باكستان.. أزمة كشمير تساعد الجيش في تعزيز هيمنته على النظام السياسي - بوابة الشروق
الخميس 5 يونيو 2025 5:31 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

باكستان.. أزمة كشمير تساعد الجيش في تعزيز هيمنته على النظام السياسي

واشنطن- د ب أ
نشر في: الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 10:32 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 10:32 ص

في 20 مايو الماضي، وللمرة الثانية في تاريخ باكستان الذي يمتد على مدار 77 عاما، حصل قائد عسكري في الخدمة على رتبة مشير، الرفيعة. وبالنسبة للجنرال سيد عاصم منير أحمد شاه، جاءت الترقية تتويجا لطموحاته، وفي الوقت نفسه تأكيدا رمزيا على هيمنة الجيش وسط نظام سياسي هش في البلاد.

وأكد تقرير نشرته مؤخرا مجلة ناشونال انتريست الأمريكية أن أزمة كشمير الأخيرة بين نيودلهي وإسلام أباد أكدت، وعززت، قبضة الجيش الخانقة على النظام السياسي في باكستان.

وبحسب التقرير، لطالما كانت باكستان دولة بريتورية تقليدية: أي نظام سياسي تكون فيه المؤسسات السياسية أضعف من أن تحتوي أو توجه سلطة الجيش، الذي يتقدم بشكل متكرر، باعتباره القوة الوحيدة المتماسكة، لفرض النظام.

وفي التقرير، أشارت أبارنا باندي - مديرة مبادرة مستقبل الهند وجنوب آسيا لدى معهد هدسون- وفيناي كاورا- أستاذ مساعد بقسم الشؤون الدولية والدراسات الأمنية في جامعة سردار باتيل للشرطة والأمن والعدالة الجنائية في راجستان، بالهند- إلى أن هذا النمط ليس وليد الصدفة، بل هو نمط دولة جرى صياغة حمضها النووي المؤسسي (جوهرها) في ظل المركزية الاستعمارية، وتوقف تطورها السياسي قبل أن تترسخ معايير ديمقراطية.

وليس ارتقاء الجنرال منير إلى رتبة مشير مجرد صعود رجل عسكري، بل هو تتويج لنظام، حيث إن مسيرته المهنية - التي امتدت على مدى فترة قيادته لكل من الاستخبارات العسكرية، ووكالة الاستخبارات الباكستانية الرئيسية - تجسد الاندماج بين المراقبة والرواية الدينية والقيادة الاستراتيجية التي تحدد الآن ماهية الجيش الباكستاني.

إن هذه قوة لم تنظر مطلقا إلى واجبها الأساسي على أنه حراسة حدود باكستان، بل ترى نفسها حارسا للحدود "الأيديولوجية" للبلاد.

وترى باندي وكاورا أن النخبة المؤسِسة للدولة الجديدة- التي تأسست كدولة ديمقراطية- حافظت على بنية السلطة الاستعمارية وعلى زخرفها. وكان من شأن التركيز المتنامي على التوازن المؤسسي أن يؤدي إلى أن يكون مسار باكستان واحدا يملأ فيه التماسك التنظيمي للجيش فراغا خلفته الأحزاب السياسية الضعيفة والبيروقراطية المتأصلة، والهيئات التشريعية التي تفتقر للمصداقية، وأيضا القضاء المُسيّس.

وعلى مدارالأعوام الـ 77 الماضية، كان الجيش الباكستاني يخفي كل تدخل - مباشر أو غير مباشر - في الحكم، وراء ستار إنقاذ النظام القائم. وحتى الآن، في ظل حكومة مدنية اسميا، فإن مركز السلطة ليس البرلمان في العاصمة إسلام آباد، بل في قاعات روالبيندي المحصنة، حيث مقر الجيش.

وتقول باندي وكاورا إن باكستان قائمة على هذا التناقض - غير المستقر، وغير القابل للاستمرار - حيث يدعي مركز ما الشرعية، في حين يمارسها مركز آخر.
وتقوم شرعية الجيش على وهم النظام والاستقرار. ومن خلال عرض صورة من السيطرة المنضبطة والهدف الوطني، حصنت المؤسسة العسكرية نفسها ضد المُساءلة، حتى مع ضعف المؤسسات المحيطة بها.

ونسى الجيش، أو تجاهل، أن أي دولة تحتاج إلى مؤسسات مختلفة تعمل معا في إطار نظام واحد. فالجيش لا، ولن، يستطيع إدارة جميع الأمورفي باكستان، حتى وإن حاول ذلك على فترات منتظمة، علنا أحيانا، وسرا على نحو دائم.

وترى باندي وكاور أن تدخل الجيش على نحو مفرط لم يجعل باكستان دولة قوية، ولكن دولة هشة: فالمجتمع الباكستاني مجزأ على أسس عرقية ولغوية، ونظام البلاد السياسي أجوف ومتطرف، واقتصادها في حالة ركود.

إن لقب المشير في حد ذاته هو صدى لأيوب خان، رجل الدولة العسكري النموذجي الذي شهد عهده إضفاء الطابع المؤسسي العلني على الحكم العسكري. وفي حين أعلن خان سلطته بشكل واضح وصريح - حيث أصبح قائدا للجيش في عام 1951، ثم رئيسا، عبر انقلاب، في 1958، وتولى الحكم حتى استقالته في عام 1969 - فإن سلطة منير شاه الذي أصبح مشيرا تكمن في غموضها: فالجيش الباكستاني الحديث لا يطيح بالحكومات المدنية - بل يصنعها، ولا يلغي الانتخابات - بل يقوم على هندسة نتائجها، ولا يفرض رقابة علنية - بل ينسق الروايات المختلفة.

والمأساة لا تكمن في القطيعة، بل في الاستمرار الذي يتخفى في رداء الإصلاح.
ولا يزال موقف الجيش من المعارضة الداخلية كما هو، سواء كان تمرد البلوش، أو مطالبات البشتون والسند، بحقوقهما. ولا يُنظر إلى ذلك على أنه مطالب مفهومة داخل بلد يتميز بالتنوع العرقي واللغوي، بل كخيانة تدعمها جهات أجنبية، تحديدا الهند أو أفغانستان.

واستجابة الجيش إلى أي بادرة من المعارضة ليست بالمشاركة، بل بالإقصاء – وقد تم تقنين ذلك عبر موافقة المحكمة العليا على إخضاع المدنيين للمحاكمات العسكرية، وهو تطبيع مقلق للفقه الاستبدادي.

ويمثل ذلك جزءا من نمط أوسع نطاقا: حيث شهدت فترة ولاية منير توسعا في التدخل العسكري في الصحافة والقضاء، وفي الانتخابات. وفي ظل هذا المناخ، ثمة إعادة تعريف للسيادة: ليست سيادة شرعية متجذرة في القانون، ولكن سيادة سياسية متجذرة في القوة.

وفي أي بلد من بلدان العالم، الدولة هي الكيان الوحيد الذي يحتكر استخدام القوة. وبمجرد أن تسمح الدولة للجهات الفاعلة الأخرى، دون الدولة، باستخدام السلاح، فإنها بذلك تتخلى عن الشرعية من أجل مصالح قصيرة الأجل.

ومنذ عام 1947، وبشكل خاص منذ سبعينيات القرن العشرين، اعتمدت المؤسسة العسكرية الباكستانية على الجماعات الجهادية كأدوات لسياستها الخارجية الإقليمية، في مواجهة الهند وأفغانستان في المقام الأول.

وفي ظل مخاوف من عدم قدرة باكستان على الحفاظ على التفوق العسكري التقليدي أمام الهند، خاصة بعد عام 1971، أضاف الجيش الباكستاني مستويين لسياسة الردع: السلاح النووي والحرب شبه التقليدية، أو الحرب بالوكالة.

وفي حين تسببت الهجمات الإرهابية التي شنتها جماعات تتخذ من باكستان مقرا لها، داخل الهند، في خسائر في الأرواح، والإضرار بالأبرياء، كان رد الفعل العكسي على باكستان والباكستانيين أسوأ.

وحذرت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون نظيرها الباكستاني في عام 2011: "لا يمكنك الاحتفاظ بالثعابين في فنائك الخلفي، وأنت تتوقع منها أن تلدغ جيرانك فحسب“، وهو ما يؤكد الأوهام القاتلة التي تعاني منها الأمم التي دمرتها الوحوش التي صنعتها بنفسها.

لقد تحولت مناورة الجيش الباكستاني المتمثلة في الاستفادة من الوكلاء من أجل العمق الإقليمي إلى عائق استراتيجي. وينظر الكثيرون في أنحاء العالم، إلى باكستان كدولة تؤوي إرهابيين. وفي حين أن الرواية المحلية في باكستان قد ترفض ذلك باعتباره دعاية غربية أو هندية، سوف يتعين على هذا السرد أن يواجه الواقع، عاجلا أو آجلا.

وفي ختام التقرير، تخلص باندي وكاورا، إلى أن أنه لا يوجد شيء مقدر سلفا، و أن الأمم تتعثر، أحيانا بشكل كارثي، لتجد في داخلها القدرة على التجديد. وبعد مرور 77 عاما على تأسيس باكستان كدولة ديمقراطية، يتعين على صناع السياسة في البلاد إعادة النظر في الطريق إلى المستقبل، حيث إنه بإمكانهم التوغل أكثر في الحكم العسكري أو العودة إلى الفيدرالية الدستورية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك