محللة اقتصادية: الهيمنة الأمريكية على الطاقة ضرورة استراتيجية - بوابة الشروق
الأربعاء 16 يوليه 2025 5:53 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

محللة اقتصادية: الهيمنة الأمريكية على الطاقة ضرورة استراتيجية

واشنطن - (د ب أ)
نشر في: الأربعاء 16 يوليه 2025 - 12:25 م | آخر تحديث: الأربعاء 16 يوليه 2025 - 12:25 م

لا تعد أجندة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للهيمنة على الطاقة مجرد سياسة اقتصادية، بل هي عقيدة استراتيجية، وأهدافها واضحة وهي أولا، ضمان استقلال الطاقة من خلال استخدام الوقود الأحفوري المحلي والطاقة النووية وثانيا، التأثير على أسعار الطاقة العالمية وثالثا، توفير طاقة ميسورة التكلفة وموثوقة للأمريكيين وللحلفاء ورابعا، تقليل الاعتماد على سلاسل إمداد الطاقة الخضراء الصينية، وذلك وفقا للمحللة الاقتصادية ديانا فورشتجوت-روث، والتي اعتبرت أن هذه الأهداف تعكس نهجا واقعيا لسياسة الطاقة، يرتكز على تحقيق المصلحة الوطنية والنفوذ العالمي.

وقالت فورشتجوت-روث التي كانت تشغل منصب مساعد وزير الخزانة الأمريكي للسياسات الاقتصادية وتدير الآن مركز الطاقة والمناخ والبيئة في مؤسسة "هيريتدج فاونديشن" في تحليل نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن هذا يمثل ابتعادا تاما عن استراتيجية إدارة الرئيس السابق جو بايدن للطاقة والتي ترتكز على المناخ. وباسم إزالة الكربون، فرض الرئيس بايدن قيودا على تطوير النفط والغاز على الأراضي الاتحادية، وفرض لوائح شاملة على الوكالات الاتحادية لتقليص إنتاج الوقود الأحفوري والبنية التحتية. وكانت النتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة على الأسر والشركات الأمريكية، مع تأثيرات ضئيلة على درجات الحرارة العالمية، سواء الآن أو المتوقعة بنهاية القرن الحادي والعشرين.

وترى فورشتجوت-روث، الأستاذ المساعد في الاقتصاد بجامعة جورج واشنطن، أن هذه التكاليف لم توزع بالتساوي، حيث تحمل الأمريكيون ذوو الدخل المنخفض، الذين ينفقون جزءا أكبر من دخلهم على الطاقة والغذاء، العبء الأكبر. كما عانت الشركات الصغيرة والمزارعون، الذين يعتمدون بشكل كبير على النقل والكهرباء. في غضون ذلك، حذرت الشركة الوطنية لموثوقية الكهرباء في تقريرها الصادر في ديسمبر 2024 من هشاشة الشبكة الكهربائية وارتفاع مخاطر انقطاع التيار الكهربائي اعتبارا من عام 2025، خاصة في وسط وشرق الولايات المتحدة.

وقد تأكدت أهمية الهيمنة على الطاقة خلال الصراع الإسرائيلي الإيراني، عندما ارتفعت أسعار النفط لفترة وجيزة بمقدار 10 دولارات للبرميل قبل أن تستقر عند 65 دولارا للبرميل. ولم تستجب الأسواق للصراع نفسه، ولكن لتوقعات الإمدادات المستقبلية - وهي توقعات ترتكز الآن على دور أمريكا الشمالية كأكبر منتج للنفط والغاز في العالم.

وأشارت خبيرة الاقتصاد، فورشتجوت-روث، إلى أن الرئيس ترامب يسعى إلى تطبيق هذه الأجندة من خلال الوسائل التشريعية والتنفيذية والتنظيمية. وينهي القانون الجديد الذي يحمل اسم "مشروع قانون واحد كبير وجميل" الإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية والطاقة النظيفة للمساكن في عام 2025، ويلغي تدريجيا الإعانات المقدمة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2028. ويعزز هذا التشريع الصناعة المحلية والأمن القومي من خلال ضمان اعتماد الولايات المتحدة على مواردها الخاصة من الطاقة بدلا من تلك التي تسيطر عليها بكين.

وفتحت الأوامر التنفيذية مجالات جديدة لتطوير النفط والغاز، ومنعت الإغلاق المبكر لمحطات الطاقة، وألغت سلطة ولاية كاليفورنيا لوضع معايير وطنية فعلية لانبعاثات المركبات. وتحتفظ الولايات بالحق في فرض قيودها الخاصة، لكن الولايات التي تختار تطوير مواردها من الطاقة ستستفيد من انخفاض التكاليف وتعزيز القدرة التنافسية في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.

ومن خلال امتلاك 273 مليار برميل من النفط الخام القابل للاستخراج من الناحية التقنية ونحو 3000 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، تمتلك الولايات المتحدة موارد تمكنها من تلبية الطلب المحلي ودعم حلفائها في الخارج. وجاء إلغاء الرئيس ترامب لحظر تصدير الغاز الطبيعي ليمكن الولايات المتحدة من الهيمنة على أسواق الطاقة العالمية، ويوفر ثقلا موازنا لمصدري الطاقة الآخرين.

وترى فورشتجوت-روث أن الهيمنة على الطاقة تعزز أيضا النفوذ الجيوسياسي للولايات المتحدة، ففي المناطق التي تعاني من نقص الطاقة مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا، يمكن أن تشكل صادرات الطاقة الأمريكية أداة للدبلوماسية والتنمية. كما سيحفز انخفاض أسعار الطاقة المحلية الشركات على توسيع عملياتها في الولايات المتحدة، مما يسهل فك ارتباطها بالصين وينعش التصنيع الأمريكي.

واعتبرت أن النتائج على المستوى الدولي تتجاوز التجارة، حيث أنه من خلال رفضها لعقيدة الانبعاثات الصفرية التي سيطرت على النخب الغربية، تضع الولايات المتحدة معيارا جديدا. فمع تسارع النمو الأمريكي في ظل نظام مؤيد للطاقة، ستضطر الدول الأخرى إلى إعادة النظر في سياساتها أو تخاطر بالتعرض لتدهور اقتصادي. والسابقة واضحة: عندما خفض الرئيس رونالد ريجان الحد الأقصى لمعدل الضريبة الهامشية عام 1986، تبعته دول متقدمة أخرى. وفي عام 1988 وحده، قررت بريطانيا وكندا واليابان ونيوزيلندا ادخال تخفيضات ضريبية كبيرة للحفاظ على القدرة التنافسية.

وتتآكل قاعدة التصنيع في أوروبا بالفعل بسبب تأثير تفويضات الانبعاثات الصفرية، فقد بدأت ألمانيا، التي كانت قوة صناعية في الماضي، تفقد الوظائف نظرا لأن اللوائح المناخية وواردات السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة تقوض قطاع السيارات بها. والدرس واضح وهو أن السياسات البيئية التي ترفع التكاليف وتمكن الحزب الشيوعي الصيني ليست غير سليمة اقتصاديا فحسب، وإنما خطيرة استراتيجيا أيضا.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان بإمكان الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تغيير مسارهما. فإذا ظلا مكبلين بقوانين الانبعاثات الصفرية الصارمة، فإنهما يواجهان خطر الركود وارتفاع معدلات البطالة وتزايد التفاوت في مستويات المعيشة مقارنة بالولايات المتحدة الناهضة.

وأكدت فورشتجوت-روث أن الهيمنة على الطاقة ليست شعارا، لكنها حجر الزاوية للقوة الوطنية. إنها تدعم المرونة الاقتصادية وتعزز التحالفات وتردع الخصوم. وفي عالم تعد فيه الطاقة سلعة وسلاحا، لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل التنازل عن السيطرة لأنظمة لا تشاركها قيمها.

واختتمت فورشتجوت-روث تحليلها بالقول إنه من خلال تبني استراتيجية متجذرة في الوفرة والسيادة والاستشراف الاستراتيجي، لا تعزز الولايات المتحدة اقتصادها فحسب، بل إنها تؤمن مستقبلها ومستقبل حلفائها أيضا.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك