سلطت وسائل الإعلام الفرنسية الضوء على التحول الدبلوماسي الغربي في عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مع توالي الإعلانات الغربية عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذ رصدت تحديات تلك الخطوة في الاعتراف المشروط للدول بعد وجود حركة حماس في غزة، وإمكانية تولي السلطة الفلسطينية إدارة القطاع.
وبدأت معالم التحول الدبلوماسي في لحظة توصف بأنها مفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، تتضح في الساحة الدولية، مع توالي إعلانات عدد من القوى الغربية الكبرى عن نيتها الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.
وشهدت الأيام القليلة الماضية، مبادرات متسارعة قادتها فرنسا وكندا وبريطانيا، ورافقتها دعوات مباشرة من 15 دولة خلال مؤتمر أممي في نيويورك، أثارت جدلًا واسعًا وأعادت الزخم لملف كان غائبًا طويلًا عن الطاولات الرسمية، في ظل حرب مشتعلة بغزة ومأزق سياسي داخلي في الضفة الغربية.
وتحت عنوان "نداء نيويورك"، تصدرت عناوين الصحف الفرنسية تفاصيل هذا التوجه الجماعي للاعتراف بفلسطين، كجزء من إعادة إحياء حل الدولتين الذي يتآكل يومًا بعد يوم بفعل "العنف، والاحتلال، والانقسام الفلسطيني الداخلي"، وبين دعم دولي متنام، ورفض إسرائيلي وأمريكي صارخ، يتقدم الاعتراف بدولة فلسطين ليكون نقطة ارتكاز في معركة الشرعية الدولية المقبلة.
*15 دولة غربية تدعو للاعتراف بدولة فلسطينية
في ختام المؤتمر الوزاري للأمم المتحدة بشأن مستقبل فلسطين، الذي عُقد يومي الاثنين والثلاثاء في نيويورك، دعت نحو 15 دولة غربية، من بينها فرنسا، باقي دول العالم إلى الانخراط في الاعتراف بدولة فلسطينية.
من جهتها، قالت صحيفة "ميدي ليبر" الفرنسية، إن فرنسا، بجانب 14 دولة أخرى، أطلقت نداءً جماعيًا من نيويورك للاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذ جاء في تصريح وزير الدولة الفرنسي، جان نويل بارو على منصة "إكس": "في نيويورك، ومع 14 دولة أخرى، تطلق فرنسا نداءً جماعيًا: نُعبر عن رغبتنا في الاعتراف بدولة فلسطين، وندعو من لم يفعل ذلك بعد إلى الانضمام إلينا".
وأطلق "نداء نيويورك"، عقب المؤتمر الوزاري في الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
*ضعف شعبية السلطة الفلسطينية
وتشمل الدول الموقعة على هذا النداء، بجانب فرنسا: "كندا، أستراليا، أندورا، فنلندا، آيسلندا، إيرلندا، لوكسمبورج، مالطا، نيوزيلندا، النرويج، البرتغال، سان مارينو، سلوفينيا، وإسبانيا".
ورغم أن تلك الدول عبّرت عن "رغبتها أو اعتبار إيجابي من طرف بلدانهم" للاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلا أن تسع دول من هذه القائمة لم تعترف بعد رسميًا بدولة فلسطين، وهي: "أندورا، أستراليا، كندا، فنلندا، لوكسمبورج، مالطا، نيوزيلندا، البرتغال، وسان مارينو".
ودعت عدة دول عربية، من بينها السعودية وقطر ومصر، خلال مؤتمر "نداء نيويورك"، حركة حماس إلى تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، في خطوة تهدف إلى تحضير مستقبل فلسطيني دون مشاركة الحركة الفلسطينية، بحسب الصحيفة الفرنسية.
*تكريس حل الدولتين
وأشارت الصحيفة الفرنسية، إلى أن هذه المبادرة تهدف إلى جعل السلطة الفلسطينية الفاعل الأساسي في مستقبل الدولة الفلسطينية، موضحة أنه مع ذلك، فإن السلطة تعاني من فقدان المصداقية والدعم بين الفلسطينيين أنفسهم.
ووفقًا للصحيفة الفرنسية، فإنه على الرغم من هذه التحديات، يُعد "نداء نيويورك"، خطوة إضافية نحو اعتراف دولي مهم بدولة فلسطين، لكن هذا المسار لا يزال مرفوضًا من قبل كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
ولفتت الصحيفة الفرنسية، إلى أنه قد أُطلق هذا النداء من 15 دولة، في ختام المؤتمر الوزاري الذي عُقد بمبادرة من فرنسا والسعودية، ويهدف إلى تكريس عرض حل الدولتين للخروج من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تلك الفرضية التي لا تزال تتعرض لضغوط شديدة بفعل الحرب المستمرة في غزة، والاستيطان المتواصل في الضفة الغربية.
وأشارت قناة "فرانس24" بنسختها الفرنسية، تحت عنوان "هل يمكن أن يُضعف الاعتراف بدولة فلسطين حركة حماس؟"، إلى أن كلًا من فرنسا وكندا، وربما المملكة المتحدة، يستعدون للاعتراف بدولة فلسطينية لا تضم حماس، فهل يمكن لهذا الهجوم الدبلوماسي أن يُضعف الحركة الفلسطينية التي لا تزال تدير رسميًا قطاع غزة؟
*الاعتراف بفلسطين واستبعاد حماس
وقالت القناة الفرنسية، إنه من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، 51 فقط، ومعظمها من الدول الغربية، لا تعترف بعد بالدولة الفلسطينية التي أعلنتها القيادة الفلسطينية في المنفى عام 1988.
لكن كندا، العضو في مجموعة السبع، لحقت بفرنسا وأعلنت أيضًا نيتها الاعتراف بفلسطين في سبتمبر، كما أعلنت بريطانيا نيتها اتخاذ الخطوة ذاتها ما لم تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار.
ولفتت القناة الفرنسية، إلى أن الدولة الفلسطينية التي قد تعترف بها لندن، كذلك ستقصي حماس، إذ طالب رئيس الوزراء البريطاني بأن "لا يكون للحركة الفلسطينية أي دور في غزة"، وأن تطلق سراح المحتجزين الإسرائيليين المتبقين.
ووفقًا للقناة الفرنسية، فإن الاعتراف الفرنسي أيضًا مشروط بإصلاحات شاملة للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، بما يشمل استبعاد جميع عناصر حماس من الحكومة، والموافقة على نزع سلاح الدولة الفلسطينية المستقبلية.
*فرنسا والمنطقة: استبعاد كامل لحماس
ورحب وزير الدولة الفرنسي جان نويل بارو، بما وصفه بأنه "دعوة صريحة ولأول مرة من دول المنطقة" لإقصاء حماس وإدانة أحداث 7 أكتوبر.
وقال في تصريح لقناة "فرانس24": "هذه الدول تُعبّر بوضوح عن نيتها إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية".
من جانبه دعا وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، الدول الأخرى إلى دعم المشروع الذي تقوده بلاده بالتعاون مع فرنسا، بحسب القناة.
*لماذا تقبل حماس الإقصاء؟
يُجيب عدل بكوان، مدير، المعهد الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "ليس لديها خيار حقيقي"، مضيفًا أن الحركة فقدت بين 70 إلى 80% من بنيتها التحتية العسكرية في غزة، وأن حليفتها إيران تعاني أيضًا من أزمة ولا تملك قدرة تمويل أو تسليح حماس كما في السابق.
وأضاف أن الاعتراف بدولة فلسطينية سيُضعف شرعية حماس ونفوذها داخل المجتمع الفلسطيني، خصيصًا أن ميثاقها المعدل عام 2017 يُطالب بدولة على حدود 1967، وهي المطالب ذاتها التي تتبناها فرنسا.
لكن الباحث فريدريك إنسل، أستاذ الجغرافيا السياسية في "ساينس بو"، أوضح: "طالما أن حماس مسلحة، فهي ليست فقط جماعة إرهابية، بل عدوة للسلام ورافضة لحل الدولتين"، بحسب وصفه.
وأضاف إنسل أن المبادرة الفرنسية: "تُمثّل الحل الوحيد الموثوق- رغم كل شيء- والذي تسعى إليه الأمم المتحدة منذ عقود".
وتابع: "حتى لو اعترفت 192 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة بفلسطين، فلن يكون ذلك كافيًا لتغيير سياسة نتنياهو، التغيير الوحيد المحتمل سيكون عندما يضرب رئيس أمريكي الطاولة بيده".
من جانبها، قالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، إن مالطا تلك الجزيرة المتوسطية، العضو في الاتحاد الأوروبي، لديها تقليد طويل في دعم القضايا الفلسطينية، ودائمًا ما ساندت حل الدولتين.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية، أنه بعد فرنسا، ستعترف مالطا بدولة فلسطين في سبتمبر، إذ أعلن رئيس وزراء مالطا، روبرت أبيلا، مساء الثلاثاء، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، وقال في منشور على "فيسبوك": "موقفنا يُعبّر عن التزامنا بسلام دائم في الشرق الأوسط".
وأشارت "لوفيجارو"، إلى أن الحكومة المالطية كانت تتعرض لضغوط متزايدة من داخل صفوفها للاعتراف بفلسطين، كما دعا الوسط واليمين في المعارضة إلى الاعتراف الفوري منذ منتصف يوليو.
وكان أبيلا، أعلن في البداية نيته الاعتراف بدولة فلسطين في مايو، على أن يتم ذلك خلال مؤتمر أممي في يونيو، لكن تم تأجيل المؤتمر لاحقًا.
*كندا.. قناعة طويلة الأمد
بدورها، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تحت عنوان: "كندا تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر"، إن رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، أعلن يوم الأربعاء، أن كندا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين خلال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، مشيرًا إلى أن "مستوى المعاناة الإنسانية في غزة لا يُحتمل".
وأضاف كارني، أن قرار كندا مبني على "قناعة طويلة الأمد" بضرورة حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود، مشيرًا إلى أن "إمكانية حل الدولتين تتلاشى أمام أعيننا".
وأوضح أن نية كندا "مرتبطة باستعداد السلطة الفلسطينية لإجراء إصلاحات جوهرية"، مشيرًا إلى التزام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإجراء انتخابات عامة عام 2026، وعدم عسكرة الدولة الفلسطينية، إذ رحب عباس بهذا القرار "الشجاع" من كندا، واصفًا إياه بأنه "يأتي في لحظة تاريخية حرجة لإنقاذ حل الدولتين"، بحسب تعبيره.
وأصبحت كندا بذلك ثالث دولة في مجموعة السبع تُعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، بعد فرنسا والمملكة المتحدة.
*تحذير من دونالد ترامب
من جهتها، أدانت إسرائيل على الفور هذا الإعلان، ووصفت القرار بأنه "حملة ضغط دولية مضللة" تُقوّي موقف حماس على طاولة المفاوضات، وفق ما ورد في بيان السفارة الإسرائيلية في أوتاوا.
كما هاجمت وزارة الخارجية الإسرائيلية الموقف الكندي عبر منصة "إكس"، معتبرة أن هذا الاعتراف "يكافئ حماس ويضر بجهود التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وتحرير المحتجزين".
من جانبه، علّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضًا على القرار، قائلًا إن ذلك سيُعقد المفاوضات التجارية مع أوتاوا بشأن الرسوم الجمركية، وكتب على شبكته "تروث سوشال": "يا للعجب! كندا أعلنت الآن دعمها لدولة فلسطينية، سيكون من الصعب جدًا علينا التوصل إلى اتفاق تجاري معهم".
ومع هذا الإعلان، تنضم كندا إلى فرنسا التي أعلنت مؤخرًا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة، في محاولة لخلق زخم جماعي.
فيما رحبت الرئاسة الفرنسية بهذا القرار، وأكدت "استعدادها للعمل جنبًا إلى جنب مع كندا لإحياء آفاق السلام في المنطقة"، مشيرة إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون تحدث مع مارك كارني "في وقت سابق من اليوم" حول هذا الموضوع.
كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، يوم الثلاثاء، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر، ما لم تتخذ إسرائيل سلسلة من الالتزامات، بما فيها وقف إطلاق النار في غزة.
*كارثة إنسانية في غزة
يتزامن إعلان كندا مع ما أعلنته منظمة دولية لمراقبة الجوع مدعومة من الأمم المتحدة، يوم الثلاثاء، عن أن "أسوأ سيناريوهات المجاعة" بدأ يتحقق بالفعل في غزة.
وأضاف كارني، أن كندا كانت دائمًا عضوًا ثابتًا ضمن مجموعة الدول التي تأمل بتحقيق حل الدولتين ضمن عملية سلام قائمة على تفاوض مباشر بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، لكنه استدرك قائلًا: "للأسف، لم يعد هذا النهج قابلًا للتطبيق"، مهاجمًا "إرهاب حماس" و"رفضها المستمر والعنيف لحق إسرائيل في الوجود"، بحسب تعبيره.
كما انتقد "فشل إسرائيل المستمر في منع كارثة إنسانية في غزة"، وأدان توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي تُعتبر، حسب القانون الدولي، احتلالًا غير قانوني.
ويخضع نحو 2.4 مليون فلسطيني في غزة لحصار إسرائيلي منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023.