»، القضاء «التحقق والحكم»)، أبلغ عنوان لحقيقة الأوضاع المتردية لدولة شاخت وترهلت كما وصفها أ. حسنين هيكل قبل سنوات من 2011، وكما تناولها الرئيس السيسى (جريدة التحرير فى 12/9/2014): «الفساد طال كل شىء ومفاصل الدولة تعرضت للخراب».

فقد كان أداء منظومة العدالة فيما يتعلق بـ (نهب المال وتهريب الآثار ومخالفات الأراضى والبناء غرق العبارة، خالد سعيد، بيع القطاع العام واحتجاجات العمال، كنيسة القديسين بالإسكندرية، كنيسة نجع حمادى، التعامل مع جمهور المواطنين ـ تزوير الإنتخابات «منبع الفساد والاستبداد السياسي»... إلخ)، أحد أهم الدوافع الرئيسية لاندلاع الملحمة الثورية والمستمرة حتى تاريخه.

•••

ولعلكم تذكرون ما أثارته منظومة العدالة خلال السنوات الأخيرة بعد 25 يناير 2011 من تداعيات سلبية على المستويين المحلى والعالمي. عند فشلها فى توقيع القصاص على كل المتسببين فى شهداء ومصابى الثورة فى التحرير / موقعة الجمل / ماسبيرو / محمد محمود.... إلخ، وعند تناولها لقضية العاملين بالمنظمات الاهلية وتسفير حاملى الجوازات الأجنبية بليل على متن طائرة أمريكية، وعند إصدارها للأحكام بإعدام المئات (على دفعات) بعد جلسات سريعة، وعند إصدارها أحكام البراءة او أحكاما مخففة على معظم قيادات وأفراد الشرطة في أحداث الثورة. وعند إصدارها الأحكام المغلظة على المحتجين من الشابات والشباب والكهول وعند احتجازها للآلاف احتياطياً بدون حد أقصى، وعند تغاضيها عن فوضى الشارع والسوق... إلخ.

وتؤكد لنا حيثيات الحكم على الرئيس مبارك بأن المحكمة السابقة التى حكمت «بالمؤبد» قد جانبها الصواب فى تناولها للقضية وإدانتها للرئيس الأسبق بسبب تغاضيها عن أخطاء إجرائية؟؟ ارتكبتها النيابة تحت رئاسة النائب العام السابق المستشار محمود عبدالمجيد! (عنوان التقصير فى حماية الشعب المصرى من فساد الرئيس الأسبق). وأظن أيضاً ان قرار رئيس المحكمة بعدم النظر فى أوراق القضية جنبه الاضطلاع على أوراق لجنة تقصى الحقائق (برئاسة المستشار عادل قوره) التى أدانت بصراحة بالغة الشرطة «حديث سيادته فى جريدة الوطن بتاريخ 23/9/2012)». وللعلم أن تلك الأخطاء التى اكتشفها المستشار الرشيدى والتى أفضت إلى الحكم بالبراءة قد تؤدى الى حد كبير الى ضياع حق الشعب المصرى فى إمكانية استرداد أمواله المنهوبة فى الداخل والتى هربت الى الخارج، والتى كانت تجنبه سؤال الأشقاء والأصدقاء والأعداء، (هناك شائعات مثارة منذ القبض على مبارك أن رجال الخليج مستعدون لتعويض مصر عن تلك الأموال فى حالة إطلاق سراحه).

وتؤكد لنا حيثيات الحكم أيضاً ان مصر كانت دولة مؤسسات فى عهد الرئيس الأسبق مبارك (بخلاف ما يعتقده البعض وانا منهم)، وعليه استقر فى وجدان المستشار الرشيدى وأعضاء اليمين والشمال فى المحكمة الموقرة أن وزير البترول والأجهزة المختصة فى الدولة المصرية قد عقد إتفاقيات تصدير الغاز إلى إسرائيل بدون علم وموافقة الرئيس الأسبق، مع أن هناك حكما باتا ونهائيا بالإدانة فى قضية الغاز من المحكمة الإدارية العليا (قضية السفير إبراهيم يسرى).

وللأسف الشديد فإن من تولوا مسئولية الحكم والتشريع بعد 25 يناير وحتى تاريخه، قد خذلوا الشعب المصرى من جهة، بتقاعسهم عن إصلاح تلك المنظومة، متضمنة إصدار قانون للعدالة الانتقالية، ومن جهة أخرى، بارتكابهم خطيئة استمرار استخدامها فى حسم الصراعات السياسية.

•••

وأظن أن الملحمة الثورية العظيمة للشعب المصرى (25-30)، التى اسقطت ــ إلى غير رجعة ــ هيبة السلطة الديكتاتورية تحت أى مسمى «عسكرية/ مدنية/ دينية» عبر شهدائها ومصابيها، عليها الآن الاستمرار فى جهودها (الروحية والعقلية) حتى تقتلع كافة مظاهر ومكونات كهنوت تلك السلطة وتحقق كافة شعاراتها (الحرية / العدالة / الكرامة / العيش). والسبيل الوحيد إلى ذلك هو إصلاح مؤسسات الدولة «الفاسدة / المفسدة / المستبدة»، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الوطنية الحديثة فى إطار الدستور والقانون والمواثيق الدولية.

ومن الجلى أن تكون «مؤسسة العدالة» الآن، من أولى المؤسسات التى يجب أن توجه لها جهود «المجتمعين المدنى والسياسى» لإصلاحها من كافة الجوانب «تشريعات، إجراءات، وهياكل، وقوى بشرية». ومن هذا المنطلق فإننى أثمن توجيهات الرئيس السيسي لتعديل القوانين والإجراءات ذات العلاقة ببعض أحكام البراءة، ولكننى أتطلع إلى الإصلاح المتكامل بالاستعانة بالخبرات العلمية المتراكمة فى هذا المجال «محلياً وعالمياً».

واتساقاً على ما سبق فإننى آمل فيما يلى:

• إجراء تحقيقات لكل ما أشار اليه السيد المستشار الرشيدى من شهادات حكماء الوطن وولاة الأمور (وفق الحيثيات) مثل عمر سليمان وطنطاوى ونظيف وموافى والتهامى، تتعلق بقتل واصابة الثوار، بجانب ما ورد على لسانهم عن مؤامرة (أمريكية / إسرائيلية / إيرانية / تركية / قطرية).

• معاقبة المسئولين فى مؤسسة العدالة الذين سمحوا للرئيس الأسبق بالتواصل تليفونياً من محبسه مع (السيد أحمد موسى؟) لمخاطبة الشعب المصري مؤكداً على براءته قائلاً: «انا لم أرتكب شيئا إطلاقاً».

• أن تتضافر جهود المجتمعين المدنى والسياسى للمطالبة بإعادة محاكمة الرئيس الأسبق ومعاونيه عن وقائع الفساد والإفساد السياسي والاقتصادى والاجتماعى والثقافى طوال حكمه، لمداواة جراح الماضى وكضمان لعدم تكرار ذلك فى المستقبل.

• أن تعمل السلطة على «القطيعة مع الماضى» عبر مؤسسة للعدالة جديرة بدولة حديثة، واتباع سياسات تحيل كل نواياها الحسنة وأقوالها إلى واقع ملموس، لتضع حداً فاصلاً بينها وبين المنافقين والحاقدين على الملحمة الثورية «25 ــ 30».

•••

وفى نهاية كلماتى أقول ان الغالبية العظمى من الشعب المصرى بعد الحكم بالبراءة على الرئيس الأسبق أشد شوقاً وتصميماً للمشاركة فى الحكم وإصلاح مؤسسات الدولة (وفى مقدمتها مؤسسة العدالة) عبر أصواتهم الانتخابية والاحتجاجية المنضبطة بقوانين تتوافق مع المعايير الدولية، بغية إرساء قواعد دولة «القانون» و«الحقوق لكل الناس دون تمييز أو إقصاء» والتى لا يمكن بغيرها ان يتحقق للمواطن «الحرية والخبز» وللوطن «الأمن والاستقلال».

سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات